ما علاقة حركة المد والجزر الغامضة بالهزات الأرضيّة والقمر؟
بعدما وصفت منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي “الظاهرة” بأنها “غامضة”، وكثرت في شأنها التحليلات والإشاعات التي تَلَت خلال الأسابيع الماضية اهتزازات أرضيّة متواصلة في بلدان شرق أوسطية، يؤكّد عدد من الخبراء أن تراجع مياه البحر المتوسّط وعدد من المسطّحات المائية ظاهرة طبيعيّة مُعتادة مرتبطة بحركة المدّ والجزر.
وتضمنت المنشورات المتداولة صوراً لشواطئ تراجعت المياه عنها، بينها شاطئ مدينة سيدي إفني في جنوبيّ المغرب، الذي انكشفت مساحات كبيرة من رماله بفعل تراجع مياه البحر مما جعل منشأة تيليفيريك قديمة تظهر بالكامل.
وتناولت منشورات أخرى الحديث عن تراجع لمياه البحر في لبنان ومصر وفلسطين، وتراجع منسوب البحر في السواحل الإيطالية وجفاف الأنهار في البندقية، معتبرة الأمر “ظاهرة غريبة” تنذر “بحدوث شيء ما” وقال البعض إنها إشارة إلى حصول موجات مدّ بحريّ (تسونامي).
وضجّت وسائل التواصل الاجتماعي بهذه الادعاءات التي أثارت ذعراً عقب الزلازل والهزّات الأرضيّة التي شهدتها دول عدّة في الشرق الأوسط منذ السادس من فبراير/شباط وأودت بحياة عشرات الآلاف في تركيا وسوريا.
لكن التراجع الأخير للبحر في بعض السواحل ظاهرة طبيعيّة مألوفة تسبّبت فيها عوامل عدّة يشرحها الخبراء.
ظاهرة طبيعيّة
يحدث المدّ حينما يرتفع منسوب المياه في المحيط والسواحل، وحينما ينخفض منسوب المياه ويتراجع في الشواطئ يحدث ما يسمى بالجزر أو المدّ المنخفض.
ويقول الحسين يوعابد، رئيس مصلحة التواصل في المديريّة العامّة للأرصاد الجوية في المغرب، في حديث لوكالة الصحافة الفرنسية، إن المدّ والجزر ظاهرة طبيعيّة “تحدث نتيجة قوى الجذب من القمر والشمس، التي تؤثر في مياه البحار والمحيطات”. ويضيف: “يكون تأثير جاذبية القمر أكبر نتيجة قربه من الأرض”.
وإذا كانت الشمس والقمر والأرض على الخط المستقيم نفسه، يؤدّي ذلك إلى ظاهرة المدّ الكبرى، ومنها حركة المدّ والجزر الربيعية.
إضافة إلى ذلك، تؤثّر عوامل أخرى في حركة المد والجزر كالضغط الجوي وعمق المياه وشكل السواحل، كما يشرح هذا التقرير البيانيّ.
ويؤكّد الحسين يوعابد أن ما شهده بعض السواحل ومنها ساحل سيدي إفني من تراجع لمنسوب المياه، هو أمر طبيعي و”ليس ظاهرة غريبة ولا استثنائية”.
ويقول: “في ما يتعلق بمدينة سيدي إفني التي يحدث فيها المدّ والجزر مرتين في اليوم الواحد كسائر الشواطئ المغربية، ليست هذه المرة الأولى ولا الأخيرة التي يصل فيها مستوى سطح البحر إلى ذلك المستوى المنخفض”.
ماذا عن البحر الأبيض المتوسّط؟
ويعزو الحسين يوعابد مستوى الجزر المنخفض الذي سُجّل على البحر الأبيض المتوسط في خلال الأسبوع الثاني من شباط/فبراير 2023، إلى ظاهرة الجزر الفلكية، ويضيف إليها “تأثير الضغط الجوي الذي شهد ارتفاعاً بلغ 1035 HPA”.
وعمّ هذا الضغط جزءاً كبيراً من منطقة البحر الأبيض المتوسط، مما أدى إلى تقليص مستوى سطح البحر بنحو 22 سنتيمتراً، وفقاً للخبير.
وفي هذا السياق يقول ألفيس بابا المسؤول عن مركز مراقبة حركة المد والجزر في البندقية، لوكالة الصحافة الفرنسية، إن الجَزر الذي شهدته أنهار البندقية وتسبب في جفافها هو “أمر عاديّ تماماً”.
ويضيف: “نحو 70% من ظاهرة الجَزر يحدث على وجه التحديد خلال هذه الفترة، من يناير/كانون الثاني إلى فبراير/شباط”. ويُطمئن ألفيس بابا إلى أن الأمور ستعود إلى شكلها الطبيعي”.
وتؤيّد ذلك كلير فرابول، رئيسة قسم المدّ والجزر والرياح في مصلحة علوم المحيطات والمياه البحرية بفرنسا، معتبرة تراجع المياه في البحر الأبيض المتوسط مؤقّتاً.
وتقول: “إنها ظاهرة موسميّة لتقلُّص الكتلة المائية، مرتبطة بانخفاض درجات الحرارة في الشتاء، ممّا يؤدّي إلى انخفاض مستوى سطح البحر”. وتضيف أن هذا التقلّص الطبيعي هذا العام اقترن بتشكُّل “إعصار قوي مضادّ”.
والإعصار المضادّ هو منطقة في الغلاف الجوي يكون الضغط فيها أعلى مما هو حولها، مما يؤدي عادةً إلى طقس جافّ ومشمس.
مع ذلك فإن هذه الظاهرة ليست مقلقة، كما تؤكد كلير فرابول، “فالظواهر التي تحدث خلال هذا الوضع لا تشكّل خطراً، ونحن قيد العودة إلى الوضع الطبيعي”.
هل من خطر تسونامي؟
حسب المركز الوطني للإنذار بأمواج المدّ البحريّ (تسونامي) (CENALT)، “يحدث تسونامي بسبب زلزال تحت الماء بقوة 6,5 درجة على الأقلّ. وابتداءً من 8 درجات قد يكون المدّ البحري المتولّد مدمّراً”.
في معظم الحالات “يسبق الموجة الأولى للتسونامي انخفاض سريع في مستوى سطح البحر”.
وفي هذا السياق تؤكّد عالمة الرياضيات التطبيقيّة سيلفي بينزوني-غافاج أنه “لو كان من الممكن أن يتشكّل تسونامي عقب زلزال تركيا وسوريا، لوقع ذلك منذ وقت طويل”، أي بعد الزلزال مباشرة.
وتحسم آن ريبلوماز أستاذة الجيولوجيا في جامعة جوزيف فورييه بفرنسا الجدل بخصوص الموضوع قائلة: “في حالة زلزال فبراير/شباط، كان الصدع الزلزالي يقع في البرّ لا في البحر، لذا كانت إمكانية حدوث مد بحري مدمر ضئيلة للغاية”.
إضافة تعليق جديد