السعودية: الرمال المرهقة
الجمل: يتزايد اهتمام الولايات المتحدة خاصة، والعالم عموماً، بمستقبل توفر الطاقة النفطية. وقد انقسم خبراء الطاقة العالمية إلى فريقين؛ الأول: معسكر المتفائلين، الذين يعتقدون بأن النفط متوفر بشكل كاف، وسوف يبقى لفترة طويلة من الزمن؛ والثاني: معسكر المتشائمين، الذين يعتقدون بأن إمدادات النفط ستنقص باستمرار، وتصبح قليلة. ويعتقد الجميع بأن للمملكة العربية السعودية دور رئيس جوهري في ذلك، باعتبارها أكبر منتج للنفط في العالم. وفي هذا الصدد، يعتقد معسكر المتفائلين بأن المملكة سوف تستمر في زيادة إنتاجها، وبالتالي سوف تكون لديها القدرة على تغطية معدلات الطلب المتزايدة على النفط الآن وفي المستقبل. أما معسكر المتشائمين، فيصر على أن طاقة إنتاج حقول النفط في السعودية ستنضب في المستقبل، وبالتالي لن تستطيع السعودية توفير الحاجة المتزايدة للنفط في المرحلة القادمة.
وفي نظرة متأنية، نجد أن أهمية المملكة نفطياً، تكمن في النقاط التالية:
-السعودية أكبر منتج ومصدر للنفط في العالم.
-تمتلك السعودية أكبر احتياط نفطي في العالم.
-سرعة النفط السعودي في الوصول إلى الأسواق العالمية الرئيسة.
-قدرة السعودية على ضخ النفط بكميات إضافية كبيرة، في أوقات الحاجة القصوى، وبذلك تمنع حدوث الأزمات الدولية، التي يمكن أن تسببها الصدمات النفطية. وقد تأكد ذلك في الحالات الآتية:
*عند قيام الثورة الإيرانية عام 1979، قامت السعودية بضخ كميات إضافية من النفط، لتغطية انقطاع النفط الإيراني عن الأسواق الغربية، وبالتالي أنقذت أوروبا وأمريكا من الأزمة.
*عند قيام العراق باحتلال الكويت في عام 1990، قامت السعودية بدور حاسم في تغطية النقص الذي أحدثه انقطاع النفط الكويتي والعراقي عن الأسواق الغربية والعالمية.
وبسبب هذه القدرة الهائلة التأثير، التي تتمتع بها (إيجاباً أو سلباً، عن طريق رفع أو تخفيض تدفقات النفط إلى السواق العالمية)، فقد أصبحت السعودية تمثل جزءاً حيوياً هاماً من سياسة واشنطن الأمنية والاستراتيجية. وعندما تسارعت أسعار النفط بالصعود في ربيع عام 2005 كان أول ما فعله الرئيس جورج دبليو بوش، هو دعوة ولي العهد السعودي آنذاك (والذي أصبح ملكاً الآن) عبد الله، إلى مزرعته في كراوفورد في تكساس، وذلك لحثه على وجوب قيام السعودية برفع معدلات إنتاجها النفطي. وبالفعل، بعد الاجتماع، صرح بوش للصحفيين، بأن ولي العهد قد تفهم الأمر. ورغم قيام السعودية برفع معدلات إنتاجها، إلا أن واشنطن ما تزال تمارس ضغوطاً على الرياض من أجل المزيد من الإنتاج.
مستقبل النفط:
رغم دور السعودية الرئيس في تخفيف الأزمات النفطية، فإنها سوف تساهم، كما هو متوقع في المستقبل، في تأمين ربع الاحتياطي النفطي العالمي، وبالذات خلال الفترة القريبة، ابتداء من الآن وحتى عام 2025.
تؤكد تقارير الحكومة الأمريكية، بأن الطلب على استهلاك النفط، في هذه الفترة وحتى عام 2025، سوف يرتفع بنسبة 57%، أي من 77 مليون برميل يومياً (حالياً) إلى 121 مليون برميل. وفي المقابل، ترى أمريكا بأنه يتوجب على السعودية أن ترفع معدلات إنتاجها النفطي اليومي بنسبة 120%، أي من 10,2 مليون برميل (معدل إنتاج السعودية اليومي حالياً) إلى 22,5 مليون برميل يومياً؛ أي بزيادة 12,3 مليون برميل في اليوم.
ردود الأفعال:
أكد بعض المسؤولين السعوديين، على حقيقة أنه يمكن للإنتاج السعودي أن يدرأ خطر الأزمات النفطية. وأبرز التأكيدات، كانت على لسان هاتي الشخصيتين:
-علي النعيمي، وزير النفط السعودي، صرح في واشنطن قائلاً: «سوف نواصل الإمداد النفطي على مدى الـ (70 عاماً) القادمة على الأقل، وسوف نكون أكثر استعداداً وجاهزية للقيام بذلك. ونحن نعلم أن قدرتنا تفوق أي دولة في العالم».
-محمود عبد الباقي، نائب رئيس شركة أرامكو النفطية السعودية، أكد في حديث له في واشنطن، بأن شركته قادرة على رفع إنتاجها لسد احتياجات المستقبل النفطية.
رغم هذا التأكيد، ما تزال واشنطن تنظر نظرة مختلفة. وقد كتب المحلل النفطي الأمريكي ماثيو سايمون، قائلاً إن هنالك احتمالاً ضئيلاً بأن السعودية تستطيع تغطية حصة الإنتاج النفطي التي تقررها أمريكا، وذلك لأن السعوديين، إذا أنتجوا حسب طلب واشنطن، فإن نفطهم سوف ينضب في القريب العاجل.
الجدير بالذكر، أن ما كتبه ماثيو سايمون، لا يمكن غض النظر عنه بسهولة، لأن سايمون يعمل رئيساً لمجلس إدارة أحد أكبر بنوك الاستثمار النفطي في العالم، والتي تحمل اسم (سايمون وشركاه الدولية)، وقد ظل لفترة طويلة يضخ مليارات الدولارات في الاستثمارات النفطية الجديدة، ويمول حقول الإنتاج النفطي، إضافة إلى علاقاته الوثيقة مع أكبر الشخصيات العالمية في مجال النفط، وصداقته القوية مع الرئيس بوش، ونائبه ديك تشيني؛ كما أنه يدير أكبر بنك معلومات حول الشؤون النفطية في العالم.
ولهذه الأسباب، فإن النقاط الأربع، التي أشار إليها ماثيو سايمون، أثارت ضجة كبيرة، ولفتت انتباه العالم، وتتمثل هذه النقاط في:
-إن معظم إنتاج السعودية النفطي، يتم استخراجه من أربعة أو خمسة حقول.
-استثمرت هذه الحقول قبل 40 إلى 50 عاماً مضت، وبعد هذه الفترة الطويلة، تم استثمار الجزء الأكبر من نفطها، المميز بسهولة استخراجه.
-لكي تتم المحافظة على الإنتاجية العالية، قامت الشركات السعودية والأجنبية بـ (حقن) الآبار النفطية لهذه الحقول بكميات ضخمة من المياه، كي يرتفع مستوى النفط، ويطفو فوق سطح المياه.
-الآن، وفي المستقبل القريب، ستؤدي هذه المياه إلى التقليل أو استحالة استخراج النفط.
وتأكيداً على النقاط التي أثارها سايمون، فقد وجد كثير من الخبراء في تكنولوجيا النفط، ما يؤكد كلام ماثيو، وذلك حين تأكدوا بأن كميات النفط الإضافية المستخرجة في السعودية، احتوت على المزيد من المواد الكبريتية العالية التركيز، الأمر الذي يصعب عملية معالجة المصافي لهذا النوع من النفط، وبالتالي تزداد التكلفة.
الجمل : قسم الترجمة
الكاتب: ميشيل كلاري
المصدر: لوموند ديبلوماتيك
إضافة تعليق جديد