في احتمالات ضرب سوريا أميركياً
كثر الحديث في الأشهر الأخيرة عن احتمال توجيه ضربة عسكرية لإيران من قبل الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل جرّاء عزمها استكمال برنامجها النووي للأغراض «السلمية»؛ وثمة محللون سياسيون (وحتى بعض السياسيين العرب) رأوا في التدريبات العسكرية المكثفة للطيران الإسرائيلي في صحراء النقب ما يدعم شكوكهم ويعزز تحليلاتهم عن النية الجادة لدى إسرائيل في ضرب المنشآت النووية الإيرانية على غرار ضربها لمنشآت صدام حسين في أوائل ثمانينيات القرن الماضي. هذا فضلاً عن حديث زعماء البيت الأبيض وسواهم من قادة بعض الدول الأوربية المعنية، عبر التلويح تارة والتلميح أخرى، عن مثل هاتيك الضربة «المرتقبة».
على الضفة الأخرى، هناك من يرى في التصعيد الأميركي السياسي (وسواه بما فيه من غض النظر الأميركي عن الغارة الإسرائيلية على سوريا في السادس من أيلول الفائت) ضد سوريا ما يوحي بما هو أكثر من مجرد دعوات أميركية غير مباشرة للنظام السوري بغية «تحسينه لسلوكه» بما يتوافق ومصالح الإدارة الأميركية أو بكلمة اخف بما يؤهله ـ أي النظام السوري ـ كي يصنف من قبل أميركا على لائحة ما يسمى دول «الاعتدال العربي».
وقد يكون للسوريين، كقيادة سياسية، مبرراتهم في عدم الالتفات إلى تلك «الإغراءات الأميركية، إن جاز تسميتها كذلك، لا سيما بعد أن خبروا السياسة الأميركية القائمة على طلب المزيد من التنازلات من الأطراف الأخرى (لاسيما الضعيف منها) مقابل لا شيء، وهذا ما صرح به المرشح الأسبق للرئاسة الاميركية «آل غور» أثناء اجتماعه مع عدد من المثقفين السوريين في دمشق منذ قرابة الأعوام الثلاثة، إذ قال بما معناه: «إن السياسة الاميركية لم تكن ستتغير إزاء المنطقة وسوريا حال كنت أنا الفائز بالرئاسة، وما ستطلبه الإدارة الاميركية (قاصداً إدارة بوش) من سوريا سيكون مقابله لا شيء»، ملمحاً بذلك إلى غض الإدارة الاميركية في فترة من الفترات عن التواجد السياسي والعسكري السوري في لبنان عقب مشاركة سوريا الحلفاء في حرب الخليج الثانية كنوع من جائزة الترضية أو المكافأة السياسية للنظام السوري جرّاء موقفه من الحرب.
إذاً ثمة أسباب من شأنها أن تدفع بالنظام السوري كي يضرب عرض الحائط بالمطالب الاميركية «المجانية» التي يدرك سلفاً أنها لن تقف عند حد معين، والمفترض أن هذا النظام يدرك أن اميركا بما تمثله من إمبراطورية عظمى ستبقى تطلب منه التنازلات حتى لم يعد لديه ما يقدمه أو يضمن له وجوده وبقاءه، وآنذاك من السهل افتراسه وهضمه اميركياً ومن ثم إسرائيلياً.
لعل ما سبق ذكره يصح مدخلاً لتناول ما يعتقده البعض من أن الضربة الاميركية ـ الإسرائيلية ستكون لسوريا ـ لا لإيران ـ في ظل صمت (وربما تواطؤ) من قبل ما يسمى دول الاعتدال العربي. فهناك من يعتقد أنه في حال ضُربت سوريا ستقطع أميركا بذلك الطريق على حزب الله وحماس معاً، بما في ذلك الدعم العسكري الذي قد يكون يتلقاه حزب الله وحماس من إيران، وبهذا المعنى سيفرط تلقائياً ذلك العقد المكون من إيران ـ سوريا ـ حزب الله ـ حماس، باعتبار أن سوريا حلقة الوصل الرئيسية والوحيدة فيه، ولولاها لما كان لمثل ذلك العقد أن يستمر. من جانب آخر من شأن ذلك تحييد إيران وتحجيمها سياسياً ولوجستياً وحتى عسكرياً، وإن أقدمت إيران على الوقوف إلى جانب سوريا في حال وقوع ما يُخشى حدوثه، إلا انه من المستبعد أن تجازف إيران بكل أوراقها في سبيل حليفتها سوريا.
وما يجعل البعض يرجح أن الضربة العسكرية ستكون على سوريا لا على إيران هو الغارة الإسرائيلية التي شنها الطيران الإسرائيلي في السادس من أيلول الماضي على الشمال السوري، وبمعزل عما قيل في الصحف العبرية والغربية عن أسباب الغارة ودوافعها، يبقى القول إن النظام السوري أحسن صنعاً في عدم رده على الطيران المعادي، وآية ذلك كون تلك الغارة ترمي فيما ترمي إلى كشف مضادات الطيران الحديثة لدى سوريا بما فيها منظومة الصواريخ الجديدة المضادة للطيران، و لعل هذه الغاية بحد ذاتها تعلل لنا تأني الطرف الآخر في الإقدام على فعل عسكري ضد سوريا التي لن تكون الأراضي والأهداف الإسرائيلية الاستراتيجية بمنأى عن صواريخها، ومن المفترض أن لدى النظام السوري ترسانة معتبرة من الصواريخ ومن أنواع مختلفة. ولئن كانت الأهداف الحيوية الإسرائيلية في مرمى الصواريخ السورية غير انه من المستبعد أن تكون الأهداف والمصالح الاميركية في الخليج العربي وسواه في مرمى النيران ذاتها، كما هي الحال مع إيران التي ستكون المصالح الاميركية في منطقة الخليج مهددة بأضرار فادحة حال توجيه أي ضربة لها.
من جانب آخر، هناك أكثر من 6000 صاروخ إيراني بعيد المدى موجه إلى إسرائيل حال إقدام أي عدوان اميركي على إيران كما ذكرت بعض المواقع الالكترونية الإيرانية منذ فترة.
وقائل يقول حال حدوث ما نخشاه قد تدخل المنطقة في نفق مظلم وطويل من الفوضى، وفي هذا القول الكثير من الصواب إن لم يكن كله، لكن إذا كانت تلك الفوضى تصب في خدمة المصالح الاميركية والإسرائيلية، لاسيما منها مشروع الشرق الأوسط الجديد، فإننا نستبعد تردد هاتيك الأطراف في الإحجام عن الإتيان بها، ولعلنا نرى تباشير هذه الفوضى «الهدّامة» في لبنان بدءاً من اغتيال الرئيس رفيق الحريري وما تبعه من سلسلة اغتيالات وأعمال شغب حدثت هنا أو هناك كان ختامها أحداث نهر البارد وصراع الجيش اللبناني مع عصابة فتح الإسلام، والمسلسل لم ينته بعد.
أبي حسن
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد