أوكرانيا: الثورة البرتقالية تنقلب على نفسها

الجمل:     بعد مرور عام واحد على انتخاب البرلمان الأوكراني الجديد (مجلس الرادا)، اندلع الصراع حول السلطة بشكل أدى إلى دفع العملية السياسية إلى ما يشبه حالة الاختناق، بسبب التجاذبات بين طرفين، هما:
الطرف الاول: رئيس الجمهورية فيكتور يوشيشينكو، وحليفة زعيم كتلة المعارضة البرلمانية (الأقلية) يوليا تيموشينكو.
الطرف الثاني: رئيس الوزراء فيكتور يانوكوفيتش وحلفاءه زعماء كتلة الأغلبية البرلمانية.
انطلقت الشرارة التي أشعلت حريق الأزمة الأوكرانية في يوم 2 نيسان الجاري، وذلك عندما  أصدر رئيس الجمهورية فيكتور يوشيشينكو مرسوماً جمهورياً بحل البرلمان الأوكراني (مجلس الرادا)، وجدولة الانتخابات الجديدة في يوم 27 أيار القادم.. ومن ثم قامت على الفور كتلة الأغلبية البرلمانية بقيادة رئيس الوزراء يانوكوفيتش برفض المرسوم الجمهوري، والاعتراض عليه باعتباره يتعارض مع الدستور، وأكدت الأغلبية البرلمانية بأنها سوف تستمر في القيام بأداء مهامها الدستورية.. واستمر الطرفان في التنازع، بانتظار قرار المحكمة الدستورية التي تم رفع الأمر لها من أجل البت والحسم بالقول الفصل..
يتذكر الجميع (الثورة البرتقالية) التي اندلعت في أوكرانيا، ضمن مجموعة (الثورات الملونة) الأخرى التي شهدتها بعض جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق، بدعم من إدارة بوش، وإسرائيل، وجماعة المحافظين الجدد، وأصبحت الإدارة الأمريكية تشير بأصابع الفخر والاعتزاز لهذه الثورات الملونة باعتبارها تحول حقيقي نحو الديمقراطية وحقوق الإنسان.
والإشكالية الأكثر حرجاً، تقول بوضوح: لما كان الرئيس الأوكراني الحالي فيكتور يوشيشينكو قد تم انتخابه بواسطة الأغلبية التي سيطرت على البرلمان الأوكراني (مجلس الرادا)، ضمن ما وصف بانتصار الثورة البرتقالية، فلماذا انقلب الرئيس (البرتقالي) فيكتور يوشيشينكو على الأغلبية البرلمانية (البرتقالية) التي انتخبته؟

تقول القصة:
بتاريخ 26 آذار عام 2006م، كانت توازنات الأحداث في الشارع السياسي البرتقالي الأوكراني تشير إلى الآتي:
- 12 % لصالح حزب أوكرانيانا الذي يتزعمه فيكتور يوشيشينكو.
- 32% لصالح حزب المناطق والأقاليم.
- 22% لصالح كتلة يوليا تيموشينكو.
عند توزيع المناصب، استطاع فيكتور يوشيشينكو زعيم حزب أوكرانيانا، أن يحصل على منصب رئاسة الجمهورية، برغم أن حزبه لم يحصل سوى على 12% فقط من أصوات الناخبين، وذلك بسبب:
- الدعم والمساندة الأمريكية والغربية.
- المناورة بالأصوات وابتزاز الكتل البرلمانية التي كانت محتاجة لقليل من الأحداث لكي تشكل الحكومة.
بعد مرور فترة على تشكيل الحكومة، قام يوشيشينكو رئيس الجمهورية، وزعيم حزب أوكرانيانا، برفض الاتفاق مع كتلة تيموشينكو (زعيم المعارضة البرلمانية) والاشتراكيين، وتم تكوين تحالف واسع ضم حزب أوكرانيانا، وحزب المناطق والأقاليم، وتم إسناد منصب رئيس الوزراء.
في الأشهر التي أعقبت الانتخابات، رفض يوشيشينكو زعيم حزب أوكرانيانا الاتفاق وتكوين (ائتلاف برتقالي) مع كتلة تيموشينكو والاشتراكيين، أو (ائتلاف واسع مع حزب المناطق والأقاليم) الذي عرض ليوشينكو آنذاك أن يقوم باختيار رئيس الوزراء، وبدلاً عن ذلك لجأ يوشيشينكو للتأخير والمماطلة، وانشق الاشتراكيون عن فكرة الائتلاف، وتركوا حزب المناطق والأقاليم يشكّل ائتلاف الأغلبية في تموز الماضي.. وفي آب وافق يوشيشينكو على تسمية الائتلاف ليانوكوفيتش رئيساً للوزراء.
الخلافات بين الأطراف الأوكرانية خلال الفترة الماضية تمثلت في الآتي:
- مطالبة رئيس الجمهورية المشاركة في الناتو ورفض الأغلبية البرلمانية لذلك.
- إقالة الأغلبية البرلمانية لوزير الخارجية ورفض رئيس الجمهورية قبول قرار الإقالة.
- الخلافات حول شروط الانضمام لمنظمة التجارة العالمية، بحيث يطالب رئيس الجمهورية بفرض الضرائب والرسوم، والبرلمان يرفض ذلك.
وصل الأمر بطرفي الصراع (رئيس الجمهورية والأقلية البرلمانية من جهة، ورئيس الوزراء والأغلبية البرلمانية من الجهة الأخرى) إلى المواجهة داخل البرلماني، بحيث أعدت الأغلبية البرلمانية مشروع قرار يعطي البرلماني الأوكراني الحق باستخدام حق النقض (الفيتو) ضد قرارات رئيس الجمهورية.
ولكن بحلول يوم 2 نيسان الجاري، أصدر الرئيس قراره بحل البرلمان وتنظيم الانتخابات البرلمانية الجديدة.
وعموماً فإن المعلومات المتوافرة تؤكد وقوف الإدارة الأمريكية مع الرئيس يوشيشينكو الحالي، في تحركاته ضد برلمان (الثورة البرتقالية)، الذي دعمته أمريكا، ولكن بعد أقل من عام عرف حقيقة الدعم الأمريكي، ولما حاول الانقلاب على رئيس الجمهورية المتحالف مع أمريكا وحلف الناتو، جاءت محاولة أمريكا الجديدة، وهي حل البرلمان، و(فض سامر) الثوار البرتقاليين الرافضين دعم المصالح والتوجهات الأمريكية.

الجمل: قسم الدراسات والترجمة