الهاجس الأمني يبقي أسعار النفط عند مستويات عالية
تراجع سعر النفط الأميركي الخفيف خلال الأسبوع الماضي إلى 78 دولاراً مقارنة بالمستوى القياسي 84.10 دولار الذي سُجل أخيراً. لكن رغم ارتفاع مخزون النفط الخام الأميركي، عادت الأسعار وصعدت إلى نحو 85 دولاراً نهاية الأسبوع الماضي مع احتمال هبوب إعصار جديد قد يهدد الساحل المكسيكي.
وتحاول منظمة «أوبك» وضع حد لارتفاع الأسعار بحيث لا تتجاوز 80 دولاراً. وصرح أمينها العام عبدالله البدري بعيد الاجتماع الوزاري الأخير للمنظمة «ان سعر 80 دولاراً عال ولا تدعمه أساسات السوق». ما يعني ان «أوبك» غير مرتاحة لهذا السعر المرتفع، وثمة تخوف من ان يؤدي استمرار ارتفاع الأسعار إلى مستويات قياسية جديدة كل أسبوع أو أسبوعين، ينتج منها خفض عاجل أو آجل للاستهلاك العالمي للنفط الخام، ويزيد من استعمال بدائل الطاقة الأخرى، ناهيك عن آثاره العكسية في اقتصادات الدول، خصوصاً النامية منها.
حدثت بلبلة في الأسواق بعد اجتماع «أوبك» في فيينا منتصف أيلول (سبتمبر) الماضي، إذ ادعى بعض المحللين ان زيادة 500 ألف برميل يومياً هي اقل مما توقعته الأسواق، رغم ان كل كلام وزراء «أوبك» والأمانة العامة للمنظمة قبل الاجتماع كان حول عدم زيادة الإنتاج بتاتاً.
تضطر منظمة «أوبك»، في الوقت ذاته، ان تكون حذرة من أي زيادة غير مدروسة في الإنتاج نظراً إلى غموض الوضع الاقتصادي العالمي في المستقبل المنظور، بسبب تداعيات أزمة قروض الرهن العقاري الأميركية على الاقتصادين الأميركي والعالمي، واحتمال انخفاض مفاجئ في الطلب على النفط ومن ثم تدهور الأسعار إلى مستويات متدنية.
وما أربك الأسواق أيضاً ان الزيادة لم تستطع كبح جماح ارتفاع الأسعار بعيد الاجتماع، رغم ان القرار الوزاري نص على رفع الإنتاج ابتداء من الأول من تشرين الثاني (نوفمبر) وليس فوراً، وكان السبب في تحديد هذا الموعد السعي إلى تأمين إمدادات إضافية لفصل الشتاء حين يرتفع عادة الطلب على النفط.
لكن رغم قرار «أوبك»، ونظراً إلى الارتفاع المفاجئ وغير الطبيعي في الأسعار، تشير معلومات أولية في قطاع الناقلات إلى زيادة فعلية في صادرات دول المنظمة هذا الشهر. وهذا أمر متوقع في هذه الظروف، فالدول النفطية تحاول الاستفادة من ارتفاع الأسعار بزيادة الإنتاج وتلبية طلبات الشركات خارج نطاق عقودها.
وما ساعد في الارتفاع الموقت للأسعار تزامن أحداث مهمة في الأسواق في حينه، أهمها اشتداد موسم الأعاصير في المحيط الأطلسي وخليج المكسيك، ما أثر في سير الناقلات الى الموانئ النفطية في جنوب الولايات المتحدة. والاهم من ذلك توقف كميات كبيرة من الإنتاج والتكرير الأميركي والمكسيكي فترة تقدر بـ 800 ألف برميل يومياً من خليج المكسيك، إضافة إلى 2.4 بليون قدم مكعبة من الغاز الطبيعي. إلا ان شركة «رويال داتش شل»، اكبر شركة عاملة في خليج المكسيك، ومعها شركة «بي بي»، أجليا موظفيهما وعمالهما، كما أغلقا منشآتهما في المناطق البحرية تحسباً لأي أضرار محتملة. لكنهما عادا إلى العمل بسرعة، مستفيدتين مما تعلمتاه من تجربة إعصار «كاترينا» عام 2005 في تخفيف الأضرار.
وصاحب هذا التوقف الموقت لكن الكبير، بروز مشكلة سياسية وأمنية جديدة، تمثلت في نسف الثوار اليساريين في المكسيك خطوط أنابيب النفط والغاز هناك، وتوقف انتاج كميات ضخمة في نيجيريا منذ فترة طويلة، وصلت إلى اكثر من ثلث الطاقة الإنتاجية للبلاد، بسبب أعمال التفجير التي يقوم بها ثوار حركة تحرير دلتا النيجر.
وتزامنت هذه التطورات مع انخفاض المخزون التجاري للنفط الخام الأميركي أربعة أسابيع متتالية، رغم بقائه فوق معدله للسنوات الخمس الأخيرة. وما يثير مخاوف المستهلكين في هذا المجال ان مستوى المخزون يجب ان يرتفع، لا ان ينخفض، قبيل فصل الشتاء.
لكن رغم هذه التطورات المرحلية، يبقى العامل الرئيس الذي يقلق المتعاملين في الأسواق منذ فترة، والذي يدفع بالأسعار إلى مستويات عالية رغم التوازن الدقيق في العرض والطلب الحالي، هو احتمال شن عملية عسكرية على إيران وانعكاساتها على الإمدادات النفطية من الخليج.
فقد ارتفعت وتيرة التصريحات والتهديدات الغربية أخيراً، خصوصاً من جانب الإدارة الفرنسية الجديدة، إضافة إلى تشديد العقوبات الثنائية، خصوصاً الأميركية، على الشركات التجارية التابعة للحرس الثوري الإيراني والشركات الأجنبية التي تتعامل معها. وتركت هذه التطورات آثارها في الأسواق لما يمكن ان تحدثه عملية عسكرية كبرى من دمار في الشرق الأوسط عموماً، والإمدادات النفطية منه خصوصاً.
وكانت الرسالة واضحة من مؤتمر «أوبك» انها لا ترغب في ارتفاع الأسعار فوق 80 دولاراً. ومن ثم فإن ارتفاعها المفاجئ فترة قصيرة لا يعني ان «أوبك» صرفت النظر عن هذا الأمر. فقد تم بالفعل، وبهدوء ومن دون ضجة إعلامية، تأمين إمدادات إضافية لتعويض أي نقص طارئ ولوضع حد لظاهرة الأسعار القياسية التي لا تعكس أساسات العرض والطلب في الأسواق.
وليد خدوري
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد