خمسة تساؤلات مفصلية حول التعبئة السلبية للمجتمع اللبناني
الجمل: تبدو الصراعات والخلافات على مستوى سطح الأحداث كما لو أنها صراعات وخلافات بين الزعماء والنخب السياسية ولكنها في العمق تأخذ شكلاً مختلفاً على غرار نموذج الفرق بين قمة وقاعدة جبل الجليد، ومن أبرز النماذج الدالة على هذه الحالة المسألة اللبنانية.
* اتفاق الدوحة: إشكالية بالتغلغل إلى العمق اللبناني:
نقلت وسائل الأخبار المقروءة والمسموعة المعلومات المتعلقة بالاشتباكات التي حدثت خلال اليومين الماضيين في منطقة البقاع اللبناني وقبلها ما دار في الشمال اللبناني.
التطورات والوقائع الجارية في الساحة اللبنانية وإن كانت متقطعة إلا أنها تثير تساؤلاً هاماً: هل سيبقى اتفاق الدوحة فاعلاً على مستوى السطح اللبناني دون النفاذ إلى العمق المجتمعي؟ وكيف ستكون لاتفاق الدوحة قيمة حقيقية إذا لم يؤدي إلى توافق العمق المجتمعي؟
* النزاعات وإشكالية التصعيد:
يقول الخبيران البارزان في شؤون النزاعات دين روبين وجيفري روبين، بوجود خمسة تغيرات تحدث ضمن سياق عملية التصعيد هي:
• انتقال الأطراف المتنازعة من التكتيكات الخفيفة إلى التكتيكات الثقيلة وتتضمن التكتيكات الخفيفة الحجج والمغالطات والوعود وجهود الإرضاء الظاهري الزائف للطرف الآخر، أما التكتيكات الثقيلة فهي تتضمن التهديدات واستخدام القوة والعنف.
• تنامي حجم وشدة واتساع نطاق النزاع لجهة تزايد عدد القضايا الخلافية وتعقيداتها إضافةً إلى قيام الأطراف بعمليات التعبئة وحشد الموارد الكبيرة استعداداً لاندلاع الصراع.
• انتقال القضايا الخلافية من نموذج القضايا الخلافية الخاصة إلى نموذج القضايا الخلافية الكبيرة بما يؤدي إلى تدهور العلاقة بين أطراف النزاع وتزايد لجوءها إلى الإدراك العدائي الذي يتقصد تجريم الآخر.
• تزايد عملية الاستقطاب والتمركز حول أطراف النزاع بحيث تتحشد العناصر ضمن كل طرف بما يؤدي إلى انقسام البيئة المجتمعية الداخلية.
• تغير أهداف الأطراف بحيث لا يسعى كل طرف إلى تحقيق ما هو أفضل بالنسبة له، واللجوء بدلاً عن ذلك إلى استخدام الحسابات التي تنظر إلى احتمالين هما النصر أو الهزيمة، على أساس اعتبارات العمل على إيذاء الآخر وإلحاق أكبر قدر من الضرر به لجهة إلحاق الهزيمة به.
على خلفية هذا النموذج الخماسي يمكن طرح خمسة تساؤلات عن الحالة اللبنانية:
• هل انتقلت الأطراف اللبنانية المتنازعة من استخدام التكتيكات الحقيقية التي يمكن رصدها من خلال التصريحات والمناورات والخلافات السياسية حول اقتسام المناصب إلى التكتيكات الثقيلة أو بالأحرى أصبحت هذه الأطراف على وشك الانتقال إلى مرحلة التكتيكات الثقيلة طالما أن ما يحدث في أروقة بيروت شيء يختلف تماماً عما يحدث أو حدث في الأيام الماضية في سهل البقاع وفي الشمال اللبناني؟
• هل تنامى الصراع اللبناني وتجاوز مرجعيات بيروت المؤسسة السياسية وتحول أو بالأحرى أصبح على وشك النفاذ وتفعيل مخزونات التعبئة السلبية الفاعلة بين اللبناني واللبناني، على الخطوط الإثنوطائفية التي ظلت تجد وقود الشحن والاستقطاب من عمليات التعبئة السياسية التي ظلت تنشط في تفعيلها النخب السياسية البيروتية؟
• هل انتقلت القضايا الخلافية اللبنانية من قضايا خاصة تندرج ضمن الصراعات الحزبية إلى قضايا عامة تندرج ضمن النطاق العام الواسع الذي يمكن أن يهدد الوحدة الوطنية اللبنانية؟
• هل تغيرت أهداف الأطراف اللبنانية المتصارعة بحيث لم يعد يكفي التوافق بينها على حل الخلافات وتغيرت استراتيجيتها وحساباتها السياسية بحيث أصبح كل طرف –وإن كان في الجانب المعلن يزعم بقبوله لاتفاق الدوحة- يسعى على الجانب غير المعلن –وربما شبه المعلن- إلى القضاء على الآخر وصولاً إلى تحقيق النصر النهائي الحاسم؟
* هل من ديناميكيات جديدة في الساحة اللبنانية؟
استطاعت بعض الأطراف اللبنانية وعلى وجه الخصوص قوى 14 آذار على الأقل خلال الفترة الممتدة من لحظة اغتيال الحريري وحتى اتفاق الدوحة من تحويل لبنان إلى ساحة لتصفية الحسابات الداخلية والإقليمية وقد أدى تحالف قوى 14 آذار مع أمريكا إلى:
• إغراء أمريكا لاستخدام الساحة اللبنانية لتصفية حساباتها مع سوريا وإيران.
• إغراء إسرائيل لاستخدام الساحة اللبنانية في تصفية حساباتها مع سوريا وإيران وحزب الله.
مذهبية قوى 14 آذار كانت تقوم على الاستقواء بالخارج من أجل التغطية على حالة الضعف والانكشاف الداخلي وبالذات في مرحلة ما بعد انتصار حزب الله والمقاومة اللبنانية على الجيش الإسرائيلي في حرب صيف العام 2006م. وعلى خلفية ما سبق يبقى السؤال القائم متمثلاً في أنه إذا أدى اتفاق الدوحة إلى إيقاف زخم ديناميكيات الصراع اللبناني الخارجية فما هي مصداقية اتفاق الدوحة على إيقاف زخم ديناميكيات الصراع اللبناني الداخلية.
تقول آخر التسريبات بأن زعيم فتح الإسلام شاكر العبسي ما زال حياً ويجد مساندة ودعم بعض الأطراف السياسية وتحديداً ذات التوجهات السنية والمرتبطة بمشروع العمليات السرية الذي سبق أن أطلقه ديك تشيني في الساحة اللبنانية.
أشارت المزاعم إلى أن العبسي قد أصدر بياناً حمل الكثير من التهديد والوعيد بتنفيذ المزيد من العمليات ضد بعض الأطراف اللبناني وأكدت هذه المزاعم بأن سيناريو الحرب السنية – الشيعية ما زال يلقي بظلاله على الساحة اللبنانية لأنه برغم إدراك اللبنانيين لخطورته فإن الذي سبق أن خططوا السيناريو ما زالت جاذبيته أمامهم لم تفقد بريقها وما زالوا يتحينون الفرص من أجل تنفيذه وحالياً تشير بعض التسريبات الواردة في موقع فيلكة إسرائيل بأن الساحة اللبنانية قد شهدت خلال الفترة الماضية دخول أعداد كبيرة من العناصر الأصولية ضمن بعض الدفعات الجديدة القادمة من أفغانستان وباكستان وبعض البلدان العربية السنية التي خيرتهم أجهزة مخابراتها بين البقاء في الوطن ومواجهة الإعدام أو الذهاب إلى لبنان؟
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد