بري ونصر الله يقبلان النتائج: اللبنانيون انتصروا على الفتنة
مع صدور النتائج الرسمية النهائية للانتخابات النيابية، بإعلان فوز قوى الرابع عشر من آذار وحلفائها «المستقلين» بواحد وسبعين نائبا مقابل 57 للمعارضة، بدأت ترتسم معالم مرحلة سياسية جديدة، يبدو أن الجميع يرغب في أن يكون عنوانها الحوار والتهدئة... وباكورة ذلك إعلان المعارضة، بلسان الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله وقبله رئيس مجلس النواب نبيه بري قبولهما بنتائج صناديق الاقتراع واستعدادهما للانخراط في مشروع بناء الدولة، فضلا عن ملاقاتهما دعوة النائبين سعد الحريري ووليد جنبلاط للحوار والتعاون.
وفيما التزم رئيس «تكتل التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون الصمت، بعد مرور أكثر من أربع وعشرين ساعة على صدور نتائج الانتخابات، على الرغم مما أكسبته إياه مسيحيا، من مقاعد، ولو أقل مما كان مأمولا، فان زعيم «تيار المردة» النائب المنتخب سليمان فرنجية، أكد في أول إطلالة إعلامية له انه يقف إلى جانب عون الذي «حارب كل شيء، فالكنيسة، كانت ضدنا، ورئاسة الجمهورية إلى حد ما، وفي بعض الأقضية بقينا كما كنا».
أما رئيس «الكتلة الشعبية» الياس سكاف فلم يدل حتى الآن بدلوه في ما أصاب لائحته من انهيار، على الرغم من أجراس الانذار التي قرعت أمامه عشية الانتخابات.
وإذا كان كل فريق من فريقي الأكثرية والمعارضة، قد بدأ بإجراء قراءته التفصيلية للنتائج، سياسيا ورقميا، فان الجانبين يتجهان نحو عقد لقاءات تقييمية موسعة ومصغرة، من شأنها أن تضع بعض العناوين حول الاستحقاقات المقبلة ومنها رئاسة المجلس النيابي ورئاسة الحكومة المقبلة وطبيعة مشاركة المعارضة فيها، فضلا عن موقع رئاسة الجمهورية في التوازنات المقبلة.
وفي هذا الإطار، أعلن السيد حسن نصرالله، في إطلالة تلفزيونية عبر قناة «المنار» مساء أمس، القبول بنتائج الانتخابات النيابية «كما أعلنتها وزارة الداخلية بمعزل عن التدخلات الخارجية والتحريض الطائفي والمذهبي والعنصري والإنفاق المالي». واعتبر أن هناك فرصة لقيام الدولة القوية العادلة، داعياً الفريق الآخر إلى التعبير عن نفسه من خلال المصارحة والصدق والمكاشفة.
وشدد نصرالله على أن اللبنانيين أثبتوا قدرتهم على حفظ الأمن والسلم الأهلي والتنافس الانتخابي من دون المس بمقومات الأمن والاستقرار، معتبراً أن الانتخابات برغم أهميتها ليست إلا محطة في خدمة المشاريع الشريفة، معلناً ان المعارضة معنية بالتشاور قريباً بشأن الاستحقاقات المقبلة من انتخاب رئيس مجلس ورئيس حكومة وتشكيل حكومة، وهذا بحاجة لدراسة وتفاهم وتشاور بين قوى المعارضة.
وأشار السيد نصرالله «إلى سقوط أكاذيب ومنها الخطاب السياسي الذي كان يقول ان المعارضة ستمنع اجراء الانتخابات»، معتبراً ان هذه الكذبة سقطت اليوم «بحيث ان الانتخابات جرت في ظل وجود ترسانة سلاح للمقاومة، ومع ذلك لم يحصل اي اشكال»، واشار الى أننا انتهينا ايضاً من كذبة تقصير ولاية الرئيس.
وقال ان النتائج لا تعفينا من خدمة مشروعنا الاصلاحي «من أي موقع آخر سواء أكنا معارضة نيابية خارج الحكومة، أم داخلها، وهذا خيار مفتوح على كل التوجهات». وختم أن المقاومة ليست قطعة سلاح نناقشها، بل تناقش على طاولة الحوار، وقال: «لا داعي للقلق فما دام موضوع المقاومة محتضناً شعبياً لا أحد يستطيع أن يفعل شيئاً مع المقاومة الشعبية، وهذا الكلام قلناه قبل الانتخابات بمعزل عمن يفوز».
وقالت مصادر أنه فور انتهاء خطاب السيد نصرالله، أبدى النائب سعد الحريري ارتياحه لمضمونه، وأرسل رسالة تحية، في المقابل، شدد فيها على أنه من خلال الحوار يمكن أن نعمل معا على قاعدة بناء مشروع الدولة.
ومن الملاحظ منذ خطاب الأيادي الممدودة للحريري، فجر الأحد الاثنين الماضي، ان الأخير بدأ يتصرف من موقع المرشح الأول لرئاسة الحكومة المقبلة، وهو أمر عبر عنه في أكثر من اطلالة تلفزيونية سبقت السابع من حزيران، ويبدو أن الحريري يستعد، في هذا السياق، لعقد لقاء مع السيد حسن نصرالله لمناقشة ملفات وعناوين المرحلة المقبلة ولا سيما موضوع الحكومة الجديدة .
وقالت المصادر أن الحريري، أجرى، أمس، اتصالاً برئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد أخذ عليه فيه أنه لم يكن مضطرا لقول ما قاله في تصريحه الأخير حول سلاح المقاومة، «الذي هو غير مطروح للبحث خارج طاولة الحوار، وهناك سقف رسمه البيانان الوزاريان للحكومتين المتعاقبتين بعد انتخابات الفين وخمسة ونحن ملتزمون بهذا السقف، ولذلك علينا اخراج هذا الأمر من المنابر الاعلامية».
وشدد النائب الحريري خلال تواصله مع قيادة «حزب الله» على وجوب الحفاظ على مناخ التهدئة السياسية والاعلامية، وتردد أنه أعطى تعليمات واضحة بهذا الاتجاه الى وسائل اعلام تيار المستقبل من أجل عدم الإخلال بالتهدئة.
وعلمت «السفير» ان النائب الحريري، تلقى اتصالا، فجر الأحد الاثنين، من العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبد العزيز، هنّأه خلاله بفوزه بالانتخابات، وجدد القول أمامه بأن المملكة لا تتمنى للبنان واللبنانيين الا كل المحبة والخير، متمنيا عليه مواصلة الحوار وأن يعمل الجميع لتقوية وتعزيز مناعة واستقرار وأمن بلدهم.
وقالت أوساط في كتلة تيار المستقبل ان عنوان المرحلة المقبلة هو «الحوار فوق كل اعتبار».
وقال رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط إن كلام السيد حسن نصرالله، ايجابي، ويبنى عليه. واضاف «مع بروز نتائج الانتخابات، تبدأ مرحلة جديدة، لكن ليس على قاعدة الغاء احد، بل على العكس، مرحلة التأكيد على اهمية الحوار حول كل المواضيع الأساسية «.
وتابع جنبلاط: الأهم في هذه المرحلة هو ان نكون جميعا متحدين في مواجهة هذا الإطراء الإسرائيلي المريب لفوز قوى 14 آذار، «فهذا المديح الإسرائيلي العجيب والمريب والمتجدد حول لبنان، هو رسالة جديدة ملغومة شبيهة برسالة «دير شبيغل».
وحول احتمال مطالبة المعارضة بالثلث الضامن في الحكومة الجديدة، اكتفى جنبلاط بالقول: «كل شيء في وقته حلو. وفي كل الأحوال أنا ضد العزل والإلغاء أو استثناء أي طرف داخلي».
وردا على سؤال قال جنبلاط انه يرفض التبريك له بالفوز «فأنا لا أشعر بالنصر ولا أشارك في نشوة النصر، وما زلت أخشى أن ينتقل الاستقطاب الطائفي والمذهبي الى الشارع، ولذلك المطلوب الكثير من الجهد من أجل المحافظة على التهدئة من أجل الانتقال إلى المرحلة الجديدة».
وردا على سؤال قال جنبلاط ان الطائف «عنوان ومظلة ودستور، وبالتالي يمكن من خلال التوافق تعديل بعض بنوده لا سيما الخاصة بتعزيز صلاحيات رئيس الجمهورية».
اضاف ردا على سؤال آخر «أخشى أن تكون الانتخابات قد أدت الى نشوء حلف ثلاثي جديد (ماروني ـ سني ـ درزي) شبيه بالحلف الثلاثي الذي قام في العام 1968 وأسّس لاحقاً لاندلاع الحرب الأهلية في لبنان».
وعمن يرشح لرئاسة المجلس النيابي، قال جنبلاط : «نحن مع الرئيس نبيه بري وموقفنا واضح».
وقالت أوساط مقربة من جنبلاط انه اذا كانت ارادة النائب سعد الحريري بأن يكون رئيسا للحكومة المقبلة «فاننا سنسميه حتماً لهذه المهمة خلال الاستشارات».
وقالت أوساط سياسية متابعة للتواصل القائم والمستمر بين جنبلاط وقيادة «حزب الله» انه بعد صدور نتائج الانتخابات، «بدأ العد العكسي للقاء المرتقب بين النائب جنبلاط والسيد نصرالله»، لم يحدد موعده حتى الآن وحيث سيصار الى تحضير جيد لجدول أعماله «حتى تأتي نتائجه مثمرة وايجابية»، كما يرغب بذلك كل من الطرفين.
الى ذلك، أعلن رئيس المجلس النيابي نبيه بري في كلمة وجهها، أمس، الى اللبنانيين، القبول الكامل بنتائج الانتخابات، وقال ان لبنان «انتصر على رهانات الفوضى والفتنة، وربح مرة جديدة وجوده وسمعته كبلد ديموقراطي، وأصبحت قوته في ديموقراطيته الى جانب مقاومته وتأكد أصلا رهاننا ان قوة لبنان هي في وحدته الوطنية».
ونوه بري «بتأكيد الجميع التزامهم اتفاق الطائف، الذي يستدعي من الآن فصاعدا أن نكسب الفرصة لتنفيذ مضامينه كافة من دون استنسابية»، ونوه بالكلام الوطني والايجابي لكل من الحريري وجنبلاط بعد صدور نتائج الانتخابات، وقال ان اللبنانيين محكومون أكثر من اي وقت مضى بزيادة عناصر وحدتهم الوطنية وترسيخ استقرارهم ونظامهم العام الأمني والسياسي والاقتصادي.
وجدد بري الالتزام بمشروع المقاومة وخط الوحدة الوطنية والتعايش والمشاركة والعدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان، وكذلك الالتزام بالانتقـال بلبنان من مرحلة السلطة إلى مرحلة الدولة.
وتمنى بري ان تؤدي هذه الانتخابات الى مرحلة تأسيسية نتمكن من خلالها من صنع قانون حديث وعصري للانتخابات على أساس النسبية.
من جهة ثانية، قالت مصادر أن رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان، قرر تكثيف مشاوراته مع جميع قيادات الموالاة والمعارضة سعياً الى تحديد معايير جديدة لالتئام طاولة الحوار قبل نهاية شهر حزيران.
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد