السباق السجال !؟
مرتهنة أنا هذه الأيام لشاشة التلفاز تبث الأخبار من ادلب وحلب, أجلس أمامها بتوتر من يتابع الركلات الترجيحية في مباراة مصيرية, انتهت أشواطها الأولى والإضافية إلى تعادل غير عادل, ولديه الثقة بأن فريقه لا بد فائز بضربات الجزاء, حيث اللعب على الأقل وجهاً لوجه, بغض النظر عن الجمهور المشترى, والحكم المتحيز, والفريق الخصم المدرب على الضرب والركل, والتمترس أمام المرمى!!.
مرتهنة أنا لشاشة التلفاز, ركلة وراء ركلة, وأملي يتصاعد وصور هذا الفصيل أو ذاك من الجماعات الإرهابية تتوالى أمام عيني وهم ذاهبون إلى حتفهم, بينما يخرج إلى النور الذين عاشوا في ظل جرائمهم, وتحت سياط نيرانهم وصواريخهم سنين أسر طويلة, وهم يهتفون للوطن, للجيش, ويعلنون بشموخ السوري العصي على الكسر, رغم كل الوجع المرتسم على القسمات, أنهم سيحملون البندقية, لتحرير باقي الوطن. وهي صور تثير إضافة لدموعي, دهشتي, واعتزازي بسوريتي, لأن هؤلاء كانوا في حكم الموتى, وكان إذلالهم روتيناً يومياً يمارسه عليهم الإرهابيون, وكان تعذيبهم بديلاً لقهوة الصباح, وحياتهم أشبه بالقبر المفتوح المبطن بالمرايا, يرون فيه أنفسهم كل لحظة مشاريع موت مؤجل, لكنه يبدو محتماً, دون أحبة يُحملون على أكفهم, ودون تعازي في صفحات الجرائد, ودون خيام عزاء يتسابق فيها الجميع بذكر محاسن موتاهم, ويبقى السباق سجال!؟.
أراقب الصور فتنعشني, وتجعل رأسي يعانق السحاب, فرفاق السلاح يثأرون لدماء رفاقهم, فأحتضن الشاشة وأبكي, وأسترجع من الذاكرة صور مواكب شهدائنا محمولة على أكتاف رفاق البندقية, مغطاة نعوشها بأعلام الوطن, وصور القابضين على السلاح, رغم الصقيع في الأحداق, في “دير الزور, وحلب, وحماة, وحمص, والغوطة, وادلب ..الخ”, وأراهم جلدنا الذي نسكنه, وإرادتنا المتقمصة في لحم ودم, ومنطقتنا السكنية التي نحتمي بها, وجبالنا المنيعة رغم الغدر, الممتدة على مساحة 180 ألف كيلومتر مربع من الأرض, وملايين القلوب السورية.
أراقب الصور, وأشمت باردوغان, وبلابسي الطراطير, وقد أهدروا ملياراتهم على الخواء, ملوك قطع اليد وقطع اللسان, وراكبي الجمل عكس التاريخ, أشمت بهم وقد غيَّر جيشنا التاريخ, وحلق وجه خديعتهم, ورش القطران على دشداشاتهم, فتحولوا بين ليلة وضحاها, من “بابا نويل” حامل الهدايا وموزع العطايا, ومانح الألقاب, وممول “ثورة مرملي النساء وميتمي الأطفال”, إلى “مهرجي سيرك” متقاعدين يستجدون بالتصريحات الخلبية, وبالبترول, البقاء على العروش, على أبواب بيوتات السياسة الدولية!؟
أراقب الصور, وأتواعد مثل أهل حلب, الإرهابيين ورعاتهم: بأن جيشنا أمامهم وخلفهم, وإنهم إن كانوا يريدون النسيان, فنحن لن ننسى, لأن جروحنا منهم وتقيحاتنا, لم تشف وعسير أن تشفى, وأن تقمصهم لدور أمير المؤمنين, واللعب بالورقة الطائفية, هو وهم في عقولهم وحدهم, ولا يمثل السوريين, لأن جميع السوريين يرونهم أقلية خرجت عن طوع الوطن, ونحن الأكثرية, ولذلك من الصعب أن نصدر مرسوماً يجبر الذاكرة على التعطل, وفي كل بوصة من أجسادنا وجسد الوطن, سهماً مسموماً من سهامهم, وقبر لحبيب كنا ننتظره على الغداء, فتحول الغداء إلى عزاء!!.
أراقب الصور, الإرهابيون ومن خلفهم رعاتهم ينحدرون إلى قبورهم, وكالمحمومة المجنونة, من خلف شاشة التلفاز أتواعدهم: هل تظنون أنكم ستنجون؟ ذلك وهم محال, لأن قبورنا ستحاربكم, ألا تعرفون أن الثأر وريث الوجع؟ ووجعنا منكم لا تحده الحدود, لأنه رغم أن معظمنا لم يغادر, ولا يملك حتى جواز سفر, قد شاهدنا العالم غربه وشرقه متحداً ضدنا, في شظايا سقطت فوق كل المنازل, والشوارع والساحات, وفي أعياد الأمهات,على مدارس وملاعب من نحب, ورأينا وخلف ظهورنا نهاراتكم الخائنة, كيف تزوج الظلام الوطن, وكيف احترق العش الجميل فجأة, وكيف جلسنا فوق الرماد, نلملم الثوب بالأيدي المقطوعة, فكيف نسمح لمن أجلسونا حزانى, ثكالى, بالرحيل, وعفى الله عما مضى؟ لا عفو عن جرائم ترتكب بحق الوطن, لأنها كفر, والرب في عليائه لا يعفو عن كفر, وما فعلتموه بالوطن وبنا كفر مبين, ونحن بشر, فكيف عنكم وعن ما فعلتموه نعفو؟
د. نهلة عيسى
إضافة تعليق جديد