صراع الدولار الأمريكي واليوان الصيني إلى أين
الجمل: تُعتبر العوامل الاقتصادية بمثابة المحفزات الرئيسية للصراعات السياسية والعسكرية، وينطبق هذا الأمر بقدرٍ كبيرٍ وواضح على ما يدور حالياً من وقائع وتطورات جارية على خط دبلوماسية واشنطن – بكين، فهل يا تُرى سوف تنجح جولة أوباما الآسيوية الحالية في تنفيس الضغط أم سوف تفشل ويمضي قطار التصعيدات باتجاه المزيد من الضغوط والتوترات؟
مفهوم استراتيجية حافة الهاوية بدأ يظهر أكثر فأكثر خلال بدايات مرحلة الحرب الباردة المرتفعة الشدّة، فأمريكا تملك القوة النووية الكافية لدمار الاتحاد السوڤييتي، والذي بدوره يملك القوة النووية الكافية لدمار الولايات المتحدة، وقد أدى ذلك بدوره إلى نشوء مفهوم الدمار الشامل المتبدل المؤكَّد.
تماماً مثلما يحدث عندما يتصارع طرفان، يسعى كل واحد منهما إلى رمي الطرف الآخر في الهاوية، ويكون في نفس الوقت كل واحد من الطرفين يمسك بالآخر، بحيث تكون النتيجة أن وقوع أي طرف سوف يترتب عليه بالضرورة وقوع الطرف الآخر، وفقاً لقاعدة إما أن نقع في الهاوية معاًن أو يعمل كل طرف على عدم جعل الآخر يقع في الهاوية، بحيث يضمن كل واحد من الطرفين النجاة!!!
وتأسيساً على ذلك، وبالإسقاط على صراع واشنطن – بكين نشير إلى الآتي:
• خلال فترة الحرب الباردة المنخفضة الشدّة، وتحديداً بعد زيارة الرئيس الأمريكي نيكسون إلى بكين، فقد بدأت الصين عملية الانفتاح الاقتصادي، وبالمقابل بدأت واشنطن الدخول في معاملات تجارية بحجمٍ كبير مع الصين، لجهة استخدامها كعنصر ضغط وتطويق ضد الاتحاد السوڤييتي.
• تطورت العلاقات التجارية والاقتصادية الصينية – الأمريكية، بحيث: من جهة أصبح الاقتصاد الأمريكي يعتمد بشكلٍ أساسي على السلع الصينية الرخيصة الثمن، ومن الجهة الأخرى، أصبحت الصين تعتمد على السوق الأمريكي كمجالٍ لتصريف منتجاتها بما يوفر الإعالة والدخل لمليار مواطن صيني.
استمرت وتائر العلاقات التجارية – الاقتصادية بشكلٍ متزايد بين أمريكا والصين، وبسبب انخفاض السلع الصينية، فقد ظلّت السوق الأمريكية أكثر استيعاباًَ للسلع الصينية المتدفقة بكثافة، وبسبب انخفاض القدرات الشرائية الصينية، فقد ظلّت السوق الصينية غير قادرةً على استيعاب السلع الأمريكية الباهظة الثمن، وقد أدى ذلك بدوره إلى اختلال الميزان التجاري لصالح الصين، بحيث:
- صادرات صينية متزايدة لأمريكا، وفي نفس الوقت لا يقابلها واردات صينية من أمريكا.
- واردات أمريكية متزايدة من الصين، وفي نفس الوقت لا تقابلها صادرات أمريكية إلى الصين.
وحتى لا يحدث اضطراب في الاقتصاد الأمريكي يدفع واشنطن إلى التخلي عن واردات السلع الصينية، فقد لجأت بكين إلى جعل الأرصدة النقدية الصينية مودَعَةً داخل البنوك الأمريكية، وبالمقابل سكت الأمريكيون طالما أن أمريكا تشتري السلع الصينية، وفي نفس الوقت، تبقى قيمة هذه السلع داخل الاقتصاد الأمريكي، طالما أنها سوف تظل كأرصدة في البنوك الأمريكية.
بمرور الزمن، ومع استمرار ميل الميزان التجاري لصالح الصين، ومع استمرار تحقيق الصين لفائض يبلغ في المتوسط حوالي 200 مليار دولار سنوياً، فقد تراكمت الأرصدة الصينية داخل البنوك الأمريكية بما يصل إلى حوالي 2 تريليون دولار(التريليون يعادل 1000 مليار) أي حوالي 2000 مليار دولار، وهو مبلغ يعادل حوالي 15 % من حجم الناتج المحلي الإجمالي السنوي للاقتصاد الأمريكي.
وتأسيساً على ذلك، فقد أصبحت واشنطن غير قادرة على الاستغناء عن السلع الصينية الرخيصة الثمن، وأي محاولة للاستغناء عن السلع الصينية هذه، سوف يشكلها كارثة اقتصادية كبيرة داخل أمريكا، وفي نفس الوقت أصبحت الصين غير قادرة على سحب أرصدتها من البنوك الأمريكية، لأن ذلك سوف يؤدي إلى صدام مع أمريكا أولاً، و ثانياً سوف يؤدي إلى تراكم السلع الصينية، لأن عدم البيع لأمريكا معناه أن حوالي 40 % من المصانع الصينية سوف تتوقف عن العمل، مما يؤدي إلى تشريد 40 % من العمالة الصينية على الأقل.
وبكلماتٍ أخرى، لقد وقعت واشنطن في شرك المصيدة الصينية، وفي نفس الوقت، وقعت بكين في شباك المصيدة الأمريكية.. وعلى هذه الخلفية، تجيء زيارة أوباما للصين وبلدان شرق آسيا. وحتى الآن، ما تزال النتيجة غير معروفة، فالصين وضعت اللحم في بيت الضبع الأمريكي الجائع، أما أمريكا، فقد تجاهلت تمدد سرطان السلع الصينية الرخيصة، والذي تمكن من التغلغل والسيطرة على جسد الاقتصاد الأمريكي!!!
* خارطة طريق صراع الدولار الأمريكي – اليوان الصيني: إلى أين؟
تقول المعلومات والتسريبات بأن واشنطن تسعى من أجل التغلب على أزمة خط واشنطن – بكين، عن طريق استخدام الوسائل الاقتصادية، والتي تتيح للضبع الأمريكي الجائع التهام اللحم الصيني المودع لديه، وذلك عن طريق الآتي:
• زيادة الصادرات الأمريكية إلى الصين:
• تكثيف استخدام أساليب البنك الدولي (برامج إعادة الهيكلية الاقتصادية) وصندوق النقد الدولي (برنامج التثبيت الاقتصادي)، ومنظمة التجارة العالمية (برنامج تحرير التجارة) لجهة القيام باحتواء القدرات الاقتصادية الصينية، بما يجعل من الاقتصاد الصيني تابعاً للاقتصاد الرأسمالي العالمي الذي ترعاه وتقوده أمريكا.
هذا، ولتطبيق ذلك، فإن تحركات واشنطن الجارية حالياً تسعى باتجاه الضغط على بكين لجهة القبول بتطبيق النقاط الآتية:
- تقويم سعر اليوان الصيني، أو على الأقل رفع قيمة اليوان الصيني مقابل الدولار، بحيث يصبح المواطن الصيني قادراً على شراء السلع الأمريكية، بما يؤدي على خلق فرصة للسلع الأمريكية داخل السوق الصينية، وفي نفس الوقت، يؤدي إلى رفع قيمة السلع الصينية في السوق الأمريكية، بما يترتب عليه تقليل معدلات شراء الأمريكيين للسلع الصينية.
- إعادة ضبط إدارة الاقتصاد الكلّي الإقليمي في المنطقة الآسيوية، بحيث، يتم القضاء على المزايا النسبية التي يتمتع بها الاقتصاد الصيني، وذلك بما يتيح لأمريكا احتواء الاقتصاد الصيني ضمن منظومة الاقتصاديات الآسيوية العالية التبعية للاقتصاد الأمريكي.
- تكثيف استخدام الآليات النوعية الاقتصادية العالمية والإقليمية، بما يجعل الاقتصاد الصيني، يحصل على مدخلات الإنتاج بأعلى ثمنٍ ممكن، بما يؤدي إلى جعل الصناعة والزراعة الصينية تواجهان ضغوط ارتفاع التكاليف.
- تكثيف استخدام تحويل التجارة، بحيث تلجأ واشنطن إلى منافسة بكين في مناطق إمدادات المواد الخام، وبكلماتٍ أخرى، سوف تسعى أمريكا وحلفاءها إلى احتكار الخامات المعدنية والزراعية، بما يتيح لأمريكا وحلفاءها احتكار الخامات المعدنية والزراعية، وتجفيف الأسواق منها، ثم إعادة بيعها إلى الصين لاحقاً بأسعارٍ مضاعفة.
- زيادة أسعار الطاقة، بحيث يتم رفع سعر النفط، وطالما أن الصين لا تملك موارد نفطية وطنية، فإن ارتفاع أسعار النفط سوف يجعل الاقتصاد الصيني يعاني من ضغوط ارتفاع التكاليف.
تقول المعلومات والتسريبات، بأن واشنطن سوف تسعى لعقد المزيد من الصفقات الثنائية والمتعددة الأطراف، مع دول شرق آسيا، وأيضاً دول جنوب شرقي آسيا، وذلك بما يؤدي إلى زيادة الصادرات الأمريكية إلى أسواق هذه المناطق، وفي نفس الوقت يُقلل من الصادرات الصينية لهذه الأسواق، وحددت المعلومات والتسريبات، بأن الصفقات الثنائية سوف تتم بين واشنطن وحلفاءها الرئيسيين في هذه المناطق، كلٌّ على حدة، فهناك صفقة أمريكية – كورية جنوبية، وصفقة أمريكية – فلبينية، وصفقة أمريكية – أسترالية، وما شابه ذلك. أما الصفقات المتعددة الأطراف، فسوف تكون حصراً بين أمريكا وتكتل منظمة دول الآسيان، وصفقة بين أمريكا وتكتل منظمة دول آسيا – الباسيفيك (الأبيك).
الفرضية الأساسية التي سوف تتمحور حولها الصفقات الأمريكية – الآسيوية، تتمثل في منظور واشنطن القائل بأنه يتوجب على بكين اعتماد التوجهات الاقتصادية التي تنسجم مع مصالح شركاءها الآسيويين، وبالتالي، فإن قيام بكين بإعادة تقويم سعر اليوان الصيني، إما بإعلان رفع سعر اليوان الصيني مقابل العملات الأخرى، أو تقويم سعر اليوان الصيني، هو السبيل الوحيد الذي يؤدي إلى توازن المصالح الاقتصادية والتجارية بين بكين وشركائها. وبكلماتٍ أخرى، تسعى واشنطن حالياً إلى بناء تحالفٍ اقتصادي آسيوي واسع النطاق ضد الاقتصاد الصيني، فهل يا تُرى سترتفع قيمة اليوان الصيني أمام الدولار بحيث يفلت الاقتصاد الصيني من سرطان السلع الصينية، بما يتيح للذئب الأمريكي الجائع التهام اللحم الصيني المودع لديه، بما قيمته 2 تريليون دولار، أم أن بكين تحافظ على قيمة اليوان بما يتيح للسرطان تهديد المزيد من خلاياه والنفاذ إلى عظم الجسد الأمريكي
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد