الإدراك اللبناني وإشكالية السيناريو القادم
الجمل: تأجلت مراراً وتكراراً عملية انتخاب الرئيس اللبناني الجديد، وعلى غرار "كلام الليل يمحوه النهار"، فإن اتفاقيات وتفاهمات الساسة اللبنانيين لا تنتظر قدوم ضوء النهار لكي تنفرط ويوجه كل طرف الاتهام للآخر لجهة تحميله المسؤولية عن فشل الاتفاق.
* الإدراك اللبناني وإشكالية السيناريو القادم:
إشكالية السيناريو اللبناني القادم، أصبحت إشكالية يتداخل فيها البعد الكلي مع البعد الجزئي. بكلمات أخرى: يرتبط خيار أطراف الصراع اللبناني بعدد من الخيارات الداخلية، فقوى 14 آذار تتبنى عدداً من البدائل التي تمثل في نهاية الأمر شيئاً واحداً، وقوى 8 آذار تطرح بديلاً واحداً مع إمكانية المناورة والانفتاح على البديل الآخر. هذه البدائل لم تعد تمثل خياراًَ لبنانياً صرفاً، مثلما كان يحدث في الماضي، وذلك لأن قوى 14 آذار وحكومة السنيورة نجحت خلال الفترة التي أعقبت اغتيال الحريري في دفع لبنان إلى نفق التدويل عن طريق المضي قدماً في "خارطة الطريق" الأمريكية الخاصة بمنطقة شرق المتوسط وتحديداً سوريا.
* أبرز التساؤلات:
تبدأ الأزمة بمراحل تتضمن زراعة البؤرة ثم رعايتها وتنميتها ثم تعزيز الضغوط الزاحفة وصولاً إلى مرحلة الاحتقان الكامل ثم استخدام الحادث "س" من أجل تفجيرها، وهو ما حدث بالفعل عندما شكلت عملية اغتيال رفيق الحريري الحادث "س" الذي فجر الأزمة اللبنانية. لم تنته تصعيدات الأزمة اللبنانية بعد ذلك، فقد دخلت مرحلة النمو الخبيث عن طريق التغذية العكسية الراجعة بحيث أصبحت الضغوط التي تتولد عن الأحداث تؤدي إلى توليد ضغوط جديدة وأحداث جديدة أيضاً.
* أبرز التساؤلات: خارطة طريق الأزمة اللبنانية.. إلى أين؟
الآن أصبح لبنان بلا رئيس، فهل سيستمر بلا رئيس أم أنه سيتم انتخاب رئيس جديد؟ وهل سيكون انتخاب هذا الرئيس على أساس صيغة الـ"50% + 1" التي يمكن أن تلجأ إليها قوى 14 آذار (طالما أنها تجد تأييد إسرائيل والولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا) أم سيكون على أساس التوافق والتفاهم وإجماع القوى السياسية المتعارضة؟ وبأي صيغة ووفقاً لأي تنازلات؟
وإذا لجأت قوى 14 آذار إلى استخدام صيغة الـ"50% + 1" فهل ستلجأ قوى 8 آذار إلى انتخاب رئيس خاص بها ويتحول لبنان إلى توأم سياسي مشوه برأسين؟ وكيف سيتم حسم الخلاف في هذه الحالة طالما أن الدعم السياسي سيكون لرأس التوأم السيامي الذي تريده قوى 14 آذار والدعم الشعبي اللبناني سوف يكون لرأس التوأم السيامي الذي تريده قوى 8 آذار؟
وإذا تخلت الأطراف الخارجية عن دعم قوى 14 آذار (وهو أمر متوقع) وأدارت ظهرها لملف الرئاسة اللبنانية، فهل ستقبل قوى 14 آذار اللجوء إلى الشعب اللبناني عن طريق الانتخابات المبكرة وإعطاءه الفرصة ليختار بحرية من يريد أم أن قوى 14 آذار سوف ترفض ذلك خاصة وأنها تدرك تماماً أن الرأي العام اللبناني لا يؤيدها، وان الشعب اللبناني إن وجد الفرصة وقال كلمته عبر صناديق الاقتراع فإن مصير تحالف قوى 14 آذار سوف يكون محزناً للغاية في لبنان إضافة إلى أن جورج بوش سوف لن يتردد بالقيام بـ"كب" ملف رهانه على قوى 14 آذار في سلة قمامة مكتبه بالبيت الأبيض.
* محور ديفيد والش – السفير فيلتمان: مقسم الأزمة اللبنانية:
الأزمة السياسية اللبنانية تعرضت لكثير من التحويرات والتغيرات وفي تجلياتها الأخيرة تحولت إلى "لعبة لبنان"، ولما كان لكل لعبة قواعد ولاعبين ومتفرجين ونتائج نهائية، فما هي قواعد لعبة لبنان، ومن هم اللاعبون والمتفرجون، ثم ما هي النتائج النهائية المتوقعة وما هي الرهانات الجارية؟ وهل ستكون لعبة نزيهة أم أن أصحاب الرهانات الكبيرة سيحاولون اللجوء -على طريق دوري كرة القدم الإيطالي- إلى استخدام الأساليب غير المشروعة مثل القيام بشراء اللاعبين والحكام وغير ذلك من الوسائل التي يمكن أن تعزز احتمالات كسبهم للرهان مهما كانوا خاسرين!!؟
بكل صدق وشفافية، تتضمن "لعبة لبنان" الجارية حالياً على لاعبين رئيسيين هما: قوى 8 آذار المسنودة بواسطة الرأي العام اللبناني، وقوى 14 آذار المسنودة بواسطة محور ديفيد وولش – السفير فيلتمان. أما قواعد اللعبة فهي:
• أن يربح الطرفان وفقاً لصيغة رابح – رابح.
• أن يخسر الطرفان وفقاً لصيغة خاسر – خاسر.
• أن يربح الطرف الأول ويخسر الطرف الثاني وفقاً لصيغة رابح – خاسر.
• أن يربح الطرف الثاني ويخسر الطرف الأول وفقاً لصيغة خاسر – رابح.
ولما كانت السياسة هي فن الممكن، فإنه من الممكن على الأقل الافتراض باحتمالات حدوث كل هذه النتائج:
• صيغة رابح – رابح: ممكنة الحدوث إذا حصلت تحولات في السياسة الخارجية الأمريكية أدت إلى استقرار علاقات دمشق – واشنطن، وطهران – واشنطن على النحو الذي سوف يترتب عليه تخلي إسرائيل عن استهداف طهران ودمشق.
• صيغة خاسر – خاسر: ممكنة الحدوث إذا وافقت قوى 8 آذار على مشروطيات وأجندة قوى 14 آذار، على النحو الذي سيؤدي إلى انقلاب الشارع اللبناني على الطرفين بحيث تخسر قوى 8 آذار سندها الشعبي ويخسر محور وولش – فيلتمان وكلاءه الناشطين في الساحة اللبنانية تحت غطاء قوى 14 آذار.
• صيغة رابح – خاسر: ويمكن حدوثها إذا قبلت قوى 8 آذار بشروط قوى 14 آذار وأيد الرأي العام ذلك التنازل.
• صيغة خاسر – رابح: ويمكن حدوثها إذا قامت قوى 14 آذار باللجوء إلى صيغة الـ"50% + 1" لانتخاب الرئيس اللبناني مما سيؤدي إلى وقوف الرأي العام اللبناني مع قوى 8 آذار التي سوف لن تتردد في استخدام قوها الشعبية المتجددة في الإطاحة بقوى 14 آذار على النحو الذي سيؤدي إلى خسارة محور ديفيد وولش – فيلتمان للنتيجة النهائية.
وبرغم هذه السيناريوهات والنتائج فهناك سيناريو "المفاجئة" التي يمكن أن تحدث في اللحظة الأخيرة وهو السيناريو الذي لم يتعود اللبنانيون عليه: سيناريو انقلاب الجيش اللبناني تحت مزاعم حماية الشرعية اللبنانية من الانهيار، وبعدها قد يشهد لبنان حكومات من نوع "حكومة الإنقاذ الوطني"، ومجالس من نوع "مجلس الإنقاذ الوطني" وقد يجد هذا السيناريو الدعم والمساندة الشعبية بواسطة اللبنانيين الذين أشبعهم الساسة اللبنانيون بالوعود الجوفاء والديون والمعاناة التي دفعت بهم إلى الهجرة والانخراط في المهن "الهامشية" التي يسبب الحديث عنها في بيروت حرجاً كبيراً للبريستيج اللبناني والتقاليد الاجتماعية البيروتية العريقة!!
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد