رسالة إلى شيرين
د.نزار العاني:
أيها الغراب الأسود اللعين : لماذا نقرت بمخالبك الجارحة زجاج شباك غرفتي هذا الصباح ؟ ليس صباحاً هذا ، إنه العتمة الراسخة في هذا الأربعاء الناهض من تقويم القسوة والرصاص والفجور .
ترى هل كتب الشاعر "إليوت" قصيدة "أربعاء الرماد" نذيراً بموتك الطارئ على يد القناص "يوشع بن نون" ؟
(سيّدة القنوت
الرصينة المفجوعة
زهرة الذكرى
وردة النسيان
واهبة الحياة في الضنى
المهمومة في طمأنينتها
الوردة الفريدة
أضحت الآن في الجنان)
مغتصبون في العلن : ( الجليل والكرمل وديرياسين وقرى القبو وناصر الدين والزيتون وكفر قاسم والتوافيق ووووو) . سفاحون منذ توراتهم : (الآن إذن ،اضرب أمامك،واحظر عليه كل ما يملك ،لا تترك له شيئاً، اقتل الكل،الرجال والنساء والأطفال والرضع) . مفترسون في تلمودهم: (من العدل أن يقتل اليهودي كل أممي لأنه بذلك يقرب قرباناً إلى الله ) . إرهابيون في بروتوكولاتهم كما ينص البروتوكول الثالث : (سنريق دماءهم ، ونستولي بعد ذلك على ممتلكاتهم ). قصيدة شاعرهم "يعقوب باسار" تقول (الحرب القادمة / ننشئها/ نربيها/ ما بين حجرات النوم وحجرات الأولاد) .
وكما كتبتُ لـ "غسان كنفاني" ولآلاف الشهداء من الفلسطينيين قبله وبعده ، أكتب لك اليوم وفي هذا الصباح يا "شيرين أبو عاقلة" لأصفع الضمير الإنساني الممجد لـ "مزامير داوود" دون بقية الأنبياء ، بما فيهم نبي الشهيدة "شيرين" التي صلبوها على رصيف منهك في جنين ،كما صلبوا راعي قلبها الطافح بالمحبة والعدل .
كتبتُ رسالة لشهيدة قبلك هذه الكلمات : ( ذهبتِ إلى الموت باختيارك يا أشرف النساء ،والرجال يتمددون تحت شمس التاريخ ، وعلى قاماتهم يسيل صمغ الرداءة ، وفوق ركامهم تلتصق سندات التمليك لخرائب هذا الزمان الصعب ، وفي جيوب سراويلهم الداخلية تتراكم العملات الأصعب ، وبعض الرصاص الخلبي ).
موتك يا "شيرين" أحرق ابتساماتنا الكاذبة ، وقيمنا الراكدة الرصينة ، وسياساتنا المتفسخة الغبية ، وألقى الضوء على خاتمتنا المحزنة المحتومة ، ما لم ننهض من غفلتنا ونقرأ بصوت عالٍ قصيدة شاعرهم "افرايم تسيدون" على مسامع المهرولين وراء سراب التطبيع والمفاوضات ووهم الحوار :
(لن نحاور ..ولن نجالسهم أبداً..وحتى لو تحولت سيوفهم إلى أقلامٍ ومساطر لن نحاور/ وحتى لو نقلوا اللاجئين إلى القطب الشمالي / ورفعوا رايات الهزيمة واعترفوا بالدولة اليهودية / لن نحاور .. حتى لو تخلت المنظمة عن ميثاقها/ وحول ياسر عرفات اسمه في احتفال رسمي ليكون موشيه/ لن نحاور حتى لو تخلى الفدائيون عن أسلحتهم وعقيدتهم/ وحتى لو قامت نساء فتح بنسج قبعات الصوف لجنود إسرائيل ...) وتمضي القصيدة لرفع أسوار الرفض بالكلمات ، كما رفعت الصهيونية أسوار الفصل العنصري بالإسمنت !
"شيرين أبو عاقلة " كتبتْ قصيدة رفضها عالية النبرة ، قصيدة يمتد "بحرها الطويل" من رأس الناقورة إلى رفح . السلام على روحك الجليلة أيتها المقدسية الباقية في ضمائرنا إلى يوم القيامة .
التعليقات
دائما بليغ في كتاباتك دكتور…
دائما بليغ في كتاباتك دكتور شكرا لكل الاضاءات في رسالتك لشرين ولو اننا مهما كتبنا وعلى صراخنا لن نستفيد فالظلم استفحل بظلمه على العالم
كلعادة اختيارك للكلمات تدخل…
كلعادة اختيارك للكلمات تدخل الصميم
موجعة وكما موتها
كل،الاحترام والتقدير…
كل،الاحترام والتقدير لسعادتكم دكتور نزار عل هذه المقاله الرائعة..دمتم
الف شكر
الف شكر
إضافة تعليق جديد