جنـرال باكسـتان يستسـلم
حان دور الرئيس الباكستاني برويز مشرف. رتّب بذته العسكرية التي لم يرتدها منذ اشهر. وضع مسدسه الذي لم يفارق خصره ابدا، في حقيبة. حمل كلبيه، ورافق والدته الى باب القصر. اسلام آباد لم تعد تحتمله. واشنطن لم تعد تريده.
اخيرا، تخلى »نيكسون باكستان« عن مهمة »الانقاذ«. تسع سنوات مرت، كانت »لعبة البقاء« فيها أكثر ما يجيده. ومثلما فتح البلاد في العام ١٩٩٩ على المجازفات التي ترجمت الى ازمات، غادر الحكم امس، ليخلّف وراءه ملفات مفتوحة على احتمالات عديدة، أبرزها التحالف مع واشنطن في حربها الافغانية الصعبة، ومصير القنبلة النووية.
لم تكن استقالة مشرف مفاجئة. بدأت تلوح نهاية »الشاه« حين أقال رئيس القضاة افتخار محمد تشودري في آذار العام الماضي، وترسخ اقتناع الكثيرين بحتمية حدوثها حين فرض حالة الطوارئ في تشرين الثاني، قبل وقت قصير من اغتيال بنازير بوتو.
وقبل اشهر، وقعت واشنطن على ختام مغامرة »حليفها الابرز« في الحرب على الارهاب، بعدما فرضت عليه مهمة شبه مستحيلة: الاستقالة من قيادة الجيش، اجراء انتخابات حرة، والبقاء في السلطة. لكن في النهاية، كان عليه ان يرحل، خاصة لانه لم يتمكن من المحافظة على نفوذه داخل الجيش، الذي سحب دعمه السيــاسي له، ولانــه بات مهددا باستجواب مذل في البرلمان الذي يسيطر عليه خصومه.
خلال سنوات حكمه، تمكن مشرف من قلب موقف باكستان من طالبان، وسلم عددا من قادة تنظيم القاعدة، وتبنى ليبرالية »معقولة«. لكنه في المقابل، بات غير محبوب في الداخل، في لحظة ضعف اميركية على الساحة الدولية، وفي وقت تحتاج واشنطن الى حكومة في اسلام آباد تحــث الباكســتانـيين على انخـراط أكبــر في مشــروعها.
أفغانستان ايضا، حاضرة في اسباب الرحيل. »الحرب على الارهاب« هناك، حققت في اولى سنواتها بعض ما كانت تتطلع اليه واشنطن، فيما كانت بصمات مشرف واضحة. لكن تغير الاحوال في المعركة مع زعيم حركة طالبان الملا عمر، بدّل الاوضاع بين اسلام آباد وواشنطن: تراجع النجاح الاميركي، فحوصر الرئيس الباكستاني، حتى بدا امس وكانه يسدد فاتورة الفشل العسكري.
هكذا اذا، تحدد مصير نظام مشرف في واشنطن. هي صنعته، وفي النهاية، هي الغته. في العام الماضي، وصف البيت الابيض مشرف بـ»الحليف الذي لا غنى عنه«. واليوم، تكتفي وزيرة الخارجية الاميركية كوندليسا رايس بالاشارة اليه مستخدمة صيغة الماضي لتقول »كان حليفا جيدا«، كأن الادارة الاميركية تهتف له: وداعا.
أما »ما بعد مشرف« في باكستان، فيبدو مفتوحا على اسوأ الاحتمالات. ثمة ملف استجدّ مع الاستقالة، قد يثير أزمات سياسية جديدة في البلاد، وهو منصب الرئاسة الشاغر، والذي قد يتنازعه قطبا الائتلاف الحاكم: أرمل رئيسة الوزراء السابقة بنازير بوتو، آصف علي زرداري، ورئيس الوزراء الأسبق نواز شريف.
مــن هــو بـرويــز مشــرف؟
ولد الرئيس الباكستاني برويز مشرف في نيودلهي في الهند في ١١ آب العام ،١٩٤٣ لعائلة مسلمة متوسطة الحال. وهاجر مع عائلته إلى دولة باكستان الجديدة في منتصف آب العام ١٩٤٧ التي أعلنت انفصالها عن الهند اثر صدامات دامية. وأمضى ٧ سنوات من حياته في تركيا خلال خدمة والده كدبلوماسي في أنقرة. وفي العام ،١٩٥٦ استقرت العائلة في كراتشي.
دخل الكلية العسكرية في العام ،١٩٦١ وهو في الـ١٨ من العمر ولم تفارقه البزة العسكرية، التي يعتبرها »جلده الثاني«، طيلة أكثر من ٤٥ عاما. حصل على وسام شرف لشجاعته خلال الحرب ضد الهند في العام .١٩٦٥ وانضم في العام ١٩٦٦ إلى فرقة نخبة داخل الجيش الباكستاني، لمدة ٧ سنوات.
وفي السابع من تشرين الأول ١٩٩٨ عينه رئيس الحكومة نواز شريف قائدا للجيش، إلا أن الرجلين سرعان ما اختلفا بعد سنة خلال مواجهات عسكرية جديدة مع الهند في كارغيل في كشمير الهندية، كان مشرف خطط للعملية، وكادت تؤدي إلى حرب جديدة بين الجارين النوويين.
ويبدي مشرف إعجابه الكبير بكل من نابوليون بونابرت وريتشارد نيكسون، الأول بسبب صراحته وتفكيره العسكري، والثاني بسبب قدرته على استيعاب الأوضاع والتأقلم معها. وقال »اعتبر نفسي محظوظا، نابوليون كان يقول انه إضافة إلى كل الكفاءات المطلوبة على الزعيم أيضا أن يكون محظوظا لينجح، لذلك علي أن انجح«.
في حياته الخاصة، يعرف مشرف بأنه يعيش حياة بذخ، فهو يحب الطعام الجيد، والأغاني الباكستانية التقليدية، وشعر الاردو والثياب من النوعية الممتازة، ويتمتع بالرقص على الأغاني الغربية. وتعرض إلى انتقادات في باكستان بعد التقاط صور له يشرب الويسكي والى جانبه كلاب. والفيلم المفضل لديه هو »غلادييتور« (المصارع)، الذي يحكي قصة جنرال روماني ينقذ روما من الإمبراطور الشرير، لكن نهايته تكون تراجيدية.
أبرز أحداث حكمه
في الآتي تسلسل زمني لأبرز التطورات في باكستان منذ العام ١٩٩٩ عندما استولى برويز مشرف على السلطة بصفته قائدا للجيش:
ـ ١٢ تشرين الأول ١٩٩٩: قائد الجيش برويز مشرف يطيح برئيس الوزراء نواز شريف الذي نفي إلى السعودية.
ـ ٢٠ حزيران ٢٠٠١: أعلن مشرف نفسه رئيسا وقائدا للجيش.
ـ ١١ أيلول ٢٠٠١: تخلى عن مساندته لحركة طالبان وتحالف مع واشنطن بعد هجمات ١١ أيلول.
ـ ٣٠ نيسان ٢٠٠٢: فاز باستفتاء عام على حكمه لمدة ٥ سنوات.
ـ ١٦ تشرين الثاني ٢٠٠٢: أدى اليمين كرئيس لولاية جديدة.
ـ ١٤ كانون الأول ٢٠٠٣: مشرف ينجو من محاولتي اغتيال، عبر تفجير جسر في روالبندي استهدف موكبه، والثانية في المنطقة ذاتها بعد أيام قام بها مقاتلون من تنظيم القاعدة عبر تفجير مزدوج.
ـ ١ كانون الثاني ٢٠٠٤: مشرف يفوز بتصويت على الثقة في البرلمان يؤكد رئاسته التي حصل عليها من دون انتخاب حتى العام .٢٠٠٧
ـ ٩ آذار ٢٠٠٧: مشرف يقيل رئيس القضاة افتخار محمد تشودري ما يثير احتجاجات واسعة.
ـ ٦ تشرين الأول ٢٠٠٧: البرلمان ينتخب مشرف لولاية جديدة مدتها خمس سنوات.
ـ ١٨ تشرين الأول ٢٠٠٧: بنازير بوتو تعود من المنفى. اغتيلت في ٢٧ كانون الاول.
ـ ٣ تشرين الثاني ٢٠٠٧: مشرف يفرض حالة الطوارئ ويقيل رئيس القضاة ويعلق العمل بالدستور.
ـ ٢٨ تشرين الثاني ٢٠٠٧: مشرف يتنحى عن منصبه قائدا للجيش، ويقسم اليمين بعد يوم كرئيس مدني.
ـ ١٨ شباط ٢٠٠٨: أحزاب كل من بوتو وشريف تفوز على حلفاء مشرف في انتخابات عامة.
ـ ٢٤ آذار ٢٠٠٨: البرلمان ينتخب يوسف رضا جيلاني، رئيسا للوزراء.
ـ ١٧ آب: الائتلاف الحاكم يقول انه انتهى من وضع اللمسات الأخيرة على تهم مساءلة مشرف.
- ينص الدستور الباكستاني على أنه في حال استقالة الرئيس من منصبه، يتسلّم رئيس مجلس الشيوخ مهام القائم بأعمال الرئاسة، على أن يجري انتخاب رئيس جديد، لولاية من خمس سنوات، وذلك خلال ثلاثين يوماً.
ما يعني أنه بعد تنحي الرئيس برويز مشرف، سيصبح رئيس مجلس الشيوخ محمد ميان سومرو، قائما بأعمال الرئيس. وخلال فترة ثلاثين يوماً، يتعيّن على هيئة انتخابية، مؤلفة من أعضاء مجلسي الشيوخ والبرلمان (الفدرالي) وأربعة مجالس محلية أن تنتخب رئيساً جديداً للبلاد.
في باكستان كان الرئيس منصبا شرفيا في حين كان يتمتع رئيس الوزراء بمعظم السلطات، إلا أنه أثناء حكم مشرف أصبح الرئيس أقوى بكثير، محتفظاً بسلطة لإقالة البرلمان وتعيين كبار المسؤولين في الجيش والهيئة القضائية ولكن الشركاء في الائتلاف الحاكم تعهدوا بنزع هذه السلطات من الرئيس، وجعله منصبا شرفيا.
المصدر: وكالات
إضافة تعليق جديد