حزب الله يحقق إنجازًا نوعيًا بقصف تل أبيب
وصول صاروخ إلى قلب تل أبيب دون تمكّن القبة الحديدية من اعتراضه قد يبدو ‘‘إنجازًا كبيرًا‘‘ لحزب الله..لكن في حقيقة الأمر هناك ما هو أكبر..ألا وهو..‘‘إدارة حزب الله للمعركة‘‘..كان بمقدور الحزب استهلاك كامل قوته في الدقيقة الأولى بعد اغتيال حسن نصر الله وكامل القيادة العليا للحزب، لكنه اختار عوضًا عن ذلك إدارة شديدة الذكاء..على مستويين..الأول بنك الأهداف، والثاني احتياطي الترسانة العسكرية.
تجنّب حزب الله خطيئة إسرائيل الكبرى في المعركة..ألا وهي حرق بنك الأهداف..حققت إسرائيل نصرًا إعلاميًا ساحقًا باغتيال نصر الله وقادة الرضوان لا شك، لكنها ما لبثت بعد ذلك أن خسرت كل المعارك..نشوة القصف وعظم المُستهدف أنهى المعركة إسرائيليًا قبل أن تبدأ، وباتت مطالبة بالمزيد في حين أنه لم يعد هناك أصلًا المزيد..وعندما وضعت أمام المعركة الحقيقية في الميدان عجزت عن التقدم مئات المترات دون سحق مهين، بل وأصبحت مضطرة للدفاع من داخل حدودها..من قلب تل أبيب..وهي التي ظنّت أن المعركة ستدور في ضواحي بيروت وجبل عامل...أما حزب الله..فعلى ما يبدو تعلّم من الإيرانيين ما هو أكبر من استخدام السلاح..
يروي حمد بن جاسم وزير الخارجية القطري السابق وصانع مجدها الإقليمي في حواره التسجيلي مع صحيفة القبس الكويتية في برنامج الصندوق الأسود على يوتيوب ما أسماه ب ‘‘سياسة الفستق‘‘ الإيرانية..يقول..عندما يجلس وفدان ( عربي VS إيراني ) ويكون أمام كل الحاضرين أنواع شهية من الفستق..تجد الضيف العربي يلتهم عشرين حبّة في الثانية، أما الإيراني فمن طبعه التأني..يلتقط الحبّة الأفضل، ويدقّق فيها وينظفها مليًا ثم يأكل على مهل..
نكتة أخرى تدور في ذلك السياق وتقول..اصطدم سائق إنجليزي بسائق إيراني في شارع مغلق، وكان يتعيّن على أحدهما العودة للوراء..جلس الإنجليزي أمام مقود سيارته وأخرج جريدته وبدأ يقرأ، معتقدًا أنه ب ‘‘برودة دمه‘‘ سوف يجبر الإيراني على الرجوع..مرّت خمس دقائق..وبعدها وجد السائق الإنجليزي نظيره الإيراني يدق على زجاج سيارته ويستأذنه في الجريدة عندما ينتهي منها. حتى يقرأها هو أيضًا..ما المقصود مما سبق؟..الإيرانيون قوم صبورون..والصبر في أحايين كثيرة مفتاح نصرهم الأكبر..مقابل العرب الذين يبحثون عن ثأر سريع وعنيف، ربما يرتد إلى نحورهم قبل غيرهم..وهذا ما تعلمه حزب الله على ما يبدو من الإيرانيين.
الصبر تلو الصبر..وعدم الاندفاع متأثرًا بجرح اغتيال قائده التاريخي نحو حرق بنك أهدافه وبالبتعية الحزب نفسه..فتدرّج من خطوة للثانية..صمود أولًا في الميدان، مسيرات تضرب الخطوط الخلفية، بيت نتنياهو، ومن ثم عاصمة الكيان..وفي كل مرة ينجح بصورة أكبر من سابقتها، ويرسل رسالة واضحة..أن الحزب ليس فقط قادرًا على الصمود بل تصعيد مناطق الاستهداف وفقًا لتطورات الميدان..وفي حين لم يعد هناك جديدًا أمام إسرائيل لتقصفه، يبدو بنك أهداف الحزب عامرًا، وترتد أصداؤه العسكرية على الجانب الاستراتيجي والسياسي..لأنه ببساطة لم يحرق نفسه من البداية..وأصبح بمقدوره المفاوضة على كل هدف منفردًا.
أما النجاح الثاني فهو ‘‘الترسانة العسكرية‘‘..إذ أن حزب الله يصعّد في نوعية السلاح وفقًا لمقتضيات المعركة..لم يقصف تل أبيب منذ الدقيقة لأولى بوابل من الصواريخ الأكثر تدميرًا..لأ..تصاعد بطيء في نوع العتاد وفقًا لما تقتضيه الحرب..وأهم رسالة ينقلها الصاروخ الذي دكّ تل أبيب..هو أن الحزب ليس فقط بخير على الصعيد الميداني..لا..بل أنه ما يزال محتفظًا بجانب من التقنيات العسكرية التي لم يختبرها في المعركة، وأن استخدامها رهن بالسلوك الإسرائيلي..فإما العودة لحدود ما قبل البيجر في التصعيد، وإما حرب مفتوحة..لن يكون فيها لا سكان الشمال ولا العاصمة ولا نتنياهو نفسه بمأمن.
حزب الله تحدّى كل ما هو غير قابل للتحدي..تصفية كامل القيادة وصمد..تدمير خطوط الاتصال الميدانية ونجح في الصمود أضعاف ما فعل في 2006..بيئة داخلية لا توجد في أي دولة عربية أخرى حيث تصبح الخيانة والعمالة لإسرائيل مجرد وجهة نظر، وصمد في وجه مدافع جعجع وقنواته..محيط عربي شديد العدائية ويستطيع للحظة النجاة بل وتحقيق مكاسب معنوية..ترغب إسرائيل مستعينة بإدارة ترامب الجديدة في تغيير الشرق الأوسط للأبد..وسقوط هذا المشروع رهينة بأيدي أبطال جباليا ورجال الضاحية..طالما ظل صوت البندقية فعالًا، فلا نجاح لمشروع ولا قيام لهيمنة إسرائيلية..بالبندقية وحدها، وليس برهانات المطبّعين.
الصحافي المصري.. عبده فايد
إضافة تعليق جديد