لبنان يعاني انفلاتاً في ظاهرة التداوي بالأعشاب
تشكو الأجهزة الطبية والاستشفائية والصيدلانية في لبنان من «انفلاش» المداواة بالأعشاب التي أصبحت ظاهرة تؤرق مضجع الأطباء والصيادلة. ولا تبدو المجابهة مع تلك الظاهرة المستفحلة والتي أطلقتها الأجهزة الثلاثة ومعها وزارة الصحة عبر مؤتمرات صحافية متباعدة، إلا كمعركة غير متكافئة بالنظر الى الحضور الكثيف لمنتجي الأعشاب و «خبرائها» في وسائل الإعلام اللبنانية، عبر إعلانات وبرامج حوارية ربما مدفوعة الثمن. وبين هذا وذاك، ثمة من يرجح وجود متواطئين رسميين مع منتجي تلك المستحضرات خصوصاً أنهم يدّعون قدرتها على معالجة أمراض مستعصية أو مزمنة انطلاقاً من معرفتهم بأن المصاب بتلك الأمراض مستعد لأن «يتعلق بحبل الهواء» كما يقول المثل اللبناني الشائع.
في الأسبوع الماضي، تنادى الى «بيت الطبيب» في بيروت، وزير الصحة «المستقيل» الدكتور محمد جواد خليفة، ونقيب أطباء لبنان البروفسور جورج افتيموس، ونقيب أطباء الشمال الدكتور نسيم خرياطي، ونقيب الصيادلة الدكتور صالح دبيبو، ونقيب أصحاب المستشفيات سليمان هارون، وممثل «منظمة الصحة العالمية» في لبنان حسين أبو زيد، ورئيس «جمعية حماية المستهلك» الدكتور زهير برو وسواهم لعقد مؤتمر صحافي، أثاروا فيه مجدداً موضوع طب الأعشاب. وهكذا حظي هذا الموضوع باهتمام لم تنله مواضيع طبية أخرى التي تحتل خيالاتها الشاشات، ومنها عمليات التجميل على سبيل المثال.
لوحظ أن هذا المؤتمر شابه عدم مشاركة ممثلين من المسؤولين عن القطاع الإعلامي والإعلاني في لبنان خصوصاً أن ما اسهم في انتشار تلك الظاهرة كالنار في الهشيم، هي التلفزيونات اللبنانية التي تبيع هواءها لمنتجي تلك المستحضرات. ويزيد في مفارقة هذا الغياب أن المتحدثين في المؤتمر الصحافي لم يتوانوا عن تحميل وسائل الإعلام تلك المسؤولية، إضافة الى أسباب طبية وقانونية.
وأعرب أفتيموس عن اعتقاده بأن «المسؤولية مشتركة بين النقابة ووزارة الصحة، في رسم السياسة الصحية ومراقبة الأداء الطبي ليأتي على المستوى المطلوب عملياً وتقنياً وأخلاقياً». وأشار إلى «انفلاش إعلاني في الآونة الاخيرة غير مسبوق يتناول أمور الطب والصحة من دون ضوابط علمية وأخلاقية».
ودعا إلى «رفع الصوت عالياً ضد منتحلي صفة الطب الذين يظهرون على شاشات التلفزة ووراء المذياع موزعين الاستشارات الطبية الشكلية، والمداواة بالأعشاب من دون الأخذ في الاعتبار بأبسط القواعد الصيدلانية، والترويج للعلاج عن أمراض مستعصية كالسرطان بطرق لم تثبت علمياً، وأخيراً ضد بعض مقدمي البرامج لافتقادهم إلى الثقافة المطلوبة».
وفي سياق مماثل، تحدث خرياطي عن مخالفة الآداب الطبية، مذكراً بالمادة السادسة عشرة من قانون الآداب في الإعلام الدعائي والتي تنص على عدم جواز استغلال مهنة الطب لغرض تجاري.
وفي الاتجاه عينه، أوضح دبيبو مخالفة قانون الصيدلة، مبيّناً «أن قوانين مزاولة الصيدلة والطب وضعت أساسا لحماية المواطن، والتشدد في تطبيقها هو للمصلحة العامة». وطالب بـ «تصحيح الوضع بأن يتشارك جميع المعنيين بالمسؤولية من خلال: وقف المهاترات والخزعبلات الطبية في الإعلام، إلغاء المرسوم 11710 وحصر التسجيل والتصنيف باللجنة الفنية في وزارة الصحة، وإلزام بعض البرامج عند السماح لها من الوزارة أصولاً بأن تكتب بشكل واضح أن هذه مادة إعلانية».
ولفت هارون إلى «أن طريقة التسويق لهذه المنتجات هي التفاف على القانون». وركز على «ضرورة مواجهة الجميع لمثل هذه الأخطار المحدقة بصحة المواطن لأن المسؤولية تقع على الجميع، بدءاً من نقابة الأطباء إلى وزارة الصحة ودورها الأساس إلى الإعلام الذي تقع على عاتقه مسؤولية تقديم شروحات موضوعية للمواطن».
أدلى الدكتور جو سمعان بمداخلة تحدث فيها عن «أخطار طب الأعشاب التي كانت عبر التاريخ بمثابة متحف للكيماويات والتي يجب أن تخضع لآلية الدراسة ذاتها التي تخضع لها الأدوية ذات الصفة العلاجية والطرق العلمية المتعارف عليها عالميا».
وشدّد برو على «ضرورة الفصل والتمييز الواضحين بين الإعلام والإعلان خصوصاً في المواضيع الطبية». وأشار إلى «إطلاق حملة بالتعاون مع نقابتي الأطباء والصيادلة لوقف إعلانات أدوية الأعشاب». وطالب بـ «إلغاء المرسوم الرقم 11701 الخاص باعتبار الأدوية العشبية متممات غذائية وإلحاقها بالأدوية الكيماوية»، لافتاً إلى «سعي منظمة الصحة العالمية إلى إصدار توصية في هذا الشأن إلى وزارات الصحة العربية والإقليمية».
وتحدث أبو زيد عن أنواع الطب المتوارث تاريخياً ومنها الطب البديل والتكاملي والعشبي». ودعا إلى «العمل بحزم لضبط استعمال هذه الأدوية». وأشار إلى «استراتيجية صحية وضعتها منظمة الصحة العالمية عام 2002 تهدف إلى الطلب من الدول المنضوية العمل على تثبيت محاور عدة أبرزها: إيجاد سياسات وطنية لتنظيم استعمال هذه المنتجات، ووضع أسس متينة قائمة على البينات وتعزيز الاستخدام العلاجي المناسب».
ولم يتردّد الوزير خليفة في تبيان الرأي الرسمي بهذا الصدّد قائلاً «إن المتممات الغذائية المعروفة بالفيتامينات موضوع موجود في وزارة الصحة من خلال مرسوم منذ عشرات السنوات، علماً أن المرسوم عادة لا يمكن للوزير أن يلغي مفاعيله لأنه تفسير لقانون، إنما باستطاعته إلغاء قرار. لذلك عندما استلمت وزارة الصحة ارتأيت وضع تعديل أو إلغاء لهذا المرسوم 11710 وكانت الطريقة الفضلى ضمن الصلاحيات المعطاة لي هي وضع قرارات توقف مفاعيل المرسوم بالشكل السلبي. والأمر الثاني، هناك فقرة تنص على انه يمنع إجراء إعلانات في كافة الوسائل المسموعة والمرئية والمكتوبة عن مستحضر معين إلا بعد موافقة وزارة الصحة. ونحن هنا نتحدث عن إعلان وليس إعلام، لذلك فقد وضعت وزارة الصحة أسساً تنظيمية لكل هذه الأمور وكل ما يخرج من هذا الإطار مخالف للقانون».
وأضاف خليفة: «أما موضوع طب الأعشاب فهو مشكلة عالمية يجب السعي إلى تنظيمها لأنها موجودة منذ القدم، وهي مشكلة ليست محصورة في لبنان إنما في كل العالم. القانون موجود والضوابط أيضاً والوزارة لديها متابعة مستمرة لكل الأمور والشكاوى التي ترد في هذا الخصوص، علماً أن أسعار هذه المنتجات مرتفعة جداً، والمسألة ليست مسألة فقر أو كلفة علاج. فمثلاً بلغت كلفة علاج من السرطان 35 ألف دولار وفق شكوى وردت إلى الوزارة. من هنا أهمية موضوع التوعية والتركيز على أن أي ممارسة طبية خارج موضوع الآداب العلمية تلحق الضرر بصحة المواطن».
وتطرق خليفة الى استعمال المواطن اللبناني للدواء، مشيرا الى انه «الأكثر حظاً بين شعوب المنطقة لناحية السهولة في الحصول على الدواء، فـ50 في المئة من اللبنانيين بإمكانهم الحصول على الأدوية المختلفة عبر الجهات الضامنة من تعاونية وضمان وقوى أمنية. أما غير المضمونين، فنذكر أن وزارة الصحة تؤمن العلاج لـ6000 مريض سرطان مجاناً وفق لوائح منظمة على سجلات ممكننة في الوزارة، علماً أن بعض اللبنانيين المقيمين في الخارج يأتون الى لبنان للإفادة من تقديمات مثل هذه الأدوية».
وكشف خليفة أن «إحدى الشركات تدفع بدل إعلانات ما يقارب مليون ونصف مليون دولار سنوياً». وشدد على «ضرورة معالجة هذا الموضوع بالتنسيق مع وسائل الإعلام التي تتحمل مسؤولية الدور المزدوج في الإعلان والتوعية معاً».
مالك القعقور
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد