ريما الرحباني:خسرواحربهم على عاصي وظاهرة«الأخوين»لا يُـمس بها
أنجزت المخرجة ريما الرحباني فيلماً وثائقياً بعنوان «كانت حكاية» في مناسبة الذكرى الثالثة والعشرين لرحيل الفنان الكبير عاصي الرحباني. لكن الفيلم لا يمكن حصره بالذكرى فقط، فهو مرجع وثائقي وفني يلقي ضوءاً ساطعاً على عاصي الموسيقي والشاعر والكاتب المسرحي من خلال لقطات من حوار قديم أجري معه وعبر إطلالة فريدة ونادرة وجديدة للمطربة فيروز تتحدث فيها عن عاصي، إضافة الى أغنيات ولقطات مسرحية محفورة في الذاكرة. تتحدث ريما الرحباني هنا عن الفيلم الذي أنجزته وتتطرق الى الحملة التي أقيمت ضد عاصي وغايتها التعتيم عليه وإغفال حضوره الساطع.
> من أين جاءتك فكرة هذا الفيلم الوثائقي الذي يجمع بين عاصي وفيروز في حوار متعدد، وكأنهما فعلاً يتحاوران فيكمل كلام عاصي كلام فيروز، وكلام فيروز كلام عاصي وكذلك الأغاني والألحان؟
- الفكرة طرحت للحال. كنت في الأساس أشعر بضرورة أن أنجز فيلماً وثائقياً في ذكرى عاصي الرحباني، وكان ثمة تقصير كبير مني تجاه هذا الرجل، إذ كان عليّ من زمان أن أعمل هذا الوثائقي... وسبق أنني أنجزت وثائقياً قصيراً في الذكرى التاسعة عشرة لرحيله بعنوان «تحية زغيرة منك إلك». لكن المواد المتاحة قليلة جداً. كنت أشعر أن من اللازم أن أضيف على الوثائقي السابق وأن أوسعه. وكانت عندي قناعة أن فيروز يجب أن تحكي شيئاً، أي شيء، أي كلمة... ولأنني أعرفها جيداً وأعرف أن هذا الأمر مستحيل، كنت أفكر لو أنها تقول جملة، فالمهم أن تظهر في هذا الوثائقي. وما كان بمقدوري أن أجهز الفيلم قبل أن يكون عندي كل العناصر، فلما وُجِدتْ ووافقت فيروز، ولما صار عندي كل المواد وعرفت ماذا أريد أن أضع مما قالته، وماذا عليّ أن أضع من حديث عاصي، حينذاك تكونت الفكرة وفرضت نفسها.
> عنوان الفيلم يطرح بحد ذاته قضية مهمة هي قضية الحكاية التي كانت وستكون دوماً. والحكاية كما نعلم عنصر أساسي في العالم الرحباني الفيروزي. كيف فهمت هذه الحكاية، وكيف سعيت الى تجسيدها؟
- الأغاني التي يضمها الفيلم لم تأت صدفة، فهي تحكي الحكاية، هي الراوي وهي التي تجسد الفكرة. وليس من أغنية وضعت لمجرد أنها موجودة أو متوافرة أو أن الحكي طال فلنضع أغنية. الأغنية يجب أن يكون لها مطرح ومعنى يخدم الفكرة. فيروز وعاصي حكيا الحكاية، حكايتهما، والأغنية أكملت ما لم يقولاه وجسدت الحكاية. وليس من شك في أن بين عاصي وفيروز كان هناك سر كبير وتكامل وتواصل، والأغنية هي عنصر الجمع بين هذين الإنسانين أو العنصر الذي يكمّلهما، وهي أيضاً ثمرة لقاء هذين الشخصين. الأغنية هي هما، فيروز وعاصي. هذه الحكاية التي هي عاصي وفيروز لا أعتقد أنها تفهم فقط، بل هي تحسّ.
> هذا الفيلم هو أجمل تحية يمكن أن تؤدى الى الفنان الكبير عاصي من خلال فيروز وريما، وقد كنت فيه مخرجة حقيقية سواء في نسج المادة الصورية والمشاهد واللقطات الحوارية أم في صوغ بنية لهذا الفيلم الوثائقي، أم في لعبة المونتاج المتقنة. كيف حققت إخراجياً هذا الفيلم؟
- كل العناصر التي ذكرتها تشكل برأيي كلاً واحداً، هي وسيلة التعبير ولا تتجزأ. وفي نظري المونتاج هو في الختام أهم مرحلة في الإخراج لأنه يجسد الإحساس بإيقاع الفيلم: متى تقص اللقطة، وكيف تنتقل من لقطة الى لقطة، وكيف تجمع مختلف أجزاء الفيلم. ومثلما سبق أن قلت في البداية، جمعت كل المواد التي أريد أن أستعملها، إضافة الى حديث فيروز، جمعتها كلها أو هي جمعت نفسها في معنى أصح، ورسمت لي مسار الفيلم. الأمر إذاً إحساس بالأشياء أكثر مما هو تخطيط. وأكيد، البساطة تعني ترك الأشياء على طبيعتها من دون فذلكة أو مؤثرات أو صرعات. أنجزت الفيلم بعد تحضير المادة خلال 10 أيام فقط، ومن ضمنها تصوير حديث فيروز. والمهم ذكر أن فيروز لم تشاهد المقابلة القديمة مع عاصي قبل أن تحكي أمام الكاميرا، وأنا لم أحضر لها الموضوع أو قلت لها ماذا عليها أن تحكي، واسترسالها جاء تلقائياً. وهذا يعني أن التكامل بينهما كان حقيقياً حتى أنه تم وحده.
> هل حصلت على المادة الوثائقية بسهولة، أم تطلبت منك جهداً؟
- أكيد لا شيء يحصل بسهولة. الحديث المأخوذ منه كلام عاصي وقع تحت يدي بالصدفة قبل فترة، وهو على شريط «في أتش أس»، حالته لا توصف بل هي مزرية. إنهما حواران أجرتهما محطات تلفزيونية عربية ليس عندي تفاصيل عنها، ولكن أعرف أن واحداً منهما في مطلع السبعينات والثاني في نهاية الستينات. وطبعاً، لا لزوم للقول كم هو مؤسف زوال الأرشيف الرحباني الذي صار شبه ممحوّ أو في وضع لا يسمح بقراءته على الماكينات. الأغاني صارت أبيض وأبيض وليس أبيض وأسود. وأنا في فترة من الفترات حاولت بكل الطرق أن أحصل على نسخة من هذا الأرشيف لحفظها في أرشيفي الخاص. وبعد قضاء وقت طويل حصلت على جزء بسيط جداً لا يمكن الكلام عنه نسبة الى ما هو موجود في أرشيف تلفزيون لبنان وكله في حالة يرثى لها. ولم يكن من تعاون أبداً أبداً. وصدفة مثلاً تُفاجأ بوجود جزء كبير من الأرشيف لدى «روتانا»، ولا تعرف كيف وصلها، ولا بأية طريقة ولا بأية وسيلة. كيف حصل هذا؟ لا أعلم. مع أنّ هذا الأرشيف أعطي حينذاك الى تلفزيون لبنان حتى يُعرض على شاشته هو وحده. وتلفزيون لبنان لا يملك حقوق هذا الأرشيف حتى يبيعه الى روتانا أو يصدر منه اسطوانة «دي في دي» ويوزّعها في السوق أو يتصرف فيه. وفي الوقت نفسه يحرم أصحاب الحقوق من الحصول على نسخة. ونحن نملك الحق ولا ننتظر من تلفزيون لبنان أن يعترف لنا بهذا الحق. وعلى رغم كل المحاولات، وقد عرضنا أن نأخذ نحن هذا الأرشيف فننظفه وننسخه على عاتقنا الخاص فقط للحفاظ عليه ولإنقاذ كل هذه المادة المهمة من الزوال. وكان الجواب دوماً هو الرفض! لماذا؟ الله يعلم. هل هي صدفة؟ أم هناك شيء أبعد من ذلك؟ لا أعرف!
> هل حاولت أن تدخلي زياد في الفيلم، أم إنك أردت حصر هذا الفيلم بين عاصي وفيروز؟
- لا لم أحاول ولم أفكر في إدخال زياد. أولاً ما كان هناك وقت للتفكير. ثم لأن فكرة هذا الفيلم الذي أنجزته وجدت وركبت ونفذت خلال 10 أيام فقط. وأنا عملت كل شيء وحدي في مختبري الخاص، لأنني كنت محكومة بمهلة زمنية محددة لإنهاء العمل، وهي أن أكون جاهزة في 21 حزيران (يونيو) الماضي. رحت أشتغل في شكل متواصل، ولم يكن عندي وقت للتفكير. أنجزت الفيلم نهار البث، ونسخته بنفسي للبث، وحرصت على أن يُعرض من دون أن يراه أحد أو يعرف أحد محتواه مسبقاً. فأصحاب المحطات التي عرض عليها الفيلم فوجئوا مثلهم مثـل المـشاهـدين بوجود شهادة لفيروز. كـنت أريد أولاً أن يظل عنصر المفاجأة ولم أكن أريد أن يُعلن أن الفيلم يضم شهادة لفيروز. وفي نظري وجود فـيـروز هــو الأهـم لأن ثـنــائـيـة هـذيـن الشخـصين، فـيروز وعـاصي، هـي الـحـكاية، وبالتالي ما كان من لزوم كي أفتش عن عنـصر آخر إضافي. كل شيء كان سيكون دخيلاً على الإطار الذي رسم فيه الفيلم.
> تبدو فيروز كعادتها خفرة أمام الكاميرا ومقلة في الكلام، ولكن ما قالته يختصر كثيراً من الكلام، خصوصاً لحظات الصمت البديع التي بدت مملوءة بالإحساس العميق والحنين. كيف كان عملك مع فيروز أمام الكاميرا؟
- مضنياً جداً... فيروز إنسانة منتظمة جداً ومواظبة الى درجة تفوق التصور ومثابرة وتعمل كثيراً. على المسرح تفاجئ الآخرين بانتظامها وحضورها المتواصل، وهي تحب سماع الملاحظات كي تحسن أداءها، كما أنها تتمرن بلا كلل ولا ملل. وأول من يصل خلال التمارين وآخر من يغادر. وهي ترفض أن تنجز أي عمل بسرعة أو «من قريبو» كما يقال بالعامية، لأن التمرين في نظرها يكون أشبه بعرض أمام الجمهور، وهي تعمل بالانفعال نفسه والإحساس نفسه والعطاء. إنها الوحيدة التي يكون مستوى نبرتها وانفعالها هو نفسه على الميكروفون في التمرين وخلال العرض.
أما علاقتها بالكاميرا فشيء آخر تماماً. إنها تكره الكاميرا لدرجة لا توصف، وتكره الأحاديث لدرجة لا توصف. جُمع هذان العنصران بعضهما مع بعض، أي حديث وتصوير، إضافة إلى أن الموضوع الذي ستتحدث فيه هو بحد ذاته كبير ودقيق ويحمل أحاسيس عميقة. كان إقناعها صعباً جداً ومستحيلاً. ولم أكن أستطيع أن أنفذ شيئاً قبل أن تحكي، ولا أقدر أن أقول لها أن تحكي بحسب ما أريد أنا أو الفيلم. كان الأمر صعباً. ذات نهار وكان بقي 10 أيام لتاريخ الذكرى، أبلغتها أنني سأصوّر معها «خلص... شو ما طلع». وقلت لها: «إذا لم ترضي لا نأخذ بالشريط». لم ترد عليّ. وضعت الكاميرا، وجهزت الإضاءة والميكروفون وكل ما يلزم... وحوّلت الصالون الى استوديو ممكن. عملت وحدي وبصمت، ثم وضعتها أمام الأمر الواقع! وبدأنا التصوير. صارت تحكي... أنا تفاجأت وأعتقد أنها هي تفاجأت أيضاً، وصرت أريد أن أسألها أسئلة ولم أعد أجد أسئلة، وأردت في الوقت نفسه أن أنتبه على الكادر وعلى الصوت وعلى الضوء وعليها هي في الكادر وعلى تواصل الحكي، وأن آخذ منها كلاماً قدر ما أمكنني. وكانت المسؤولية كبيرة، فإذا حصل خلل تقني فلن أسامح نفسي. ثم ليس في إمكاني أن أقول لها: «أعيدي هذه الجملة لأن الصوت خافت أو لأن الكاميرا اهتزّت». وهي كانت جيدة تماماً، وعندما تدخل في الحالة لا يبقى مجال كي أقول لها: «ستوب، أو إنني أريد أن أغيّر الشريط...». والحمد لله كان عندي مجموعة شرائط كافية، وإلا كانت كارثة. فأنا في الوقت نفسه كنت واعية أن هذه الفرصة لن تتكرر، بل حتى أنا واثقة أن أهمية ما قالته، بحقيقته وعفويته وصدقه، يستحيل تكراره أو إعادته... ثم واصلنا التصوير، وعملنا جلسة ثانية وخلص! أصبح الأمر جيداً. صار معي كمية شرائط... ولكن ماذا عليّ أن آخذ منها وماذا لا آخذ؟ وكيف عليّ أن أركّب كلامها مع حديث عاصي وأصل بينهما في شكل مترابط، انطلاقاً من فكرة وليس بحسب الصدفة. وكان علي أن أختار أغنيات من أرشيف ضخم تكون مناسبة لإطار الفيلم، وتكون في الوقت نفسه موجودة أو متوافرة. وما بقي الكثير من الوقت! وهذا شغل على ماكينات وليس على كومبيوتر، ما يعني تقنياً أنه سيأخذ كثيراً من الوقت للتنفيذ... وإضافة الى كل هذا، هناك مسؤولية فيروز والعمل. وعدم استشارة أحد... حتى أن فيروز لم تشاهد ما صوّرت ولم تعرف ماذا فعلت. لأنني أعرف أن كل شيء كان لينتهي لو إنني استشرتها في أمر. أقفلت على نفسي وصرت أشتغل، وهي تظن أنني من كل التصوير سأستخدم جملة واحدة! لم تكن تعلم ما الذي يحصل ولا كيف بدت في الفيلم. أخذت على عاتقي وحدي كل المسؤولية من دون أي استشارة. هكذا كان الفيلم وحضرته فيروز مثل المشاهدين على التلفزيون.
> جاءت هذه التحية الفريدة في مرحلة يحاول بعض الرحابنة الجدد تهميش دور عاصي، وهم عاجزون طبعاً عن تهميشه، لأنه النبع الرحباني والبحر في آن واحد. لماذا هذه الحملة المغرضة في رأيك ضد عاصي، وما غايتها؟
- صحيح هذا الفيلم، صادف الفترة التي قامت فيها الحملة، لكن لا علاقة له بها. هذان أمران منفصلان بعضهما عن بعض. الناس ربطتهما أو ثمة جهة أرادت ربطهما ببعضهما لأهداف معينة. لكن هذا الفيلم كان يجب أن ينجز من زمان وعدم تحقيقه كان تقصيراً مني لانشغالي بأمور أخرى، وكثرة مسؤولياتي في العمل الآني وهو إدارة أعمال فيروز وتنفيذها. الى أن فوجئنا يوماً أنه أصبح ممنوعاً ذكر عاصي وحده في تحية إليه في يوم ذكراه! لماذا؟ لم أفهم. وليفسر لي أحد منطقياً لماذا ممنوع لفظ اسم عاصي؟ كأن الكلام عنه غلط. وفي رأيي أن عدم ذكره كل هذه الفترة كان هو الخطأ. ومعروف أنه كان يعزّ علينا وعليّ أنا، أن أحكي عن عاصي لأنه أبي، ونحن ما تعودنا في تربيتنا أن نحكي عن أنفسنا فقط. وهذا اتضح أنه خطأ، خصوصاً في هذا الزمن. إذا الإنسان لم يطالب بحقه فما من أحد يطالب له به. أما الحملة فليست جديدة أبداً، إنها قديمة جداً، لكنها الآن بلغت ذروتها مع صدور القرار الوزاري الذي وصلني بالصدفة، عبر «المجلة التربوية» خلال شهر أيار (مايو) الماضي، مع أن العدد كان صدر في شباط (فبراير). ولو لم أصدر البيان لما كان عشرات الدكاترة وأصحاب الشأن انتبهوا، وكذلك كل المراجع الثقافية التي في اللجنة، الى هذا الخطأ الجسيم الذي أرادوا أن يمرّروه ثم أن يبرروا إسقاط اسم عاصي الرحباني بأنه تم سهواً. وكان يفترض أساساً أن توضع عبارة «الأخوان» رحباني، فقط لا غير، مع احترامي للجميع. لأن ما من شيء اسمه رحابنة ولا عائلة رحبانية، هنا فقط «الأخوان» رحباني. نقطة عالسطر. أما كل ما عدا ذلك فهناك أفراد صادف أنهم من عائلة رحباني، فقط. واسم العائلة لا يخوّلهم أن يصيروا أهلاً بمستوى الأخوين رحباني. هذا القرار الوزاري أبعدتُ عنه عمداً من قبل أولاد منصور، وهذه اللجنة التي تحكي عن «أخوين» لم يكن عندي علم بها ولا باجـتمـاعـاتـها ولا بأي أمـر تقوم به. والكلام الذي قالوه علناً عن تكريم لـ «الأخوين» كان بالــحـقيقة قـد سقط مـنـه اسـم عاصي. وقـد عـدل القـرار الـوزاري لإدخال بعض الأسـمـاء التي لم تكن موجودة فيه. هذه الأسماء التي لها في كل «عرس قرص» والتي «تعربش» بات لها 23 سنة وهي «راكبة» على ظهر عاصي الرحباني ونحن ساكتون. ولو لم أصدر البيان لظل الخطأ الـصـارخ هـذا مـعـمـماً وسـائراً.
هذا عدا عن أننا إذا أردنا أن نفكر أن عاصي الرحباني رحل قبل 23 سنة، فلماذا فكروا الآن أن يُدخلوا هذا الفن في المناهج التربوية؟ لماذا بعد وفاة منصور بأسبوع صار هذا الأمر؟ فهل منصور منفرداً يوازي «الأخوين»؟ أي هل إنه يوازي اثنين؟ إذا الجواب نعم، فمن الظلم تكريم «الأخوين» مع منصور، والأَولى أو الأجدر منصور منفرداً ومن دون «الأخوين»، أنا راضية، بل أنا مع هذا الأمر وبكل صدر رحب. أما خلط شعبان برمضان وعيلة بقبيلة ورحابنة بفراعنة فمرفوض جملة وتفصيلاً، وهذا الأمر لم يمرّ ولن يمرّ.
أما الهدف من وراء هذا الأمر فهو تزوير التاريخ وإلغاء عاصي الرحباني وفيروز، إذا قدروا، لكنهم لن يقدروا، فيروز أصعب من أن يلغوها لأنها ساطعة مثل الشمس. هم يعملون على إطلاق الشائعات والحرتقة و «الزعرنة» ونشر الأخبار المأجورة والمدسوسة وتحريف المواضيع والأقاويل... فالأسهل هو الغائب، والأسهل صار أسهل أكثر لأننا نحن لا نحكي، ولأن فيروز كما تكلّمتُ سابقاً لا تحب الحكي وكذلك زياد وأنا أيضاً.
وأعتقد أن هذا الأمر واضح في الإعلام ويستطيع أي كان أن يتحقق من كلامي. لكن هذا لا يعني أنني لن أحكي، إنني لن أسكت منذ الآن وليسمح لي كل الذين «يتنطحون» ويتكلمون عن عاصي في كل المناسبات وكل المحاضرات ويدخلون في اللجان ويطلّون في المناسبات الاجتماعية، فكلّ الذي يقولونه عن عاصي كله غلط. والذين يعرفون عاصي حقيقة، هم ساكتون. هم الذين لم يتكلّموا، وهم كثر وليسوا قلّة. وشخصياً لن أسمح بتمرير أي خطأ أو إشاعة بدءاً من الآن، وعندي الكثير من الحقائق.
> سعى بعض الرحابنة الجدد أيضاً الى الفصل بين الأخوين عاصي ومنصور، وهذا أخطر ما يمكن ارتكابه، خصوصاً أن منصور كان يردد دوماً أن عاصي هو المعلم، وهو كل شيء. ما سر هذه الخطوة في الفصل بين الأخوين، وهل سينجحون في الفصل بينهما؟
- السر هو تجيير كل هذا المجد لطرف واحد، ليس محبة بالطرف نفسه، بل لأسباب أخرى سيبيّنها الوقت. وهم يسعون الى إلغاء عاصي شيئاً فشيئاً لأن منصور مثلما قلت في السؤال كان يعرف... وكان يعرف جيداً. وبس.
والقصة ليست مثلما صوّرها البعض أننا نتقاتل على إرث، ليس صحيحاً هذا الكلام. هذا الكلام دسّه بعض الأشخاص للأهداف نفسها. أنا لم أحكِ في حياتي شيئاً، ولما حكيت قامت الدنيا وما عادت قعدت. لماذا صار ممنوعاً أن أطالب بحق هذا الإنسان الذي هو أبي وراح؟ ولأنه راح استغيبوه... هذه ليست قصة وراثة، هذه قصة حق. وأنا أطالب بحق هذا الإنسان فقط لا غير. ولو كان منصور موجوداً لما كان رضي أبداً بما حصل. ولكن أسهل شيء هو استغابة الغائب.
وأنا شخصياً لو كنت أعرف ماذا كان عاصي وماذا كان منصور وكم أعطى عاصي وكم أعطى منصور، لما كنت بحت بأمر، احتراماً لإرادة عاصي ومنصور اللذين رحلا واللذين أرادا أن يذوبا في عبارة «الأخوين». كل ما أستطيع فعله هو أن أحترم هذه الإرادة. ولكن أن يُستغل هذا الصمت، فهذا ما لن نسمح به. وثمة أشياء كثيرة ما زالت سرية أو نائمة ولم يلق عليها ضوء. ومثلما قالت فيروز في الفيلم الوثائقي: «الوقت هوي الي بيقول وبيحدد... الحقيقة مع الوقت».
عبده وازن
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد