الوجه الآخر لمشكلة العقارات في سورية
تجاوزت أزمة العقارات في سورية اليوم كونها أزمة لم تعد تنحصر في تأمين العقار السكني فقط الى أزمة العقار التجاري وتحولت لما يشبه العقبة أمام ضرورات التوسع والانتشار التي يتطلبها عمل المؤسسات التجارية والخدمية كالبنوك وشركات التأمين على وجه الخصوص، فتنامي العمل والمساحة الجغرافية للبلاد يفرضان على أي جهة عاملة خلق المزيد من الفروع.
وعندما نقول التفرع فإننا بذلك نعني الحاجة الى العقار وهو اليوم شبه مفقود في سورية طبعا بالشكل الذي يخدم ويؤدي حاجة هذه المؤسسات المالية بأن يكون عماره حديثاً ومساحته مناسبة للعمل وقريباً من المناطق السكنية والتجارية ولكن مع غياب البناء الحديث والتجمعات التجارية هناك صعوبة في ايجاد الحد الأدنى من متطلبات العمل لذلك فبعض الجهات قد تستغرقه سنوات حتى تجد العقار المناسب لها.
- وحديثنا في هذا التحقيق سيتركز على جهتين هما البنوك وشركات التأمين لكونهما المؤسسات المالية الأكثر حداثة ، وطبيعة عملهما تحتاج لأن تكون موجودة حسب خطة واستراتيجية تحددها كل مؤسسة بما تراه الأنسب.
و لنبدأ بالبنوك التي حققت انتشاراً لا بأس به سواء في دمشق أو في المحافظات الباقية ويشرح السيد علي ذيب زعتر مدير عام البنك العربي – سورية ما تواجهه البنوك عند تنفيذ خطتها في التوسع و يقول:
موضوع الانتشار بالنسبة للبنوك من خلال توسيع شبكة فروعها ونشرها في مختلف المناطق والمحافظات في الجمهورية العربية السورية هو موضوع أساسي لتتمكن البنوك من خدمة كافة شرائح المتعاملين لكونها تقدم خدمات فهذا يعني ضرورة وجودها في المناطق السكنية والتجارية والصناعية والسياحية مع التركيز على الاماكن السكنية.
وفي هذه الناحية تجد البنوك مشكلة أساسية بتوفير العقار المناسب وبمساحات مناسبة أيضاً ومريحة لاستقبال الزبائن وتقديم الخدمة على مستوى راق ومتميز وحتى يتمكن البنك من افتتاح فرع هو بحاجة لكوادر وهنا مشكلة أخرى لكون الخبرات المصرفية الموجودة في سورية محدودة ولابد من إعداد الكوادر وتدريبهم وهذا يحتاج لفترة من التدريب غير قليلة.
أما على مستوى العقار فيوضح زعتر أن المشكلة تتركز في عدم توافر الموقع الملائم، وإن وجد فموضوع الترخيص يكون العائق الآخر و الذي يتطلب وقتاً طويلاً و معاناة كبيرة و تم مؤخرا تجاوز هذا الموضوع بصدور قرار عن وزير الادارة المحلية يسمح للبنوك والمؤسسات المالية وشركات التأمين بفتح فروع لها وترخيصها في المناطق المطلوبة و تم ذلك بجهد وزير المالية ووزير الادارة المحلية ومحافظ مدينة دمشق لكن القرار لم يوضع في التنفيذ حتى الآن و ترك القرار في صلاحية تحديد المحاور التجارية في المحافظات للمكتب التنفيذي في المحافظة أو مجلس المدينة و لم تصدر الآليات أو تحدد المحاور التجارية في المدن و تأمل البنوك في أن يتم التسريع بتحديد المحاور لمساعدتها في أن تخطو خطوة الى الأمام في موضوع التوسع.
ويضاف إلى ذلك ضرورة تفهم الجهات المسؤولة عن الترخيص لفروع البنوك في المحافظات أنها تحتاج للوجود أيضاً في المناطق السكنية وليس ضمن المحاور التجارية فقط.
ويتبع موضوع العقارات ارتفاع سعرها وهي أزمة حقيقية فبالنظر لأسعار العقارات يكون العائد على الاستثمار في هذا الفرع غير مجد ومع استمرار الأسعار بهذا المستوى فالحل بايجاد مناطق تنظيمية جديدة لتخفف الضغط عن المدينة.
ويتابع زعتر : بالنسبة لتكاليف الفرع فتعتمد على مساحته وعدد الموظفين وهي بشكل عام كلف كبيرة فيما إذا أضفنا قيمة الايجار أو قيمة الملكية للعقار فتجهيزه يتطلب كلفاً عالية جدا تعتبر أعلى من الدول المجاورة .
وأغلب العقارات تكون مشغولة فيتم استئجار العقار أو شراؤه لعدم وجود عقارات جديدة أو تجمعات تجارية وتفضل البنوك أن يكون العقار طابقاً أرضياً لسهولة الدخول إليه مع الاشارة الى أن هذه العقارات لا تخلو من مشاكل في البنية العمرانية أو مشاكل مع الجوار فأي شخص يستطيع تقديم شكوى وإيقاف العمل.
ويتم التعاقد من قبل البنوك على مدى 15 سنة لأن العقار حتى يتم استهلاك وصرف ما فيه يحتاج لعشر أو 15 سنة إضافة الى أن معرفة المتعاملين بفرع ما يصبح من غير السهل تغييره لذلك تفضل البنوك الآجال الطويلة حتى تضمن استمرار الفرع و تقديم الخدمة.
وإن كانت الإيجارات عالية ومبالغاً فيها ولاسيما في ظل تغير السوق باستمرار وعدم وجود مؤشرات وغالبا تكون التقديرات شخصية للحصول على عائد أعلى.
وبالنسبة للزمن الذي يتطلبه تأمين فرع يقول زعتر : إن الفترة الزمنية تتوقف على المنطقة فبعض الفروع أخذ منا وقت سنتين حتى وجدنا المكان المناسب وعند اختيار الموقع يؤخذ بعين الاعتبار قربه من الفعاليات المستهدفة – مساحة الفرع – صلاحية البناء والجانب الهندسي والفني.
وحتى التملك في العقارات له محددات بنسب معينة من صافي الأموال الخاصة يحددها المصرف المركزي حتى لا تذهب البنوك بعيدا في التملك لأن هدفها تقديم الخدمة وتوليد الإيرادات و ليس تملك العقارات فالبنك ليس بتاجر عقارات وكل بنك يحدد حاجته للتفرع حسب خطة ورؤية معينة . واقع السوق السوري يتطلب التفاؤل وأي بنك بحاجة للانتشار يستطيع الى أقصى حد لأن المساحة الجغرافية لسورية واسعة والفعاليات منتشرة وكل بنك يحتاج للوجود في كل المحافظات وتعزيز وجوده فيها بما يتناسب مع حجم العمل ومساحة المحافظة والكثافة السكانية وبالتالي لا حدود لعدد الفروع ويسعى البنك العربي – سورية إلى أن يصل عدد فروعه مع نهاية عام 2008 إلى 15 فرعاً.
ويحدد السيد وليد عبد النور مدير عام بنك بيبلوس – سورية أن الصعوبات بافتتاح البنوك تتركز في مناطق دمشق وحلب والمشاكل الكبيرة تكمن في الأوضاع غير القانونية وغير النظامية للأبنية الموجودة ولعل ما سيساعد على تجاوز هذه المشاكل صدور القانون الجديد الخاص بتحويل العقار السكني الى تجاري ولاسيما أن البنوك تحتاج لايجاد عقارات بمساحات كبيرة (300-400م) حتى يكون الفرع جيداً ولا تضطر للجوء الى قبو أو ملجأ أو حتى طابق أرضي.
إضافة للجانب المتعلق بأسعار العقارات غير الطبيعي والتي تتضاعف عند معرفة صاحب العقار أن الجهة الراغبة بالشراء هي مصرف ولكن يقول عبد النور : بعد سنتين من الخبرة والعمل في السوق أصبحت خبرتنا أكبر ونعرف أين المناطق الأفضل والتي يكون وجودنا فيها ضرورياً .
وبالنسبة لما يحدد أهمية الشراء أو الاستئجار للبنوك يضيف عبد النور: إن التملك يكون أفضل في المراكز الرئيسية أما الايجار فيكون على فترات طويلة ، ونوعية الخدمات عادة تحدد طبيعة عمل الفرع وما سيقدمه سواء كان قروض تجزئة – خدمات مصرفية تجارية- أو خدمات أخرى وذلك يدخل ضمن سياسة الادارة العامة للبنك وحسب أولوياته وأي منطقة عليه أن يوجد وخلال أي فترة زمنية وتعدد فروع البنك يساعد على انتشاره وبذات الوقت يؤمن القرب من الزبون كما يسمح بتقديم نوعية أفضل من الخدمات وخصوصاً أن سورية بلد كبير بمساحته الجغرافية ولا يزال عدد فرع البنوك قليلاً بالنسبة لعدد السكان فكل 55 ألف مواطن لهم فرع واحد فقط وهو رقم متواضع مقارنة مع حاجة السوق.
ويملك بنك بيبلوس – سورية سبعة فروع سيضاف لها خلال فترة قريبة فروع جديدة في كل من حماة ، دمشق وحلب.
خلدون قصاب مدير التسويق في بنك بيمو السعودي- الفرنسي فضل عدم الحديث في الموضوع حتى لا يعتبر موقفه وكأنه تهجم على أزمة العقارات في سورية وإن أشار إلى أن شراء البنك للعقار أو استئجاره يتوقف على طبيعة العقار وقد يلجأ البنك الى فرع مؤقت ريثما يجهز الفرع الدائم مشيراً إلى وجود كلفة عالية للعقارات.
- ويتباين موضوع الحاجة للعقارات عند شركات التأمين وذلك حسب خطتها الاستراتيجية للتوسع ويحكم هذا الأمر أيضا الظروف التي جاءت بها الشركة فالبعض من الشركات لم يجد صعوبة في تأمين العقار لأن عدداً من هذه الشركات اعتمد على المكاتب المملوكة أصلا من قبل المساهمين في الشركة وبالتالي أصبح الفرع الأساسي متوافراً بطبيعة الحال بينما البعض الآخر من الشركات لم يتح لها ذلك ما جعلها تواجه بعض المشاكل.
ويذكر السيد أسامة دراج مدير المطالبات في الشركة السورية- الكويتية للتأمين حول هذه النقطة بأن طبيعة السوق من حيث افتتاح البنك وشركات التأمين والشركات العقارية دفعة واحدة جعل من الصعوبة بالنسبة لبعض الفعاليات ايجاد عقارات مناسبة وبمواصفات محددة تتناسب مع المتطلبات والخدمات التي تقدمها الشركة ولاسيما أن أغلب الأبنية في سورية مصممة على أساس أنها سكنية وبالتالي لا يتلاءم تصميمها وتوزيع المساحات داخلها مع عمل الشركات الكبيرة وهذا يضعها أمام خيار للقبول بالأمر الواقع لكون شركات التأمين من الصعب أن تمارس عملها بعيدا عن مركز المدينة .
ويشير دراج إلى أن شركات التأمين تفضل الاستئجار بدلا من الشراء لأنها لا تزال في بداية عملها حتى لا تجمد جزءاً كبيراً من أموالها في شراء العقارات فليس من مصلحة الشركة شراء عقار وصرف مبالغ طائلة علي تجهيزه واعتماده ثم تركه لعدم ملاءمته لطبيعة العمل والذي يحتاج فترة سنة أو سنتين حتى يكتمل التصور النهائي لعدد أقسام الشركة والموظفين و المديرين ويوضع الهيكل الأساسي للشركة.
ولكن المشكلة الرئيسية التي تواجه الشركات هي قيمة الايجار وموضوع التراخيص فبالنسبة للايجارات يشير دراج لمغالاة بعض التجار ومالكي العقارات بأسعارها وهذه مشكلة صادفتها الشركة باعتبارها خليجية فبمجرد معرفة التاجر لهذا الأمر يتضاعف السعر مباشرة .
و المشكلة الأخرى تتعلق بموضوع التراخيص فأحيانا تكون العقارات سكنية و تحتاج إلى تحويلها إلى ترخيص تجاري وهذا الأمر يخضع لأنظمة وقوانين لها علاقة بالمحافظة والبلديات وقد لا تنطبق هذه الأنظمة والقوانين على المبنى المطلوب ما يشكل عقبة نظرا لوجود اعتبارات معينة يجب أن تكون متوافرة كمساحة الشارع والموقع وجزء من مبنى الشركة السورية الكويتية للتأمين كان سكنياً واقتضى تحويله مواجهة عدد من الصعوبات.
هذه المشكلة تتلاشى عند البعض من شركات التأمين كشركة الثقة السورية للتأمين التي يوضح نائب مديرها عبد المجيد خلوف بأنه كان لدى الشركة خطة لشراء بعض الفروع واستئجار فروع أخرى ريثما تتحسن الأوضاع من ناحية انتاجية الشركة، وتحديد الحاجة للشراء أو الاستئجار يعود لسياسة الشركة حتى لا تستثمر جزءاً كبيراً من أموالها في عقارات، ففي حال كان الاستئجار يحقق الغاية فلتبتعد الشركات عن الاستئجار وتضع الأموال في استثمارات أخرى ولا يرى خلوف أي مشكلة في أن تجد الشركات فروعًا لها في المحافظات ولكن الأمر قد يتفاوت بالنسبة لإيجاد مواقع في وسط المدينة وليس في أطرافها.
- ويبدو الأمر من وجهة نظر السيد جمال قويدر ( الخبير في الشؤون العقارية) مختلفاً بعض الشيء حيث يقول إن البنوك تتجه للتفرع في مناطق معينة كالقصاع والمزة والتي تضم حالياً بنوكاً عديدة أما المناطق الأخرى كبرزة مثلاً فيلاحظ أن البنوك غير موجودة فيها إضافة لمناطق لم يدخلها العمار كمنطقة مسبق الصنع، و يرى قويدر أنه على البنوك مراعاة أمور عدة عندما تبحث عن أماكن للتفرع كأهمية وجود مواقف للسيارات فمن غير المناسب تجول الناس في الطرقات بمبالغ كبيرة كي تصل الى المصرف المقصود لذلك فعليهم التفكير بالتوجه الى المولات التجارية التي لا يوجد فيها حد أدنى من الخدمات المصرفية كالصرافات الآلية.
ويقترح قويدر أن تتوجه البنوك لأخذ أبنية مشتركة فيما بينها و العروض العقارية متوافرة لذلك ولاسيما أن على البنوك أيضاً التوجه الى ريف دمشق كمناطق ( سقبا وحمورية) وهي منطقة مخصصة لبيع المفروشات وفيها تجار للخشب وبالتالي المبيعات في تلك المنطقة تقدر بمبالغ كبيرة .
وعن عدم تفكير البنوك بالتفرع في تلك المناطق فيعيده قويدر لعدم درايتها بالأماكن العقارية الأنسب لتوسعها أو لعدم وجود دراسة كاملة تقوم بها البنوك حول ذلك.
ويشرح قويدر ما يحدث عند شراء العقارات للبنوك حيث تقوم إحدى الجهات بتأمين العقار للبنك و يشترى لمصلحة شخص معين ثم يتم فراغه لمصلحة البنك المعني تفادياً للمغالاة بالأسعار فقد يرتفع ثمن العقار من 25- 45 مليون ليرة سورية عندما يعلم التاجر بأنه سيبيع لمؤسسة مالية كالبنك كما تصل تكلفة تجهيز عقار في منطقة أبو رمانة مساحته 250-300م حوالي 200-300 مليون ليرة سورية ولذلك وفي حين لو طبق نظام التجمعات البنكية فستكون الكلفة ما يقارب عشرين مليوناً مقسمة على عدد البنوك المشتركة في المشروع وتتوافر فيه الخدمات كاملة.
أما مشاكل الترخيص التي تقع فيها المصارف وشركات التأمين على حد سواء فسببها عدم قيامه بالحصول على الترخيص التجاري مباشرة وإنما يقومون بالترخيص على مراحل ما يكلفهم وقتاً أكبر.
المصدر: مجلة المال
إضافة تعليق جديد