انهيار الحكومة الهولندية وانعكاساته على الحرب الأفغانية
الجمل: تحدثت التقارير الإعلامية خلال الأسبوعين الماضيين عن الخلافات المتصاعدة في الساحة السياسية الهولندية, وبرغم تعدد مفاعيل ومصادر هذه الخلافات, فقد تمثل الخلاف الرئيسي في الإجابة على السؤال المتعلق بمدى استمرارية الوجود العسكري الهولندي في أفغانستان.
انهيار حكومة تحالف يمين الوسط: تأثير عامل الحرب ضد الإرهاب
تقلت تقارير وكالات الأنباء الأوروبية والعالمية, بأن حكومة ائتلاف يمين الوسط الهولندية قد انهارت يوم السبت 20 شباط (فبراير) 2010 الحالي, وذلك قبل يومين من إكمالها لعامها الثالث, وتقول المعلومات بأن السبب الرئيسي تمثل في النزاع الذي حدث بين المعارضة والتحالف الحاكم, وأيضا داخل التحالف الحاكم, حول مدى إمكانية التمديد لفترة بقاء القوات الهولندية العاملة ضمن مظلة قوات حلف الناتو الناشطة في مسرح الحرب الأفغاني.
يعتبر رئيس الوزراء جان بيتر بالكينيندا الذي انهارت حكومته من أبرز السياسيين الناشطين في الساحة السياسية الهولندية, فهو زعيم حزب النداء المسيحي الديموقراطي, الذي يمثل تيار يمين الوسط الرئيسي في هولندا, وقد ظل بالكينيندا يتولى منصب رئيس الوزراء الهولندي, لأربع مرات متتالية منذ انتخابات عام 2002م البرلمانية الهولندية العامة.
تزامن صعود بالكينيندا مع صعود إدارة بوش الثانية إلى البيت الأبيض الأميركي, وتحديدا في فترة صعود وتيرة مشروع الحرب الأميركية ضد الإرهاب, وفي هذا الخصوص تقول المعلومات, بأن بالكينيندا زعيم حزب النداء المسيحي الديموقراطي قد نجح في بناء الائتلافات والتحالفات البرلمانية مع بعض كتل الوسط ويسار الوسط, الأمر الذي مكنه من الجلوس على قمة الائتلافات الهولندية الحاكمة, هذا, وكانت الحكومة الائتلافية الأخيرة التي تربع على قمتها رئيس الوزراء بالكينيندا تتكون من الأطراف الآتية:
• حزب النداء المسيحي الديموقراطي (يمين الوسط): 41 مقعدا.
• حزب الاتحاد المسيحي الديموقراطي (الوسط-يسار الوسط): 6 مقاعد.
• حزب العمال الهولندي (يسار الوسط): 33 مقعدا.
وعلى هذه الخلفية, فقد تمكن بالكينيندا من بناء قاعدة أغلبية برلمانية تتكون من تكتل ائتلافي يستند على 80 مقعدا بفارق عشرة مقاعد عن المعارضة البرلمانية التي أصبحت تملك 70 مقعدا في مجلس النواب الهولندي الذي يتكون من 150 مقعدا.
الصراع السياسي الهولندي: تأثير العامل الإسرائيلي
يتكون القوام السياسي الشعبي-المدني الهولندي من عشرة أحزاب سياسية رئيسية, منها أربعة أحزاب تمثل اليمين, وهي: حزب النداء المسيحي الديموقراطي (41 مقعدا) يمثل يمين الوسط, و حزب الشعب للحرية والديموقراطية (22 مقعدا) ويمثل اليمين, إضافة إلى حزب الإصلاح السياسي (مقعدين) وحزب الحرية (9 مقاعد) ويمثلان أقصى اليمين, أما بالنسبة لأحزاب اليسار الخمسة فهي: حزب العمال الهولندي (33 مقعدا) ويمثل يسار الوسط, والحزب الاشتراكي (25 مقعدا) ويمثل اليسار, إضافة إلى ثلاثة أحزاب أخرى تمثل أقصى اليسار, هي: حزب اليسار الأخطر (7 مقاعد), وحزب حماية حقوق الحيوان «3 مقاعد», والحزب الديموقراطي 66 (3 مقاعد). أما حزب الاتحاد المسيحي (6 مقاعد) فيمثل التيار الذي يضم قوى الوسط, وإن كانت بعض توجهاته أقرب إلى يسار الوسط.
تعتبر هولندا, أحد أهم البلدان الأوروبية عراقة لجهة الارتباط بالتاريخ اليهودي الأوروبي وتيار المسيحية الصهيونية, وفي هذا الخصوص, فقد ظلت النخب الهولندية السياسية والتجارية والمالية أكثر ارتباطا بالوجود اليهودي, وحتى الإرث الثقافي والفكري الهولندي ظل لمئات الأعوام أكثر ارتباطا بالإرث اليهودي, ويمثل الفيلسوف اليهودي الهولندي بازوخ إسبينوزا أحد أهم وأبرز الرموز التي تؤكد حقيقة الارتباط اليهودي-الهولندي.
ظلت الحركات السياسية الهولندية أكثر تأثرا بمفاعيل جماعات اللوبي الإسرائيلي والجماعات اليهودية الأوروبية والأميركية, إضافة إلى تأثيرات العلاقات الإسرائيلية والهولندية.
صعود جماعات وقوى يمين الوسط الهولندي كان صعودا متوقعا, ولعبت هذه الجماعات دورا نافذا وكبيرا ليس في دفع وتوريط هولندا في مشروع الحرب ضد الإرهاب, وإنما أيضا في التأثير على توجهات الدول الأوروبية الأخرى والرأي العام الأوروبي في دعم وتأييد مشروع الحرب ضد الإرهاب خلال بداياته الأولى في نهاية عام 2001م, وطلع عام 2002م, وإضافة لذلك, فقد ظلت هولندا تشهد المزيد من فعاليات منظمات اللوبي الإسرائيلي, لجهة تحريك المظاهرات والحشود الجماهيرية المطالبة بدعم إسرائيل.
الوجود العسكري الهولندي في المسرح الأفغاني: بؤرة الأزمة
شاركت القوات الهولندية بفعالية وحماس إلى جانب القوات الأميركية في حرب أفغانستان, وحاليا تشارك هولندا بحوالي 2000 جندي هولندي ضمن قوات حلف الناتو الناشطة في مسرح الحرب الأفغانية, وتقول المعلومات والتقارير, بان قوات الناتو في أفغانستان, قد خصصت محافظة أوروزخان الأفغانية لمكان تمركز القوات الهولندية وأداء مهامها العسكرية العملياتية.
تشير معطيات خبرة أداء القوات الهولندية في المسرح العسكري الأفغاني إلى النقاط الآتية:
• في كانون الأول (ديسمبر) 2005م, أكدت الحكومة الهولندية عن رغبتها القيام بنشر 2000 جندي هولندي في محافظة أوروزخان الأفغانية من أجل القيام بتقديم المساعدة في تحقيق الإدارة والتنمية الاقتصادية للمحافظة, إضافة إلى دعم جهود قوات الناتو في أفغانستان.
• في عام 2006م, قامت الحكومة الهولندية بغض النظر وتجاهل المعارضة, ونفذت عملية نشر القوات الهولندية في محافظة أوروزخان, وتقول المعلومات والتقارير, بأن الحكومة الهولندية تجاهلت تزايد المعارضة البرلمانية التي كانت آنذاك مصحوبة بتزايد معارضة الرأي العام الهولندي بسبب عدم الثقة والاطمئنان إزاء مدى إمكانية نجاح القوات الهولندية في المسرح الأفغاني الشديد الخطورة.
• بسبب الضغوط, تم التفاهم بين الحكومة الائتلافية والمعارضة الهولندية, بحيث يتم الاتفاق على سحب القوات الهولندية من أفغانستان لحلول نهاية عام 2008م, إي مع نهاية إدارة بوش الجمهورية, ولكن ما كان لافتا للنظر أن حكومة ائتلاف يمين الوسط الهولندية, وتحديدا رئيس الوزراء بالكينيندا, قد سعت في عام 2007م وبشكل استباقي إلى مناورة سياسية هدفت إلى إصدار قرار يتيح بقاء القوات الهولندية في أفغانستان إلى ما بعد عام 2008م, وذلك ضمن فترة إضافية جديدة تمتد إلى نهاية عام 2010م, قابلة للتجديد مرة أخرى.
• بلغ عدد القتلى الهولنديين في أفغانستان حوالي 21 عنصرا.
• إضافة إلى المشاركة بالجنود, فإن القوات الهولندية قدمت المزيد من الطائرات إف-16 الأميركية المتطورة, والموجودة ضمن ترسانة القوات الجوية الهولندية.
• ظلت الحكومة الائتلافية الهولندية تقدم المزيد من العتاد والدعم المالي واللوجستي لقوات الناتو العاملة في أفغانستان, الأمر الذي شكل مزيدا من الأعباء والضغوط على عاتق الاقتصاد الهولندي.
تزايدت ضغوط الحرب الأفغانية, وبالمقابل تزايد ضغوط قيادة حلف الناتو المطالبة لهولندا بتقديم المزيد من الجنود والدعم لحرب الناتو في أفغانستان, وإذا كانت واشنطن تمارس من جهة الضغط على قيادة حلف الناتو لكي تقوم بالضغط على الدول الأعضاء في الحلف لجهة الاستجابة, فإن أميركا ظلت من الجهة الأخرى أكثر ضغطا على حكومات الدول الأعضاء في الحلف لجهة الموافقة على مطالب قيادة الحلف, وعلى هذه الخلفية, فقد كان نصيب حكومة رئيس الوزراء الهولندي بالكينيندا كبيرا, وليس من جانب الولايات المتحدة وحدها, وإنما من جانب إسرائيل وجماعات اللوبي الإسرائيلي الداعمة بالأساس لحكومة بالكينيندا.
المسار المحتمل لسيناريو الانقلاب الإقليمي الأوروبي: تأثير العامل الهولندي
ظلت السياسة الهولندية تمثل المؤشر الأولي المحدد لتوجهات السياسة الأوروبية وعلى وجه الخصوص إزاء إسرائيل وواشنطن, وبكلمات أخرى إذا كانت بريطانيا تمثل حصان طروادة الأميركي داخل الاتحاد الأوروبي فإن هولندا ظلت تمثل حصان طروادة الإسرائيلي داخل الاتحاد الأوروبي, والآن, وبعد انقلاب الرأي العام الهولندي ضد مشروع الحرب الأفغانية, وبالتالي ضد مشروع الحرب الأميركية ضد الإرهاب, فهل يا ترى سوف يشهد الرأي العام الهولندي المزيد من الانقلابات على نفوذ جماعات اللوبي الإسرائيلي والجماعات اليهودية الهولندية والأوروبية. وهل يا ترى سوف يؤثر الانقلاب الهولندي, على بقية البلدان الأوروبية وعلى وجه الخصوص دول الاتحاد الأوروبي المجاورة لهولندا, مثل بلجيكا, والدنمرك, وذلك بما يمكن أن تمتد عدواه إلى بقية بلدان الاتحاد الأوروبي, وعلى وجه الخصوص ألمانيا وفرنسا وبريطانيا وأيرلندا, إضافة إلى النمسا وسويسرا, باعتبارها جميعا تمثل بلدان بؤرة النزعة المركزية الأوروبية وتأثيراتها التاريخية والقوية الحضور في الإرث السياسي والثقافي الأوروبي الغربي.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد