ضحية أخرى تنتظر دورها على مذبح الشرف
جلسوا كلهم يثرثرون وعلى غير عادتهم فإن ثرثرتهم هذه المرة أثمرت!! نعم أثمرت اتفاقاً تفوح منه رائحة الدم!! كيف ينحرون فاطمة؟ ومتى ينحرونها؟ كلهم باتوا اللحظة طلاب شرف مهدور على يد ابنة السادسة عشرة، كلهم خلعوا عيوبهم وأخطائهم ونصبوا أنفسهم قضاة أشراف منزهين عن الخطأ. لم يتعالى أي صوت حتى الصوت الذي كان يعلو في مناسبات الصلح الكثيرة التي تحدث على خلفية مشكلة هنا وهناك وأعني بشكل خاص الشيخ إبراهيم أبو جمال الذي رفع صوته الغليظ وبصم على قرار النحر غسلا للعار ووافقه أذياله " فاطمة تستحق القتل!!
حين السؤال عن ردة فعل الشيخ ملا إبراهيم المكنى أبو جمال فوجئ الكثيرون بازدواجيته وهم الذين اعتادوا حكمته وموضوعيته قبل أن ينسف تاريخه المشرف في قضية فاطمة، حينما أشهر سيفه دونما احتكام لشرع الله أو خوف من قانون وقال لهم "إن خطيئتها عار لنا كل الدهر, فاطمة أهانت جماعتنا التي أنتمي وتنتمي إليها وهي تستحق القتل".
أي منطق أعوج كان الشيخ الجاهل يفكر فيه لحظتها؟ فهل يعطي هذا الخطأ الذي ارتكبته فاطمة الحق لهذا الشيخ أو غيره بنحر فاطمة هذه الصبية التي لم تكمل عامها السادس عشر والتي غرر بها شاب أدعى بحبه لها عبر الهاتف وعبر ملاحقته لها وهي تخرج من المدرسة, فاطمة التي وجدت نفسها بين أحضانه ذهبت خلفه في ساعة غفلة ولحظة عقل نائم فوقعوا في المحظور. محظور نتج عنه حمل غير شرعي وعقوبته قطعا " النحر" لها ولطفلها الذي لا ذنب له سوى أن القدر اختار له هذا الأب البائس.
ذات نهار وقعت فاطمة مغشياً عليها, فاطمة التي عاشت في كنف أسرة مفككة, عاشت صراعات أسرتها مع الفقر وغياب الأب لأشهر وأشهر عن البيت بينما الأم مشغولة بتربية مواشيها ومتابعة أمور إخوانها العشرة انتقمت فاطمة من أهلها الذين لم يمنحوها الحنان تصورت أن هذا الشاب سيبني لها حبها أبدياً وعشاً دافئاً فصدقت رواياته المغلفة بقصص حب وهمية, سلمت نفسها له حيث وعدها كاذبا أنه سيتزوجها, فقدت عذريتها, ولكنها واست نفسها حين أوهمها تلك اللحظة السوداء "وعد شرف راح أتزوجك" ومع افتضاح أمره الآن لا أثر له ولا ظل، وفاطمة تواجه القدر المحتوم النحر بدافع الشرف, بعد أشهر قليلة تشعر فاطمة أنها حامل, لم تخبر أحدا سوى والدة حبيبها خوفا من العار والفضيحة توسلت أن يتزوجها إبراهيم ليتستر عليها سيما وأن هكذا خطيئة في بيئاتنا المحافظة هو حكما القتل، نهرتها أم إبراهيم قالت لها: "أنت بنت شارع وراح تبتلينا بفضيحتك" لم يشفع لدى الأم دموع هذه الضحية الصغيرة مع أنها تحمل في بطنها طفلاً من ابنها إبراهيم. حاولت أن تتدارك الموضوع وهي الضحية الصغيرة التي تحمل أوجاعا تفوق قامتها وطاقتها المحدودة والمحدودة جداً, تتوسل مرة مرتين أربع عبثا ما تصرخ به فأم إبراهيم مصممة أن لا تستمع لنداءاتها, تستسلم فاطمة لقدرها ومصيرها المجهول القادم ولم تعرف كيف تتخلص من حملها ولم تعرف تبعات أن تبقي على حملها أيضاً.
حكما تعي فاطمة أن ما فعلته لا يقبله شرع ولا قانون هي أخطأت وتعرف أنها ستدفع الثمن, صمتت إلى حين أنهت شهورها التسع من الحمل وكل تلك الفترة لم يلحظ عليها أحد أنها حامل بناء على أقوال والدتها التي تواجه مصيراً أسوأ من مصير ابنتها المراهقة, فجأة صبيحة يوم الولادة تفقد وعيها ماذا تفعل الأم؟ ابنتها مغشي عليها لا أحد في البيت, من سيأخذها للطبيب؟ حاول شقيقها الأصغر منها أن يأخذها إلى المدينة أستأجر سيارة صغيرة, نقل أخته التي كانت تصرخ بآلام طلقات الولادة ومن شدة ألمها كانت تفقد وعيها أحيانا وتنزف كثيرا وهو لا يفهم ما الذي يدور حوله, في اللحظة التي استعادة وعيها طلبت من شقيقها أن تأخذه لبيت أختها المتزوجة في المدينة وصلوا لبيت أختهم معاً, فاطمة صارحت أختها بوضعها التي صرخت في وجهها ونعتتها بما هو قبيح من الصفات, طلبت فاطمة من أخيها أن تأخذه لبيت إبراهيم وفعلها الأخ الصغير الذي سمع الرواية ولكنه كان ناضجاً أكثر من كبار آخرين لا يعقلون من حياتهم شيئاً وربما لو كان أحد غيره لقام بقتلها في تلك اللحظة, وصلت لبيت أم إبراهيم التي كانت غائبة عن بيتها أثناء وصول فاطمة, كانت زوجة ابنها البكر في البيت دخلت فاطمة وهي في حالة حرجة ورفضت إحدى الطبيبات الحضور و الإشراف على ولادتها خوفا من أي عواقب قد يفعلها ذوي فاطمة بحق الطبيبة, لتضع الطفلة طفلها عندهم وتأتي أم إبراهيم وترى بعينيها ما كانت تتهرب منه وتصرخ في وجه فاطمة التي كانت تتألم من كل شيء, وتدخل بعض المصلحين وقاموا بأخذ الفتاة إلى بيت أحد رجال الدين المعروفين في المنطقة وبصرخات أم إبراهيم في وجه فاطمة شاعت قصتهم في المدينة, ويهرب إبراهيم الذي يتنكر لأبوته من طفل فاطمة ويتهمها بشرفها أنها عاشرت قبله الكثيرين, وأما ذوي فاطمة فأقاموا فرمانا لكل عائلة إبراهيم يطالبونهم بقتل ابنهم إبراهيم وهم سيقتلون ابنتهم حالما يتسلمونها من بيت الشيخ الذي رفض تسليمها لأهلها, يتوارى إبراهيم عن الأنظار ويهدد إخوة فاطمة بقتل كل إخوة إبراهيم في حال عدم قتلهم لأبنهم الذي الحق بهم العار الأبدي, الكل حاليا لا أثر لهم في بيوتهم خوفا من لحظة غدر قد تطاولهم في قضية لا ناقة لهم فيها ولا جمل ويحملون والدتهم التي لم تخبرهم القصة في بداياتها فلربما تداركوا الفضيحة التي تنصل منها إبراهيم ووالدته, أما أم فاطمة فقد رمى عليها زوجها الطلقات الثلاث محملا إياها أسباب خطيئة فاطمة وتسترها على فضيحتها, الرواية لم تنته, فاطمة الآن عند طرف ثالث لا أحد يستدل مكانها خوفا من أن يقتلها ذويها وكذلك إبراهيم وعائلته لا أثر لهم متنصلين من فضيحتهم تاركين هذه الضحية تنتظر دورها على مذبح جرائم الشرف الذي تعدى كل الخطوط المحرمة شرعا وقانونا وحتى عرفاً.
لافا خالد
المصدر: الثرى
إضافة تعليق جديد