ليفني للسنيورة: كفكف دموعك ونفذ القرارات
شرعت إسرائيل في تهيئة الرأي العام الداخلي لعملية عسكرية برية واسعة في الجنوب اللبناني قد تتعدى في بعض مواضعها مجرى الليطاني. غير أن التصريحات والمواقف الإسرائيلية المتضاربة، خلقت آراء وتحليلات متضاربة حول الهدف الحقيقي من توسيع دائرة الحرب، الذي يبدو انه إعادة منح الجمهور الإسرائيلي نوعا من الإحساس بالنصر.
ويبدو من تصريحات الساسة والمعلقين الإسرائيليين أن الشغل الشاغل لهم جميعا هو أن هذه حرب لا يمكن لإسرائيل أن تنهزم أو تتعادل فيها وأن المطلوب هو انتصار واضح. ويشدد قادة إسرائيل على أن الانتصار مطلوب لأن غيابه سيترك آثارا استراتيجية على مستقبل الدولة اليهودية.. ومن أجل أن ينغرس في وعي لبنان وحزب الله وكل الزعماء العرب من المسالمين لإسرائيل أو المعادين لها.
وأشارت وسائل الإعلام الإسرائيلية إلى أن خطة الحرب البرية الواسعة الجديدة التي ستصل إلى الليطاني وقد تتجاوزه نوقشت بشكل موسع أثناء زيارة رئيس الحكومة إيهود أولمرت أمس الأول لقيادة الجبهة الشمالية التي أوضحت أن الحرب لتحقيق هذه الغاية قد تستغرق شهرا آخر وسوف يقع الكثير من الخسائر في صفوف الجنود والمدنيين الإسرائيليين. ومن المقرر أن يبحث أمر توسيع العملية البرية في المجلس الوزاري المصغر اليوم أو غدا لاتخاذ القرار النهائي بهذا الشأن بعد أن تتضح صورة الموقف الدولي من وقف النار.
ويرى بعض المعلقين أن التساؤل الأكبر هو ما الذي حدث خلال الأسبوع فدفع الوزراء وقادة الجيش إلى تغيير رأيهم من رفض توسيع العملية البرية إلى تأييدها. ويضيف هؤلاء أنه إذا كان الهدف هو وقف صواريخ الكاتيوشا، فما الذي ستفعله الحكومة إن استمرت الصواريخ بعد وصول القوات الإسرائيلية إلى الليطاني. ويتساءلون: هل ستتقدم القوات بعدها إلى الزهراني؟ وبعدها إلى الأولي؟
ويشير عدد من المعلقين الإسرائيليين إلى أن هدف توسيع نطاق العملية البرية لا يرتبط بالقرار الذي سيصدر عن مجلس الأمن بل هو عامل مساعد له، إذ أن الجيش يريد تنظيف منطقة من أجل تمكين القوات المتعددة الجنسيات والجيش اللبناني من الانتشار بعد إضعاف قدرة حزب الله على الاعتراض.
غير أن آخرين يشككون في قدرة الجيش الإسرائيلي على إنجاز المهمة حتى في الوقت الطويل المعطى له، ويقولون أنه برغم كل الحديث عن توسيع العملية فإن الجيش
الإسرائيلي لا يزال يقاتل في بنت جبيل واللبونة والقرى الحدودية. ويوضح هؤلاء أنه برغم كل الأهمية التي أعطيت لمارون الراس وبنت جبيل، فإنها ليست المعاقل الأشد تحصينا لحزب الله الذي سيقاتل بشراسة أكبر إذا تقدمت القوات الإسرائيلية وطالت خطوط إمداداتها.
ومع ذلك فإن التساؤلات في إسرائيل ليست عسكرية وحسب بل هي سياسية أيضا. وهناك من يطرح التساؤل على الشكل التالي: هل سيتبع أولمرت رأي رئيس الحكومة اللبنانية فؤاد السنيورة الذي عرض نشر الجيش اللبناني أم موقف وزير الدفاع الإسرائيلي عمير بيرتس الذي يطالب بتوسيع الحرب؟
ويرى المعلقون الإسرائيليون أن نشر الجيش اللبناني كان هدفا تتطلع إسرائيل إلى تحقيقه ولكن بعد إخضاع هذا الجيش لعملية فك وتركيب. ولذلك فإن القبول الآن بهذا الجيش مشروط بأجوبة عديدة تسعى إسرائيل للحصول عليها من الحكومة اللبنانية بينها: هل أن انتشار الجيش اللبناني سيتم بالتنسيق والتوافق مع الجيش الإسرائيلي وكيف؟ وهل سيتم تجريد حزب الله من سلاحه ومتى؟ وفي هذه الأثناء هل سيتم إبعاد حزب الله عن الجنوب اللبناني؟ وما هي نوعية العلاقة التي ستنشأ بين الجيش وحزب الله لاحقا؟ وماذا عن الأفكار بضم حزب الله أو وجود أعضاء من هذا الحزب في الجيش اللبناني؟
وفي كل الأحوال فإن رئاسة الحكومة الإسرائيلية تدرس تقارير استخباراتية موسعة عن الجيش اللبناني, قواته واستعداداته. وتصر إسرائيل في كل الأحوال على وجود قوات دولية ذات صلاحية من خارج اليونفيل لمراقبة الجيش اللبناني ومساعدته.
تجدر الإشارة إلى أن الجيش الإسرائيلي طلب من المستوى السياسي المصادقة على إدخال قوات كبيرة حتى نهر الليطاني على الأقل. ومن المقرر أن ينعقد المجلس الوزاري المصغر يوم الأربعاء أو الخميس كحد أقصى للمصادقة على إدخال هذه القوات. ويقول وزراء في المجلس المصغر أنه إذا لم يحدث تغيير جوهري, وإذا لم يتم إعلان وقف لإطلاق النار خلال يوم أو يومين، فإن المجلس المصغر سيصادق على دخول القوات بغض النظر عن الثمن الذي ستدفعه.
وذكرت صحيفة هآرتس أن الضغوط تتزايد على إسرائيل للموافقة على الانسحاب من مزارع شبعا لكن رئيس الحكومة الإسرائيلية رفض هذا الأمر جملة وتفصيلا وأوضح أن الخلاف على مزارع شبعا لا شأن لإسرائيل به وأنه بين سوريا ولبنان.
وأشارت الصحيفة إلى أنه في المداولات الجارية تحقق تقدم في نقطتين من نقاط الخلاف حول مشروع القرار الذي يناقشه مجلس الأمن. فقد وافقت إسرائيل على أن ينص القرار على انسحاب إسرائيل إلى الخط الأزرق في موعد لا يتجاوز نشر القوة الدولية. كما أن الأميركيين والفرنسيين وافقوا على حظر توريد الأسلحة لحزب الله عن طريق المنافذ الحدودية.
شدد رئيس الحكومة الإسرائيلية بعد اجتماعه مع الرئيس الإسرائيلي موشيه كتساف على أنه لا يرفض المبادرة اللبنانية لنشر الجيش اللبناني في الجنوب. وقال أن :هذا اقتراح مثير للاهتمام ونحن نعكف على دراسته مضيفا أنه تجري مداولات حول مسودة مشروع قرار صيغ بالتعاون بين أميركا وفرنسا. وليست هناك صيغة نهائية, ولذلك من الصعب قول ما إذا كنا نوافق عليها. ولكن بالعموم, يمكن القول أن الصيغة البادية تقر بأن ما كان لن يبقى كما كان.
وبحسب أولمرت فإننا ندرس الاقتراحات. وليس في وجهتنا احتلال لبنان كما ليست لدينا مطامح للبقاء فيه. وعندما تكون الاقتراحات المعروضة جدية فإنها تتطلب تنسيقات مختلفة، وسوف ندرسها. فالهدف المركزي للجهد الذي نبذله ليس الأرض ولا الخطوط، وإنما تقليص قدرة حزب الله على إطلاق كاتيوشا على سكان دولة إسرائيل. وهذه مهمة ملقاة على عاتق الجيش, وهو يقدم الخطط لتحقيقها.
وقال أولمرت أن بالوسع الانتباه إلى حقيقة أن حزب الله أعلن موافقته على هذا الأمر، وهو ما يشير، ربما، إلى ما نشعر به على الأرض، وهو أن حزب الله لا يستطيع المحافظة بقواته على الوضع الذي كان. وأضاف :أقترح أن نكون أكثر صبرا، وأن نعمل في هذا الشأن بالتنسيق مع أصدقائنا وحلفائنا. سوف ندرس الأمور في ما بيننا ونتخذ القرارات في نهاية المطاف.
وأشار رئيس الحكومة الإسرائيلية إلى اقتراح السنيورة نشر قوة كبيرة من الجيش اللبناني في الجنوب فقال أن هذا كان عمليا الهدف الأصلي لقرار مجلس الأمن 1559 الذي ندعو نحن والأسرة الدولية إلى تنفيذه. وقال أن من الضروري دراسة الاقتراح الذي وصفه بأنه مثير للاهتمام وأوضح أنه ينبغي إرفاق القوة اللبنانية بقوة دولية ذات صلاحية لفرض سلطتها. فبقدر ما نتمكن من إخلاء الجيش الإسرائيلي من الجنوب بسرعة أكبر بقدر ما نفرح أكثر.
وأعلن وزير شؤون البيئة جدعون عزرا، العضو في المجلس الوزاري المصغر، أنه يجدر بإسرائيل مواصلة القتال لأن حزب الله منهك وبالإمكان تحطيمه. وأضاف أنه لا يمكن لإسرائيل الاستخفاف ولو برأس صاروخ واحد فما بالكم بالمئات والآلاف. إذ أن صاروخا واحدا في الأسبوع يمكنه أن يدفع الشمال كله نحو الجنون. وإذا توقفنا الآن، فكأننا لم نفعل شيئا.
ورسمت وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني، في خطاب مطول أمام الكنيست، صورة الموقف الإسرائيلي في الحرب الجارية ودعت الأمم المتحدة إلى إلزام لبنان بتنفيذ القرارات الدولية. وقالت أن :الوقت حان من أجل ألا تبقي الأسرة الدولية قراريها 1559 و1680 حبرا على ورق وفي الأدراج. فحزب الله وإيران يفحصان ما إذا كانت الأمم المتحدة تتحدث فقط بلغة القيم أم أنها أيضا تطلب تنفيذ قراريها هذين.
وقالت ليفني أن السنيورة يستغل ضعفه حينما يطالب بتغيير قرار مجلس الأمن بصورة تعزز قوته. وأحيانا عندما توجد زعامة ضعيفة، غير قادرة على تنفيذ القرارات الملزمة لها، فإنها بالتأكيد تتعزز قوتها إن شرعت بتنفيذ هذه القرارات. وأضافت وأنا أيضا رأيت أمس بكاء السنيورة. ولكن هذا هو المكان للقول له أن عليه ان يكفكف دموعه والشروع بالعمل وخلق مستقبل أفضل. وقالت أن المسألة حول كيف سيبدو مستقبل المنطقة مرتبط أولا وقبل كل شيء بالسنيورة وبالقرارات التي سيتخذها، وبالأسرة الدولية، التي ستطالب بتنفيذ قراراتها.
وأشارت إلى أن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله لم يكن حتى في أسوأ كوابيسه يتوقع رد الفعل الإسرائيلي هذا معتبرة أن قواعد اللعب تغيرت.
للمرة الثانية في تاريخ إسرائيل يتم إسقاط جنرال على قيادة جبهة أثناء القتال بسبب خلافات مع قائد هذه الجبهة. فقد قرر رئيس الأركان الجنرال دان حلوتس إرسال نائبه الجنرال موشيه كابلينسكي ممثلا عنه في قيادة الجبهة الشمالية الإسرائيلية. وأثار هذا القرار تقديرات مختلفة بشأن الإطاحة بقائد الجبهة الشمالية الجنرال عودي آدم. وكانت الصحافة الإسرائيلية قد أثارت منذ بدء المعارك البرية قبل حوالي أسبوعين تساؤلات حول مقدار الانسجام بين حلوتس وآدم. وتحدثت الأنباء الإسرائيلية عن قطيعة بين الرجلين بسبب مصادرة صلاحيات القيادة الشمالية وحصرها في هيئة الأركان. ونظرا لأن الجيش أوصى للمرة الأولى قبل يومين بتوسيع نطاق العملية البرية للسيطرة على مواقع إطلاق صواريخ الكاتيوشا، فإن تعيين الجنرال كابلينسكي ممثلا لرئيس الأركان يعني عمليا تنصيبه قائدا للجبهة.
وأشارت وسائل الإعلام إلى أن القطيعة تبدت بشكل واضح قبل يومين عندما وصل أولمرت وبيرتس بصحبة حلوتس وعدد من الجنرالات إلى قيادة الجبهة الشمالية، فلم يتبادل حلوتس وآدم الكلمات وجلس كل منهما في الطرف الأبعد عن الآخر. غير أن ما لم تكثر وسائل الإعلام الإسرائيلية من الحديث عنه هو الخلاف بين آدم وأولمرت.
فقد استقبل آدم زيارة أولمرت لقيادة الجبهة بحديث صحافي مع يديعوت أحرونوت اتهم فيه المستوى السياسي بتقييد الجيش. ورد أولمرت على هذا القول بتأكيده للصحف الإسرائيلية بأن الجيش لم يقدم أية خطة لتوسيع العملية إلا صباح أمس الأول. وألحق أولمرت أقواله هذه بالمصادقة على قرار حلوتس تعيين كابلينسكي ممثلا له في قيادة الجبهة.
تجدر الإشارة إلى أنه في ذروة الخلاف بين الجنرالات في حرب تشرين ,1973 أقدمت حكومة غولدا مئير على تعيين مندوب سام في قيادة الجبهة الجنوبية التي كان يرأسها الجنرال شموئيل غونين. واعتبر هذا التعيين في حينه نوعا من سحب الثقة أثناء الحرب بالقائد المسؤول عن الجبهة.
وفيما قال آدم أنه لن يمر مرور الكرام عن هذا التعيين، فإنه شدد على أن هذا وقت حرب وهو لا يريد إثارة إشكالات. وقال آدم أن قرار رئيس الأركان مشروع برغم أنه إشكالي. غير أن المؤيدين لتعيين كابلينسكي يقولون عنه أنه السيد لبنان الوحيد في هيئة الأركان. فقد خدم طويلا في لبنان وقاد كلا من فرقة الجليل والجبهة الشمالية على حد سواء، وأن القوات الإسرائيلية بين يديه أكثر قدرة على التعامل مع الوضع اللبناني بتعقيداته الجمة. ويشدد هؤلاء أيضا على أن تعيين كابلينسكي جاء أيضا بسبب تعقيدات المعركة وحجم القوات المشاركة فيها. وأشار معلقون إلى أنه إذا كان كابلينسكي مجرد مستشار فإن القرار جيد أما إذا كان قائدا أعلى فإن الجبهة الشمالية باتت برأسين وهذه وصفة سحرية لحرب جنرالات لن تنتهي أبدا.
حلمي موسى
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد