الرغيف: الحكومة تدعمه والتجار يتلاعبون به
لانفشي سراً إن أكدنا أن هناك خللاً في صناعة الخبز مع عدم نكران الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية للرغيف، والمشكلات التي تعترض سبيله بدءاً من الحقول.. وصولاً إلى المستهلكين..
ومع عدم تبني أي زيادة سعرية لكن تحت حرارة الخط الأحمر.. وستار الحماية.. والحفاظ على السعر.. تخترق القوانين وتنتهك الأنظمة بدءاً من تهريب الدقيق التمويني المدعوم وإبعاده عن غايته الأساسية.. وإفساح المجال للأفران السياحية ومعامل المعجنات أن تستجره تهريباً، لتكوي بنار أسعارها اللاهبة شريحة المستهلكين
وما يدعو للاستغراب أن فعاليات الأفران الخاصة والتي يغطي إنتاجها نسبة 55٪ من حاجة السوق المحلية هي من تطرق للنقاط الساخنة في قضايا تصنيع الرغيف وأساليب الغش والتدليس فيه.. مبدية عذرها بذلك وبمعرفة معظم المرجعيات المعنية دون اتخاذ أي إجراء رغم ما يكلفه الخبز سنوياً من حسابات الخزينة العامة كدعم..
فكيف سيكون الحال إذا أضفنا سعر القمح الجديد وتكاليف الطحن ودعم المازوت وغيرها..
تحت ستار حماية الخبز والحفاظ على السعر الرائج تنتهك أقدس المهن بدءاً من تهريب الدقيق التمويني المدعوم وإبعاده عن غايته الأساسية أمام مرأى الجهات الوصائية.. وبواقع يكلف الخزينة عشرات المليارات سنوياً...
وحسب المرجعيات الحرفية في دمشق وريفها فإن دعم الدقيق والمازوت فتح الباب واسعاً أمام الفساد، حيث تهدر المليارات في تجارة غير مشروعة أدخلت الجهات المعنية في أمور هي بغنى عنها..
وطالبت الفعاليات الحرفية بإيجاد آلية لإصلاح الخلل القائم من خلال صيغة توافق بين تكلفة صناعة الرغيف وهامش ربح حقيقي حتى ولو كان الثمن إعادة النظر بسعر الدقيق التمويني باعتبار رفع سعر الخبز خطاً أحمر.
وبالتالي اتخاذ الإجراءات الرادعة بحق كل من يتلاعب بالمادة دقيقاً أم خبزاً.
وحسب الحرفيين فإن هناك مورد تهريب إضافياً للأفران التي تتعاطى بتهريب الدقيق التمويني متمثل بتهريب المازوت المدعوم ولاسيما في المناطق البعيدة؟!
قسم من صناع الخبز أشار إلى أن بعض الحرفيين وأمام عدم جدوى العمل النزيه في الأفران امتهن الاتجار بالدقيق والمازوت معاً، ليس للحد من الخسارة فقط وإنما لارتفاع هامش الربح بين سعر طن الدقيق التمويني مع نظيره الحر في الأسواق.
وحسب مصادر وزارة الاقتصاد والتجارة فإن عائدات تهريب الدقيق غير المشروعة تجاوزت ملياري ليرة العام الماضي.
وبالمقابل من لم يتجرأ على تهريب الدقيق والمازوت عمد إلى الغش والتدليس بالمادة لجهة زيادة نسبة الرطوبة لإعطاء وزن زائد أو إنقاص وزن الربطة.
وكلا الخيارين عواقبهما وخيمة... لكن في ظل غياب الحلول فإن الحرفيين على ما يبدو مستعدون لتحمل تبعات خياراتهم.
تشير المعلومات إلى وجود 2700 فرن تمويني في كافة المحافظات يعمل في كل منها وسطياً /5/ عمال أي ما مجموعه 13500 فرصة عمل تؤمن دخلاً تعتاش منه وسطياً أكثر من خمسة آلاف أسرة فهل سنغلقها؟
حسب وزارة الاقتصاد تساهم الأفران الخاصة بتأمين ما نسبته 55٪ من مادة الخبز في السوق المحلية.. وما نسبته 60٪ من المادة تؤمنها أفران ريف دمشق للمحافظة.
والواقع الراهن سيدفع بالأفران إلى الإفلاس بسبب زيادة التكلفة، وحسب جمعية صناع الخبز بريف دمشق انخفض عدد الأفران في المحافظة من 380 فرناً إلى 200 فقط لغاية آيار من العام الماضي..
أما جمعية دمشق فأكدت أنه وأمام التناسب العكسي بين تكلفة الإنتاج الفعلية وسعر المبيع ونظراً لارتفاع الأعباء الضريبية انخفض عدد أفران العاصمة من 365 فرناً إلى 174 فرناً أي إن 191 فرناً أغلقت أبوابها لغاية العام الماضي.
والسؤال كيف تنظر وزارة الاقتصاد إلى ظاهرة انخفاض عدد الأفران التموينية وترقين قيودها؟
يقول معاون الوزير للتجارة الداخلية إن واقع أفران دمشق لا يمكن تطبيقه على باقي المحافظات وإن الأفران المرقنة قيودها بدمشق قديمة أو توفي أصحابها أو لعدم رغبة الورثة في استمرار العمل فيها.
وقال السيد عبد الخالق العاني: إن معظم الأفران التموينية المرقنة كانت قائمة في دمشق القديمة وهذه يتعذر تطويرها فتحولت إلى فعاليات سياحية كمطاعم من خلال بيعها، وراجعنا قسم من أصحابها لمنحهم تراخيص خارج دمشق ولو منحنا التراخيص لكان لدينا الكثير من الأفران وبدورنا نقول للسيد المعاون هل تستوعب دمشق القديمة 191 فرناً تم ترقين قيدها إلى جانب الأخرى القائمة؟.وإذا كنا لا نرى سوى دمشق من المحافظات، كما قلت لنا فإننا نقول إن ريف دمشق تعد من أوسع المحافظات امتداداً وأكثرها كثافة سكانية، وحسب جمعية صناع الخبز فيها فقد انخفض عدد أفرانها من 380 فرناً إلى 200 فقط لغاية العام الماضي.
فهل الأفران القائمة في ريف دمشق كلها قديمة وأثرية مع أن الريف لا يضم دمشق القديمة لتتحول إلى مطاعم وغيرها..وعموماً وحسب جمعيتي دمشق وريفها تم ترقين قيود 271 فرناً من أصل 665 فرناً فقط لغاية أيار من العام الماضي.
أمام هذا الواقع وفي ظل التناسب العكسي بين تكلفة الإنتاج وسعر المبيع ووقوع المستهلك ضحية هذا الفرق، وفي ظل إقرار التجارة الداخلية بخسارة الأفران نسأل ما جدوى الإجراءات المتبعة في ظل لجوء الحرفي إلى الغش والتلاعب؟
يقول السيد عبد الخالق العاني: تتابع مديريات التجارة الداخلية أداء الأفران وهناك دوريات متخصصة لهذه الغاية تعمل على مدار الساعة وكل مخالفة تضبط وتتخذ بحقها الإجراءات النافذة ويحال المخالف إلى القضاء.
لكن وحسب مدير المواد بالوزارة المهندس بشر السقا: تم تنظيم 98 مخالفة أفران بالمحافظات لغاية 17 أيار الماضي.
ونقول للمعنيين بوزارة الاقتصاد : هناك مئات الحالات المخالفة التي لم تضبط وربما وصلت إليها دورياتكم..لكن الحرفيين يتمكنون من صرفها بعيداً ولتبقى لعبة القط والفأر هي السائدة.
حدد قرار وزير الاقتصاد 925 لعام 2002 سعر مبيع كغ الخبز بمبلغ 9 ليرات بدون عبوة وحدد القرار 953 لنفس العام وزن ربطة الخبز 1450 غ والمنتجة لدى الشركة العامة للمخابز بسعر 14 ليرة معبأة بكيس للمعتمدين و15 ليرة للمستهلكين من أكشاك الشركة شاملة أجور النقل.
وبالمقابل حدد القراران المذكوران وزن ربطة الخبر المنتجة لدى المخابز الاحتياطية وأفران القطاع الخاص 1550 غ معبأة بكيس وبسعر مبيع 15 ليرة للمستهلك.
بعد سلسلة مطالبات حرفية ونقابية لإجراء دراسة جديدة تشمل التكاليف الحقيقية لصناعة الخبز وخاصة أن آخر دراسة معتمدة مضى عليها حوالى عشرين عاماً 1991.
وجاء كتاب رئاسة مجلس الوزراء 4213 العام الماضي ليتضمن إعادة دراسة تكاليف الانتاج للقطاع الخاص والذي يغطي انتاجه ما نسبته 55٪ من حاجة السوق المحلية، كما صدر القرار 2126 لنفس العام القاضي بدراسة الواقع الراهن للشركة العامة للمخابز ولجنة المخابز الاحتياطية.
ونهاية العام الماضي صدر تعميم وزير الاقتصاد رقم 1345 المتضمن مخصصات المخابز التموينية من المازوت المدعوم بناء على نتائج التجارب الميدانية التي نفذتها لجنة مركزية مشكلة لهذه الغاية للوصول إلى معيار استهلاك المازوت الحقيقي.
وبعد سلسلة اجتماعات وبحضور ممثلي كافة الجهات المعنية تم تدقيق دراسة التكلفة الفعلية في ضوء الوضع الحالي لبنود التكلفة لكل من الشركة العامة للمخابز ولجنة المخابز الاحتياطية والمخابز الخاصة بنسبة انعكاس زيادة الرواتب والأجور وأجور النقل كالتالي:
1-11.40 ليرة تكلفة كغ الخبز من واقع الميزانية الفعلية للشركة العامة للمخابز.
2-9.21 ليرات تكلفة انتاج كغ الخبز من واقع الميزانية الفعلية لعام 2007 للجنة المخابز الاحتياطية.
3-10.83 ليرات تكلفة انتاج كغ الخبز من واقع الحسابات الفعلية للأفران الخاصة.
وأشارت الدراسة إلى أن نسبة تزويد السوق المحلية من الخبز كالآتي:
1-تغطي الشركة العامة للمخابز بنسبة 36٪ من حاجة السوق المحلية.
2-تغطي لجنة المخابز الاحتياطية نسبة 9٪ من حاجة السوق المحلية.
3-تغطي أفران القطاع الخاص نسبة 55٪ من حاجة السوق.
أشار كتاب وزير الاقتصاد 852 تاريخ 18/1/2009 والموجه إلى رئاسة مجلس الوزراء-اللجنة الاقتصادية-أشار صراحة إلى أن المطلوب من اللجنة إقرار ما تراه مناسباً وفق الدراسة المنفذة حيال مطالب حرفيي صناعة الخبز بإعادة النظر بالسعر الرائج للخبز بما يتناسب مع التكلفة الفعلية للانتاج كي لا تقع بخسائر.
وترى وزارة الاقتصاد ومعها الجهاز المركزي للرقابة المالية تقديم الدعم للشركة العامة للمخابز ولجنة المخابز الاحتياطية وأفران القطاع الخاص المنتجة للخبز التمويني لأجل تغطية الزيادة بالتكلفة من خلال تخفيض سعر الدقيق التمويني كي لا تقع المخابز العامة والخاصة بخسائر.
يتضمن كتاب الاقتصاد إشارة لرأي وزارة المالية أن أي تخفيض في سعر الدقيق التمويني سينعكس سلباً على العجز التمويني..
وأشار معاون وزير الاقتصاد إلى أن رد اللجنة الاقتصادية جاء بإبقاء الوضع الراهن على حاله في هذه المرحلة ..
لاشك أن قرار وزارة الاقتصاد لدراسة التكلفة الفعلية لإنتاج الخبز وعدم اتخاذ أي اجراء سيحد من الخسائر المتلاحقة سينعكس سلباً على واقع صناعة الرغيف.
والحرفي أصبح بشكل شبه قانوني يبيع سعر الكغ الواحد بأقل من سعر التكلفة وبحوالى ليرتين 10،83 ليرات وبإقرار كافة المرجعيات المختصة.
وحتى يتلافى الخسارة سيلجأ إلى انقاض الوزن أو زيادة نسبة الرطوبة أو تهريب الدقيق والمازوت وهذا كله يعرضه للمساءلة التموينية أو سيلجأ إلى إغلاق فرنه وعلى مبدأ يا دار ما دخلك شر.
وبالتالي تسقط المخالفة أخلاقياً وتبقى مبررة قانوناً من نفس الجهة المعنية بالرقابة على أداء الأفران بعيداً عن اسطوانة المراجعة المستمرة لأداء الأفران على مدار الساعة وقمع المخالفات المرتكبة والخ من اسطوانة مللنا تكرارها من المعنيين بالاقتصاد.
عدنان سعد
المصدر: الثورة
إضافة تعليق جديد