من هم الفايكنغ ؟ قصة الأوروبيين الذين وصلوا إلى أمريكا قبل كولومبوس بـ500 عام
كان توسُّع الأسكتلنديين القدامى هو الحركة التاريخية التي قادت المستكشفين والتجار والمحاربين الإسكندنافيين والمعروفين في الدراسات الحديثة باسم الفايكنغ، للإبحار في معظم شمال المحيط الأطلسي، وصولاً حتى شمال إفريقيا وشرقاً حتى روسيا، وعبر البحر الأبيض المتوسط إلى منطقة الشرق الأوسط.
كانوا عبارة عن تجار ومستعمرين ومرتزقة، كما نهبوا كل ما تمكنوا من نهبه في طريقهم.
وتحت قيادة ليف إريكسون، وريث إريك الأحمر، وصلوا غرباً إلى أمريكا الشمالية وأقاموا مستوطنة قصيرة العمر في L’Anse aux Meadows الحالية، نيوفاوندلاند، بكندا.
تأسست مستوطنات نورسية طويلة الأمد وأكثر رسوخاً في غرينلاند وآيسلندا وجزر فارو وبريطانيا العظمى وأيرلندا ونورماندي.
الرحلة الأولى نحو شمال أمريكا
في نحو عام 1000 ميلادياً، أبحر الإسكندنافي ليف إريكسون غرباً من مستعمرة نورس في غرينلاند، واكتشف أرضاً خيالية سمَّاها فينلاند. لم يطل الزمن قبل أن تتحول الأرض الجديدة إلى مقبرة للفايكنغ والسكان الأصليين على حد سواء.
وبعد ثلاث سنوات، كان شقيقه ثورفالد في الصيف الثاني لرحلته الاسكتشافية. كان ثورفالد ورجاله يستكشفون أرضاً عند مصب المضيق البحري حينما رصدوا ثلاثة روابٍ على شاطئٍ رملي. وبمزيد من التدقيق، تبيَّن لهم أن الروابي ليست إلا زوارق مقلوبة وتحتها كان يقبع 9 رجال مرتعدين.
أسَرَ الإسكندنافيون القدامى 8 منهم، لكن التاسع نجا ودقَّ ناقوس الخطر، حسب ما نشره موقع History Extra.
وفي وقتٍ لاحق من اليوم نفسه، رأى ثورفالد ورجاله مجموعةً من الزوارق تبحر في المضيق البحري باتجاههم.
كانوا يفوقونهم عدداً، فلجأ الإسكندنافيون إلى سفينتهم وصدّوا الهجوم، مستفيدين من أسلحتهم الحديدية على متن السفينة. ومع ذلك، أُصيبَ ثورفالد أثناء القتال، بسهمٍ في إبطه وتُوفِّيَ بعد ذلك بوقتٍ قصير.
وبناءً على طلبه، دفنه رجاله دفناً مسيحياً، ووضعوا صليبين على قبره؛ أحدهما ناحية رأسه والآخر ناحية قدميه. كان ليف أول أوروبي تطأ قدمه القارة الأمريكية، وكان ثورفالد أول أوروبي يُدفَن هناك.
من هم الفايكنغ؟
وبسبب التاريخ اللاحق للأمريكتين، أصبح اكتشاف رجال الشمال -أو الفايكنغ- لأمريكا أحد أكثر الجوانب التي دُرِسَت في عصر الفايكنغ (من عام 800 إلى 1100)، وهي الفترة التي شهدت نشاط الغزاة والتجَّار والمستوطنين الإسكندنافيين في معظم أنحاء أوروبا؛ من الجنوب حيث الساحل الإفريقي الشمالي على البحر المتوسِّط، وإلى الشرق حيث بغداد. عرف الفايكنغ عن العالم أكثر من أيِّ أوروبيين سابقين.
ونظراً إلى أنهم كانوا مصدر التواصل الأوروبي الوحيد المُثبَت قبل كولومبوس مع الأمريكتين، فإن الانبهار بالاكتشافات الإسكندنافية لهو أمرٌ مفهوم.
هل يستحقون كلَّ هذا الاهتمام؟
يوصَف الطريق الإسكندنافي إلى أمريكا أحياناً بأنه “طريق الانطلاق”، لأنه سار على مراحل؛ من مجموعة جزرٍ إلى أخرى، مع معابر قصيرة نسبياً في البحر المفتوح بينهما.
جاءت الخطوة الأولى على الطريق -قبل 200 عام من اكتشاف ليف فينلاند- مع غزو واستعمار الجزر الشمالية بأسكتلندا بعد عام 800.
تبع ذلك، بعد نحو 25 عاماً لاحقة، بمستوطنة جزر فارو، ثم آيسلندا في عام 870، حسب ما نشره موقع مركز Smithsonian العلمي.
كانت الخطوة التالية هي تأسيس مستعمرة نورس غرينلاند من قِبَلِ إريك الأحمر عام 980.
ونظراً إلى أن غرينلاند جزءٌ من قارة أمريكا الشمالية من الناحية الجيولوجية، فيجب اعتبارها أول مستوطنة أوروبية في الأمريكتين، رغم أنه من النادر تعريفها على هذا النحو.
الرؤية الأولى
سرعان ما أعقب مستوطنة غرينلاند أول رؤية أوروبية للبرِّ الرئيسي لقارة أمريكا الشمالية، وهو إنجازٌ حقَّقه تاجرٌ آيسلندي يُدعَى فيارني هيرجولفسون.
وفقاً للقصة الملحمية الآيسلندية Grnlendinga، التي تُعَدُّ المصدر الأدبي الرئيسي لاستكشاف الفايكنغ لأمريكا، عاد فيارني إلى وطنه من رحلةٍ إلى النرويج عام 986، ليجد أن والده قد هاجَرَ إلى غرينلاند مع إريك الأحمر.
لم يعرف فيارني شيئاً عن غرينلاند، باستثناء أنها منطقةٌ جبلية وجرداء من الأشجار وفيها مراعٍ جيِّدة، لذا انطلق خلف والده.
بعد أيامٍ عديدة من سوء الأحوال الجوية وضعف الرؤية، وجد فيارني نفسه قبالة ساحل أرض جبلية كثيفة الأشجار. من الواضح أن هذه لم تكن غرينلاند، لذا أبحَرَ فيارني شمالاً وبعد يومين شاهد أرضاً ذات غاباتٍ مُسطَّحة، وأيضاً لم ينزل إلى هذه الأرض. وبعد الإبحار في الشمال الشرقي لمدة ثلاثة أيام أخرى، واجه فيارني أرضاً صخرية جبلية جليدية اعتقد أنها قاحلةٌ تماماً وأنها بذلك ليست غرينلاند التي يعرف عنها.
غادَرَ فيارني هذه الأرض مُتَّجِهاً إلى الشرق ووصل بعد أربعة أيام إلى مستوطنة نورس في غرينلاند.
أثارت اكتشافات فيارني الكثير من الاهتمام، وحين قرَّرَ التخلي عن التجارة والإبحار، اشترى نجل إريك الأحمر، وهو ليف إريكسون، سفينته، وانطلق في رحلةٍ استكشافية.
كان هذا في وقتٍ قريبٍ من تحوُّلٍ آيسلندا إلى المسيحية، أي نحو عام 1000. بدأ ليف بعكس مسار فيارني، وأثناء الإبحار باتِّجاه الشمال الغربي، وصل ليف إلى أرضٍ صخرية وأنهارٍ جليدية أطلق عليها اسم هيلولاند.
وحين تحوَّلَ جنوباً، وَصَلَ ليف بعد ذلك إلى أرضٍ منخفضة الغابات بها شواطئ رملية بيضاء، وقرَّرَ أن يطلِق عليها اسم فورستلاند.
ولدى إبحاره إلى الجنوب الغربي لمدة يومين، اكتشف ليف أرضاً تعجُّ فيها الأنهار بسمك السلمون ويكثر على ضفافها العنب البري. أطلق ليف عليها فينلاند (أو واينلاند).
أمضى شتاءً مريحاً مع رجاله، وبدت لهم هذه الأرض لطيفةً للغاية بحيث لم تكن هناك حاجةٌ إلى علفٍ شتويٍّ للماشية، إذ لم يكن هناك صقيعٌ طوال فصل الشتاء، ولم يكن العشب يذبل على الإطلاق.
كانت أيام الشتاء أطول بكثيرٍ مِمَّا كانت عليه في غرينلاند. وفي الربيع، قطَّعَ ليف ورجاله حمولةً كبيرةً من الأخشاب -كان الخشب دائماً شحيحاً في غرينلاند- وانطلقوا إلى الوطن.
لم يُجرِ ليف أيَّ اتصالٍ مع السكَّان الأصليين، ووقعت المواجهة الأولى القاتلة بين الطرفين خلال رحلة المتابعة الاستكشافية التي قام بها شقيقه ثورفالد.
لم يكن موت ثورفالد على يد الأمريكيين الأصليين كافياً لردع محاولتين على الأقل من قِبَلِ الإسكندنافيين للاستقرار في فينلاند. الأولى، بعد نحو عامين من وفاة ثورفالد، قادها ثورفين كارلسيفني، وهو تاجرٌ آيسلندي أخذ معه زوجته غودريد و65 رجلاً وخمس نساء، وعدداً مُتنوِّعاً من الماشية.
أمضى الجمع شتاءً هادئاً في ليفسبورد، وخلال هذه الفترة أنجبت غودريد ابناً، سُمِّيَ سنوري، وهو أول أوروبي وُلِدَ بأمريكا.
وفي الربيع، حصل أول لقاءٍ مع الأمريكيين الأصليين، الذين ظهروا في ليفسبورد لتجارة الفراء. أطلق عليهم الإسكندنافيون اسماً ربما يعني “الصرَّاخون”. كان هؤلاء مفتونين بأسلحة وأدوات الإسكندنافيين الحديدية، لكن كارلسيفني منع رجاله من تداولها معهم.
وخلال لقاءٍ ثانٍ في وقتٍ لاحقٍ من الصيف، قتل أحد رجال كارلسيفني واحداً من الصرَّاخين حاوَلَ سرقة بعض الأسلحة. وتصدَّى الإسكندنافيون لمحاولة الصرَّاخين الانتقام، ولكن بعد قضاء شتاءٍ آخر في ليفسبورد، عاد كارلسيفني إلى غرينلاند.
أُجرِيَت محاولةٌ ثانية للتسوية من جانب أخت ليف غير الشقيقة فرايديس إيركسدوتير، التي كانت، وفقاً لملحمة إريك الأحمر، قد سافرت بالفعل إلى فينلاند كجزءٍ من رحلة كارلسيفني.
لعبت فرايديس دوراً في صدِّ هجوم الصرَّاخين، إذ أرعبتهم بإظهار أحد ثدييها وقطعه بالسيف. كانت فرايديس امرأةً عدوانية وغير مناسبة للقيادة، وانتهت محاولتها للتسوية حين قُتِلَ نصف جماعتها في نزاعٍ داخلي قاتل.
سُجِّلَت رحلة واحدة فقط إلى فينلاند، وفي عام 1211 انطلق إريك غنوبسون، أسقف غرينلاند، إلى فينلاند ولكن مصير بعثته غير معروف.
ظهر الدليل الأثري على وجود الإسكندنافيين في أمريكا الشمالية عام 1961، مع اكتشاف مستوطنة من بيوتٍ طويلة وورش عمل في الطرف الشمالي من نيوفاوندلاند بكندا حالياً، بحسب ما نشره موقع BBC.
والبيت الطويل هو المسكن الإسكندنافي النموذجي، ولكن بيوتاً مماثلة قد بُنِيَت أيضاً من قِبَلِ الإنويت وشعوب أمريكية أصلية أخرى.
وما قطع الشك باليقين أن هذه مستوطنة للإسكندنافيين كان العدد الكبير من القطع المعدنية المُكتَشَفة في الموقع، وضمنها براشيم السفن المصنوعة من الحديد المطاوع، ودبوس من البرونز الإسكندنافي النموذجي.
عربي بوست
إضافة تعليق جديد