معرض (دوران) الأبيض يتماوج من الأرض صاعداً إلى السماء
سنون مضت لا تشبه بعضها بعضاً وتجارب متنوعة تضع الكينونة التي تقود بدورها إلى لقاء وشغف من نوع آخر، إنه اللقاء الأزلي الذي يسجل دائماً القيمة المثلى للدوران في نسيج اللوحة عبر رحلة الزمن.
هكذا قدم الفنان التشكيلي بديع جحجاح معرضه «دوران» الذي استضافه فندق قصر الشهبندر بدمشق القديمة ضمن أجواء من الدمشقية الحميمية جداً التي تتحدث عن التصوف والمولوية وما بينهما من روابط واندماج اللون الأبيض مع مختلف الألوان المستخدمة لتتمم اللون الأبيض الذي اختاره الجحجاح للرداءات بانسجام مطلق ما بين السماء والأرض في معزوفة تخفي من خلالها معالم الجسد وتظهر ما تبقى من سمو في رأس الإنسان الذي يقوم بعملية الدوران والالتفاف الصوفي الجميل.
إنها رحلة جميلة للبحث عن الألوان استقطبت اهتمام عدد كبير من الفنانين التشكيليين والمثقفين والممثلين والمهتمين بالعمل التشكيلي الذين حضروا وبكثافة إلى المعرض وهذا يدل على أهمية التجربة حيث يعد معرض «دوران» المعرض الثاني لبديع جحجاح الذي عاد من خلاله إلى الفن التشكيلي بعد أن غاب سنوات وراء قضايا الإعلام وغيرها.
وتميز المعرض بأنه يستلهم الحياة التراثية القديمة ليقدم لنا معلومات مهمة لتزين مكاناً هو أشبه ما يكون بالمكان نفسه ومن هنا جاءت التجربة الناجحة حيث لم يكن موضوع اللوحات نافراً عن الجو العام لمكان المعرض فشكل وحدة موضوعية ما بين المكان واللوحات المعروضة وهذا نادراً ما يحدث.
- على هامش المعرض التقينا الفنان بديع جحجاح الذي تحدث عن معرضه فقال: السحر الجميل لقصر الشهبندر أعطاني هذه الطاقة (دوران) له علاقة بفكرة الدوران الموجودة في الحياة سواء دوران الكواكب أو الأرض أو دورة الحياة أو الطبيعة معرض دوران إحياء للبيئة التاريخية التي تتطابق مع الدراويش الدوارين فكل شخص منهم دور ليبحث عن منهج حياته سواء بالحب أو العلم أو الزواج.
ويضيف جحجاح: إن تفرغي للعمل الغرافيكي في مؤسسة (بي جي) للإعلام وتصميم الشعار والهوية البصرية لم يلغ من ذاكرتي معرضي الأول فنفضت غبار الزمن عن تلك الذاكرة وكان كافياً لبناء جسور الصداقة والمودة ليولد «دوران» كنتيجة طبيعية لهذه العلاقة الخلاقة والذي يكسر حاجز الصمت ليولد الفراغ الذي يضرم الإنسان فيه ضجيجاً لذيذاً يتحرك ويتناغم ليعانق روح الهواء ويفيض الضوء فوق الأبيض الأزلي ويتناثر غباره القدسي في المكان.
- «دوران» هو رحلة الإنسان الحتمية في بحثه عن الجوهر عبر مشوار الحياة متلذذاً بالمكان والضوء والصوت والحركة، فالإنسان منذ ولادته يسعى ويبحث وينقب ويصعد ويهبط ويدور وصولاً إلى نهاية التجربة، كل ذلك يشكل بمجموعه المادة البحثية لأجساد لوحاتي التي لن يكون الجمال فيها خاسراً فنياً أبداً.
- حين تغرف العين متعتها عن دوران الدراويش لا يلبث أن يبدأ دوران آخر عند المتلقي ليستغرق ويسجل ويتمايل نشوة مع اقترابه من جوهر الحقيقة، من مسرحهم أستعير رموزي جميعها، فأسجل تلك اللحظات والمشاهد عبر تثبيت الزمن والمحافظة على دورانهم في لوحاتي برؤية فنية تذكرني دائماً بأننا متبدلون وزائلون.
- التقينا خلدون مخلوف رئيس مجلس إدارة مجموعة جوليا دومنا وفي حديث عن رأيه بالمعرض قال: إن رعاية مجموعة جوليا دومنا لمعرض دوران لا تهدف إلى تقريب المجتمع السوري الأصيل من الفن السوري وتاريخه العريق فحسب وإنما تهدف أيضاً لتأكيد رؤية المجموعة على أنها جزء من المجتمع الذي يسعى دوماً لتطوير نفسه من خلال حفظ ماضيه وتوثيقه ليكون راية سورية أصيلة للأجيال القادمة.
إن المكان الذي اختارته المجموعة مع الفنان بديع والمتمثل بمنزل الدكتور عبد الرحمن الشهبندر وهو زعيم وطني من زعماء الأمة وشهيد، يولد بعداً جديداً يزيل الحدود كلياً بين الاستثمار السياحي من جهة وبين الرسالة الفنية والناس من جهة أخرى.
وفي هذا الإطار لا يفوتنا أن نتحدث عن جانب آخر وهو جانب مهم في حياة أي فنان وهو الأسرة من هنا التقينا الدكتورة منى غانم زوجة الفنان بديع جحجاح امرأة مثقفة استطاعت أن تحقق النجاح والتألق في حياتها العائلية والمهنية بفضل ثقتها الكبيرة بأهمية أن يكون للمرأة دور وبصمة في حياة زوجها وأولادها وعن رأيها بمعرض بديع جحجاح قالت: إن المعرض جزء من مشروع ثقافي متطور ويعتبر منعطفاً مهماً في حياته الفنية ولا يتوقف فقط عند الصوفية.
ديما ديب
المصدر: الوطن السورية
إضافة تعليق جديد