الحرب لم تنتهِ في درعا: توتّر عالٍ لا يُسقط «التسوية»
تمثل محافظة درعا الجنوبية، اليوم، منطقة التوتر الأمني الأشد، من بين سائر الأراضي السورية التي تسيطر عليها الدولة. تعيش المنطقة أحداثاً مقلقة منذ أشهر. لا طمأنات يحصل عليها الزائر عند دخوله الحدود الإدارية للمحافظة. «شو جاي تعمل هون؟!»، سؤال يُوجّهه عناصر الجيش السوري للوافدين إلى المدينة، على قلّتهم. تعقب ذلك عبارة: «الله ييسّر».
الاستهجان يبدو واضحاً على وجوه من يعرف صفتك ووجهتك؛ إذ لا يدخل أحدٌ درعا اليوم إلا لأمر طارئ، أو للعبور من معبر نصيب نحو الأردن، بعدما عاد المعبر إلى الخدمة قبل 9 أشهر. أيّ زائر للمدينة سينتابه شعور بالقلق وترقب المجهول - مثلما هو الحال لدى أهالي المنطقة - ولا سيما عندما تصله أخبار مئات عمليات الاغتيال والقتل شبه اليومية بحق قوات الجيش أو عرّابي التسويات، إضافة إلى الهجمات التي تستهدف المقارّ الأمنية والحكومية في قرى الريف الغربي. مع ذلك، تشهد شوارع المدينة حركة شبه اعتيادية نسبةً إلى الوضع الأمني المتوتر، خصوصاً بعدما أصبحت الطرق سالكة بين البلدات والأسواق العامة، إلا أن الركود يصيب المحالّ التجارية على رغم وفرة المنتجات والبضائع. أحمد، أحد الباعة في «سوق الشهداء» وسط المدينة يقول: «السوق للفرجة اليوم وليس للشراء. الناس تشاهد الأسعار وتهرب». ثم يتابع قوله: «الناس خائفة ومتوترة، ترفض التخريب ولكن لا تستطيع مقاومته. معظم من قام بالتسويات انضمّ إلى صفوف الجيش، والناس تبلّغ عن مستودعات الأسلحة التي تعثر عليها ضمن أراضيها»، إلا أن كل جهودهم لم تكن كافية لتدخل المنطقة حالاً من الأمان والاستقرار.
رغم ما تقدم، لم يشكل التوتر الأمني في بلدات التسويات عائقاً أمام مسعى المحافظة، عبر مديرياتها، إلى تحسين الواقع الخدمي وتقديم المساعدات الإغاثية دورياً للأهالي. يتجنب جميع العاملين والمعنيين في المنطقة الظهور مع صحافي في الأماكن العامة. «الطرقات لها عيون»، يعلّق أحدهم، وهو صاحب محلّ في بلدة اليادودة في ريف درعا الغربي، حيث اغتيل رئيس البلدية، محمد المنجر، بعد أيام على إجرائه لقاءً مع محطة تلفزيونية. يلفت أحد أعضاء مجلس مدينة درعا، الذي فضّل عدم الكشف عن اسمه، إلى «(أننا) نحن خونة بنظر المسلحين الرافضين للتسويات، إلا أن البقاء على رأس عملنا يعطي طابعاً إيجابياً للأهالي، على رغم التهديدات التي تطاولنا». مضيفاً: «(إننا) نحاول الإسراع في الأعمال، لكن ثمة تحديات كثيرة تتمثل بردم خنادق المسلحين وأنفاقهم الكثيرة، ورفع أنقاض الحرب وإزالة التحصينات التي تركها المسلحون خلفهم».
أما المصادر العسكرية الرسمية، فلا تفضّل وصف درعا بأنها مدينة خارجة عن سيطرة الدولة، لكنها في الوقت عينه تعترف بانخفاض مستوى الأمان في قرى الريفين الغربي والجنوبي الغربي. أحد الضباط الموجودين في بلدة الصنمين يشير، إلى أن «الهجمات التي تكررت قبل شهر على المفارز ومخافر الشرطة كانت تجري ليلاً، ثم يعود المهاجمون إلى أعمالهم مع ساعات الصباح ويتداخلون بين الأهالي»، ما يجعل إلقاء القبض عليهم مهمة صعبة ومعقدة. لكنه، في المقابل، يشيد بـ«تعاون الأهالي وإبلاغهم المعنيين بأيّ تحرك مشبوه». واستَشهد الضابط في الجيش السوري بحادثة بلدة القنية الواقعة على طريق دمشق - درعا والمدخل الأساسي للقرى الجنوبية، حين أبلغ الأهالي العناصر الأمنيين «عن تحرك مشبوه لغرباء ملثّمين دخلوا أحد البيوت المهجورة، ورُصدوا وأُوقفوا قبل قيامهم بالهجوم الذي كانوا يعدّون له». وعلى صعيد موازٍ للإجراءات العسكرية والأمنية، علمنا أن الجهات الأمنية في درعا تعدّ قوائم بأسماء موقوفين سيُفرَج عنهم قريباً، ما يسمح بتحسّن الواقع الأمني، استمراراً للتسويات التي تحققت قبل عام.
فشل «فزعة» المسلحين
تُعَدّ بلدات طفس ونوى وجاسم، وبعض قرى أقصى الجنوب المتصلة مع البادية من أكثر المناطق التي تشهد توتراً في درعا، لكونها لم تشهد من قبل دخول قوات الجيش السوري إليها التزاماً بشروط التسوية التي وُقعت قبل عام من الآن، والتي تنصّ على بقاء المسلحين في تلك القرى والبلدات، واحتفاظهم بأسلحتهم الفردية داخلها، مقابل وقف العمليات العسكرية. خلال جولة سريعة في أرجائها، يمكن ملاحظة النشاط المسلّح بوضوح وكأن الحرب لم تنتهِ بعد، من حيث وجود بعض الملثمين الذين يحملون على أكتافهم أسلحتهم الخفيفة، وبقاء مقارّ المسلحين بشعاراتها قائمة في بعض الأحياء الفرعية أيضاً. هنا مركز لـ«جيش الأبابيل»، وهناك شعارات مناهضة للدولة، بينما تغيب التحصينات عن الطرقات تماماً. أما حواجز الجيش، التي يسعى الأخير من خلالها إلى قطع أيّ خطوط إمداد مفترضة، منعاً لتطور أيّ حدث عسكري، فتنتشر على مفارق الطرق بين القرى فقط، وهو ما يشعر زائري المنطقة ببعض الأمان. ويؤكد أحد المسؤولين الأمنيين الموجودين على طرف إحدى القرى أن «التواصل بين حواجز الجيش يجري عبر طرق عسكرية التفافية غير آمنة، لكنها أفضل حالاً من مرور العسكريين ضمن قرى التوتر».
«فزعة يا شباب». عبارةٌ كانت الأكثر توارداً في ما رصدته أجهزة التنصت لدى الجيش السوري، بالتزامن مع قيامه بعمليات في أرياف حماة وإدلب، حين تكثّفت الهجمات على حواجزه، وأيضاً على مقارّ الشرطة التي كانت قد عادت إلى عملها في وحداتها الإدارية. ويقرأ العسكريون هذه الهجمات بوصفها «محاولات للتأثير بتقدم الجيش شمالاً وإشغاله بأحداث أمنية جنوباً»، من دون أن تدفعه إلى خرق التسويات عبر الردّ العسكري الواسع. ويؤكد مصدر عسكري، «(أننا) نلتزم تعهّداتنا. لن نتّجه إلى الخيار العسكري مجبرين، ونتعامل مع الخرق بحذر. كذلك نبلّغ الجانب الروسي بمجريات الأمور، فهو الضامن للتسويات. وهناك تواصل مباشر مع وجهاء البلدات والمخاتير للوقوف على أسباب هذه الهجمات، وما يجري تمريره من ورائها. استيعاب هذه التوترات أفضل بكثير».
الأخبار
إضافة تعليق جديد