مشاهد معاصرة في الماركسية
الكتاب هو في الأساس عرض لآراء مفكرين ماركسيين وغير ماركسيين في ما آلت إليه الماركسية. يتضح لنا منه أن الفكر الماركسي الذي حرِّفَ قابل للتجديد وهو ليس فهماً نهائياً للعالم.
بعد انقضاء فترة من الزمن على مؤلفات كارل ماركس و<بعد كل ما حصل> كان لا بد من وقفة فكرية هادئة تعيد النظر في ما كُتب وقيل حول هذا الفكر، فضلاً عن البحث النقدي العلمي في طبيعة الواقع الموضوعي للرأسمالية المعاصرة، على ضوء المعطيات العلمية المتوافرة عن هذا الواقع. وفي هذا السياق، يحاول الكتاب الإجابة عن الأسئلة الأساسية الآتية: ما هي طبيعة فكر ماركس؟ ما هي طبيعة الفكر الماركسي؟ هل الفكر الماركسي في أزمة؟ ما هي معضلة هذا الفكر؟ وهل من إمكان لتجديد الفكر الماركسي؟
بخلاف ما يقال أحياناً ينبغي التركيز على أن الماركسية شكَّلت نظاماً فكرياً منفتحاً يطرح تساؤلات دائمة، وهي على تناقض مع الإطلاقية الإيديولوجية والشمولية التي تدّعي شرح كل شيء، وتدل على حركة الفكر أكثر مما تدل على قوانين ثابتة أبدية، وتدعو إلى تغيير علاقات الإنتاج الرأسمالية لا إلى إعادة إنتاجها، وإلى نزع صفة القدسية والتشيؤ عن علاقة العمل.
كيف يموت فكر يتوافق مع وظيفة التوقع وكشف الحقيقة، ومع وحدة النظرية والممارسة، ومع الحركة العفوية للواقع الاجتماعي، ومع الذهاب والإياب بين الفرضية والتجربة، ومع رفض إرجاع وحدة الذات والموضوع في الممارسة الاجتماعية إلى هوية مدركة مسبقاً، ومع الصياغات العقلانية التي يمكن التحقق منها، ومع محاربة المفاهيم المسبقة والمفاهيم اللانقدية والتبريرية (المباشرة أو غير مباشرة)، ومع وحدة الاستقراء والاستنتاج، والتحاليل، والتركيب، واكتشاف تولد الممارسة، وتطور العلاقات بين الذات والموضوع، وتجاوز التناقض بين العام الخاص.
متطلبات العصر
وتحت عنوان <ماركس ,1995 ظرف جديد وأسئلة جديدة>، نقرأ أن مؤلفات ماركس أداة ومرجع ضروريان لصوغ نظرية تستجيب لمتطلبات عصرنا. يعمل الباحثون على إعادة صوغ نظرية بغية إحداث تحول اجتماعي ممكن في الظروف الحالية رغم الإقرار بأن الماركسية شهدت انحرافاً واسعاً في عهد ستالين ودول أوروبا الشرقية، وهذا ما كتب فيه كثيرون لا سيما الشيوعيين التحرريين (الفوضويين) من أمثال دانيال غيرين وجورج فونتيس.
ثمة اهتمام متجدد بماركس راهناً في فرنسا والشرق الأقصى وأميركا اللاتينية وأميركا الشمالية. تؤكد بعض مساهمات الكتاب على أهمية الشيوعية كضرورة شمولية تحل مكان النمط المهيمن والثقافة الراهنة، وعلى أنّ الثورة العالمية كانت ضرورية لانتصار ثورة أكتوبر. لكن هذه الثورة انحصرت في خصوصية دولة ثم فريق وحزب ثم أممية ونظام ونموذج، وتقلّصت الأممية إلى الدفاع عن مصالح الاتحاد السوفياتي وإلى إعادة إنتاج المطرقة السوفياتية للاشتراكية. ثمة إمكان لتجاوز الرأسمالية نتيجة التداخل الاقتصادي السياسي بين كل البلدان وتبسيط الماركسية أو صوغها بأفكار مختزلة له نتائج مخيفة.
غير صحيح أن ماركس اعتقد أنّ تطور القوى المنتجة هو المحرك الوحيد للتشكل الاجتماعي. ما هو مؤكد لدى ماركس أنّ مساره المادي النقدي يتنافى مع أي نظام فلسفي أو علم عام للمنطق أو مذهب عام للتطور التاريخي. كما تشير بعض الصفحات إلى مسؤولية أنغلز الجسيمة حين قدم الجدلية كمجموعة <قوانين>.
القرن في كوب
يزخر الكتاب بالمفاهيم ونقدِها. هو بإيجاز محاولة لعصر القرن العشرين في كوب صغير، وهذا مستحيل. ماركس وكتاباته عالم بحاله. والعالم بهذا الحجم لا يموت. ماركس إنسان والإنسان يخطئ. ماركس إنسان ولحسن حظنا أنه إنسان. لو كان الأمر غير ذلك لحنطناه كما يفعل الدينيون السلفيون. لكن الإنسان الذي يكتب ما كتب ماركس في الفلسفة والاقتصاد والسياسة ليس بإنسان عادي. هو عبقري.
هذا الكتاب هو مدماك في بناء إعادة قراءة ماركس من أجل بناء إنسانية أكثر إنسانيةً وعالماً أكثر غنى وثقافة وديموقراطية ومساواة. يكتب علي سالم في أيام <يتردد> فيها بعض الماركسيين في الكتابة عن ماركس لأنها كتابة <مش عالموضة>، كتابة عكس تيار الليبرالية المنتصر.. ولا يستحي بعض الأساتذة الجامعيين من القول إنهم تخلوا عن الماركسية واليسار من أجل الاهتمام بالأبحاث العلمية.. واأسفاه على هذا الفهم للماركسية.. والحقيقة أن بعض المصادر الممولة للبحث العلمي تفرض بخبث التخلي عن الماركسية، بل حتى الكلام عليها وهم لهذا يخضعون ويبررون. الماركسية منهج في التحليل وانتماء لرفع الإنسان إلى أسمى درجات الرقي. هي أرقى درجات الدفاع عن عرق الجبين ورفض الاستغلال وتحرير الكادحين من غطرسة رأس المال.
الكتاب: مشاهد معاصرة في الماركسية.
الكاتب: علي سالم
الناشر: دار الفارابي، بيروت، .2006
جورج سعد
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد