كورديسمان: أمريكا لن تخرج من العراق قبل عشر سنوات
بعد أقل من أسبوع على تباهي نائب الرئيس الأمريكي ديك تشيني بتفاؤل باحثين سياسيين أمريكيين بعد زيارة أخيرة لهما الى العراق، على الرغم من كونهما كانا يعارضان السياسة الأمريكية هناك، خرج زميل لهما وهو انطوني كوردسمان من مركز السياسات الدولية الاستراتيجية (csis) بتقرير مختلف، وهو الذي زاملهما في الرحلة نفسها، أكد فيه أن أمريكا لن تغادر العراق قبل عشر سنوات.
وقال كوردسمان معلقاً على تقريره، الذي وصف ب “الواقعي والخطر”، “ليست مفاجأة أن انطباعاتي عن رحلة العراق مختلفة عن زملائي بالرحلة - يقصد كينيث بولاك ومايكل اوهانلن - فوجهة نظري بعد هذه الرحلة أن الولايات المتحدة ليس أمامها غير خيارات عالية الخطورة وغير مضمونة في العراق، ولا يمكن لواشنطن ان تملي مستقبل العراق، لكن يمكنها فقط التأثير فيه، وهو موقف قد تنتج عنه مشاكل جادة وخطرة، لا سيما أن العملية الاستراتيجية في العراق قد فشلت في التقدم الى الأمام، سواء في التوصل الى توافق أو وسيلة للتعايش السلمي بين الأطراف العراقية، أو حتى للتوصل الى تعريف للسياسة العراقية ووسائل الحكم، أو تكوين درجة من الاستقرار الأمني، أو التحرك على صعيد النمو الاقتصادي والتنمية”.
وفي تعريف أو مصطلح جديد طرح كوردسمان توصياته تحت اسم “الصبر الاستراتيجي” في العراق، والذي إذا نجح، على حد رأيه، يمكن تلخيصه بتخفيض في أعداد القوات الأمريكية بالتزامن، مع ربطه بما يحرزه العراقيون، وذلك بدلا من وضع معايير أداء.
ويصف كوردسمان هذا “الصبر الاستراتيجي” بأنه استراتيجية عالية الخطورة وسط اتجاهات إيجابية جارية حالياً.
ومع أن كوردسمان يعترف، في تقريره، بأن سياسة إدارة بوش التصعيدية أحدثت فارقاً في ما يتعلق بمحاربة المتمردين، لكنه رأى خلال زيارته للعراق أن هذه الاستراتيجية التي وضعتها إدارة بوش في يناير/كانون الثاني الماضي كان محكوما عليها بالفشل لولا (الحظ) الذي منعها من ذلك، وسببه قيام زعماء القبائل السنية بتغيير مواقفهم. اضافة الى أن فريق العمل الأمريكي بالعراق حاليا يتمتع بقدرة عالية وأفضل من الماضي، وبالتالي قد يتمكن من تطوير خطط متوافقة وقابلة للنجاح، وبالتالي تمكنهم من خلق القاعدة أو الأساس، وهذا سيكون في حاجة الى وجود “صبر استراتيجي” من الحزبين (أي اجماع حزبي من الديمقراطيين والجمهوريين).
وفي تقرير كوردسمان الباحث الشهير بمركز csis، وهو المركز الذي يضم عددا من معارضي سياسة بوش، وعلى رأسهم زبجينو برجنسكي، نجد توقعا له مفاده أن تخفض الولايات المتحدة أعداد قواتها في العراق بدرجة كبيرة لكنه يصل ايضا الى نتيجة وهي ان القوات الأمريكية في العراق ستبقى على الأقل لعقد آخر من الزمان، ولن تنسحب قبل عشر سنوات من الآن.
ووصل كوردسمان الى نتائج أهمها:
- أنه على السياسة الأمريكية ان تضبط نفسها أو تطور من نفسها، وهذا سيستغرق وقتاً.
- أن احتمالات نجاح الأمريكيين بالعراق ستبقى دائماً أقل من خمسين في المائة.
- أن واشنطن في أغلب الأوقات ستبحث دوماً عن افضل الخيارات السيئة (بمعنى أفضل الأسوأ).
- أن الولايات المتحدة ستستمر في محاولة التأثير في الأحداث في العراق الى الأبد، بغض النظر عما إذا كانت ستقوم بهذا التأثير من داخل العراق أو خارجه.
- أن الولايات المتحدة ستواجه أخطاراً ومشاكل عسكرية مستمرة بغض النظر عن الخيارات التي ستتخذها، وستستمر في مواجهة الأخطار والمشاكل والتحديات الاستراتيجية والسياسية والأخلاقية هناك.
ونجد كوردسمان وقد وضع الأهداف الأمريكية في العراق من دون مواربة وادعاءات أخلاقية في مكانها الصحيح وهو يقر بأهمية العراق حين يتحدث في تقريره عن نفط العراق الذي يمثل مخزوناً من احتياطي النفط العالمي 11% وان قدرته على زيادة معدل التصدير النفطي ستكون عاملاً كبيراً في التأثير في الاقتصاد العالمي، وبالتالي فالعراق له تأثير كبير في استقرار المنطقة (الخليج) وفيها 60 في المائة من الاحتياطي العالمي المعروف من النفط وكذلك 40% من احتياطي الغاز العالمي.
لذا يرى كوردسمان أن العراق سيلعب دوراً كبيراً في مستقبل العالمين العربي والإسلامي ولمواجهة التطرف والإرهاب، وهو -أي العراق- سيكون لاعباً كبيراً لاستقرار منطقة الخليج على المستويين السياسي والعسكري، وسيوفر الثقل اللازم لمواجهة النفوذ الإيراني ومحاولات الإيرانيين -حسب رأيه- لانتهاز الفرصة، وذلك إذا نجح العراق في الظهور مرة أخرى كقوة ذات فعالية بالمنطقة.
ويعود كوردسمان في تقريره الذي وصلت مكتب “الخليج” نسخة منه، ليؤكد خطورة أن يصبح شيعة العراق تحت التأثير الإيراني، فهو أمر -على حد رأيه- سيؤدي الى عدم الاستقرار، كما سيؤدي للضغط الإيراني على سوريا والأردن ولبنان، مما يضيف تأثيراً خطيراً آخر على عملية السلام العربية - “الإسرائيلية”.
وبغض النظر -كما يردف كوردسمان في تقريره- عما إذا حدث صراع سني - شيعي، فالدول العربية السنية ستؤيد السنة وستؤيد إيران الشيعة، وساعتها لن يستطيع المرء أن يخمن تأثير ذلك الوضع على العنف في العراق أو في الخليج كله.
وتوقف كوردسمان في تقريره عند الموضوع التركي - الكردي، مؤكداً أن هذا الموضوع بالأساس ليس قضية كردية بل تركية وله تأثيراته في سوريا وإيران، وشدد على تأثير هذا الموضوع في العلاقات التركية - الأمريكية، حيث أصابها بأذى، ومضى قائلاً “إن المنطقة المغلقة والمعزولة (كردستان بشمال العراق) عديمة القيمة الاستراتيجية للولايات المتحدة التي إما ستتخلى عنها أو ستضطر للدفاع عنها، وإن جيران هذه البقعة سيدخلون في اللعبة دفاعاً عن مصالحهم، وإن العرب العراقيين (السنة والشيعة) سيبذلون جهودهم لإضعاف أو إنهاء المنطقة الكردية، مما سيخلق مصدرا جديدا للعنف والشد والجذب بالمنطقة”.
حنان البدري
المصدر: الخليج
إضافة تعليق جديد