سمر بلبل وعصام شريفي مساحات من الفن الأصيل
الجمل - نضال قوشحة: مجددا يثبت الفن النبيل أنه الأبقى وأنه الأقدر على حمل هويتنا الشرقية الفنية ، وما سمعه جمهور حفل دار الأوبرمساء الأربعاء الفائت لخير دليل على أن طاقات الشباب في سورية ما تزال تحمل بكثير من الوعي والإصرار والأهم التحدي أملا بأن تصنع موسيقى شابة ومعاصرة تحاكي أصالة الماضي ونوعية الموسيقى الشرقية والعربية التي ننتمي إليها .
ثنائي صوت الشرق هو الشكل الفني الذي يظهر من خلاله المبدعان عصام شريفي وسمر بلبل , هذا الشكل البسيط والمعقد بآن يمثل حاملا حضاريا سوريا لعديد من الأفكار الموسيقية والشعرية ذات المضامين المتفردة والتي يهدف هذا الثنائي لتحقيقها محليا وعالميا .
سمر بلبل فنانة نشأت في بيت يمثل صاحبه أحد دعائم الفن المسرحي في سورية عموما وحمص خصوصا هو الاستاذ فرحان بلبل ، الذي حرص على تربية أبنائه فنيا ، فكانا إثنين ، سمر في الغناء ونوار في المسرح والتمثيل عموما ، درست سمر الموسيقى داخل سورية وخارجها ، ارتحلت بعد زواجها من الفنان عصام شريفي إلى أوروبة ، وشكلا معا هذا الثنائي الفني ، أما عصام شريفي فهو طبيب جراح ، لكن ميوله الموسيقة كانت أقوى وأكبر من أن تهمش من خلال تخصصه في الطب ، فدرس الموسيقى الغربية أولا ثم درس العزف على آلة العود وتمسك بعنف بالموسيقى الكلاسيكية العربية ، وصار مع سمر صاحبا مشروع متخصص في نشر وتفعيل حضور الموسيقى العربية الأصيلة .
ربما يعتقد أحد ، أن زمن الموسيقى والغناء العربيين الكلاسيكي قد مضى ، فألوان كالقصيدة والدور والمونولوج والموشح ، قد انتهى عهدها ، بوفاة مبدعيها الكبار ، في سورية والعالم العربي , مثل زكريا أحمد ومحمد القصبجي ورياض السنباطي وعمر البطش وبكري الكردي وآخرون ، لكن تجارب كتجربة سمر وعصام ، تحي الأمل بأن هذا النمط الموسيقي والغنائي لن يموت .
في برنامج الحفل قدم الثنائي قصيدة أولى ، كانت هدية منهما كما قال الشريفي إلى القدس عاصمة الثقافة العربية ، كانت بعنوان ياشام وهي من شعر قامة أدبية هائلة ، هي الشاعر نزار قباني ، كذلك قدم الثنائي قصيدة ثانية لنزار قباني في اللون العاطفي بعنوان أتحبني ، ثم انتقل الغناء إلى اللهجة العامية والمصرية تحديدا ، فقدما اغنية نادرة للسيدة أم كلثوم اسمها \ كل الأحبة اثنين \ من تلحين زكريا أحمد ، ثم قدمت قصيدة لشاعر من حمص اسمه ياسر محمود الأقرع بعنوان تجنب ثورتي .
وفي مزاوجة فنية رائعة ، بين الموسيقى الشرقية والغربية قدمت مختارات من مؤلفات الموسيقي الإيطالي مونتيفيدري ، ومن بعده قصيدة للشاعر الأقرع مجددا اسمها إني لأشعر بالهوى .
في الحفل قدم الثنائي أيضا وصلة من كلثوميات السنباطي ، التي جاءت في صدر البرنامج ثم ختمت سمر بقصيدة كيف أصحو شعر هنري بيطار . وخلال الحفل قدم الفنان شريفي وعلى مرتين تنويعات من التقاسيم على آلة العود التي تجاوب الجمهور معها بشكل كبيرفصفق له مرارا.
بدأت سمر غنائها بكثير من الهدوء المريب الذي يصل إلى حد البرود الذي أشيع داخل القاعة , ربما بسبب وجود فاصل زمني بعيد عن آخر ظهور لها على الجمهور السوري . لكن هذا الهدوء سرعان ما تلاشى ، وأصبحت حرارة العرض أكبر مع تقدم الزمن .
في أغنية كل الأحبة اثنين ، أثبتت سمر أنها مغنية من طراز رفيع وهي تغني بإتقان لحنا وضعه شيخ طريقة التلحين الشرقي الأصيل زكريا أحمد .
في القسم الثاني من الحفل تابعت سمر تألقها ، وراحت تسموبحالة من الحس الفني العالي ، وتفاعل الجمهور معها بشكل كبير ، وبلغ هذا حده الأقصى في غنائها للمقاطع السنباطية ، التي تجلت فيها سمرفتمايل الجمهور طربا وهو يسمع لغنائها الأصيل والمتمكن في مشاهير سنباطية كلثومية مثل هجرتك جددت حبك ليه وأغان أخرى .
كذلك كان حضور سمر طاغيا في أغنيتها الأخيرة كيف أصحو ، التي وضع لها الشريفي لحنا كلاسيكيا شكلا ، لكنه يحتوي على إضافات تتقاطع مع الموسيقى الغربية ، خاصة في خاتمتها .
سمر وعصام وكذلك الموسيقي إيميل عبود ، قدموا لنا وعلى مدار وقت الحفل ، جوا آسرا جميلا ، عاد بنا إلى ذكريات الفن النبيل ، وما هو أهم من ذلك أنه يكرس تجربة شابة تحاكي الموسيقى الأصيلة وتعمل على تفعيل وجودها في عصر بات فيه الفن النبيل محاربا بعنف .
إضافة تعليق جديد