هـل الغش والتلاعب في محطات الوقود حقيقة أم احتمال؟
ثمة خلل يعتري أداء سوق المشتقات النفطية... يشمل أطراف المعادلة من مستهلكين ومحطات وقود وشركة محروقات وتجارة داخلية، ساهم في تكريسه غش وتلاعب المحطات مقابل محدودية هامش ربح كعائدية وارتفاع قيم بدلات استثمار المحطات المستأجرة من شركة المحروقات..ووصلت الاتهامات الى جهاز حماية المستهلك.
والسؤال: لماذا تغش محطات الوقود؟ وتسقط في فخ المخالفة والاغلاق ؟ وماذا عن هامش الربح المحدد كعمولة؟ وكيف تبرر المرجعيات الوصائية هذا الخلل؟!
الغش فنون
تتنوع أساليب الغش في محطات الوقود بدءاً من نزع الأختام الرصاصية والتلاعب بالعدادات ونقص الكيل وغش البنزين الممتاز بمواد أرخص ثمناً، لكن ضمن نسبة السماح بالمواصفة المطاطة 175-200 درجة نهاية الغليان، ويبدو الغش ان ارتفعت الدرجة عن 200, أما إذا كان الغش ضمن حدود المواصفة فيتغير اللون فقط مع مطابقة باقي القرائن الأخرى.
أو من خلال ظاهرة الريموت كونترول والتي سمعنا عنها الكثير إلا أننا لم نظفر برؤيتها.
عرف الغش السائد
عينة من أصحاب المحطات المستأجرة من شركة المحروقات افادوا صراحة بعدم الجدوى الاقتصادية من العمل النزيه في القطاع لماذا؟ لأن المحروقات تتقاضى عائداً استثمارياً مرتفعاً للمحطة ما يدفع المستثمر الى السرقة العلنية وبشكل مرعب يصل في بعض الأحيان الى 3 ليترات في الصفيحة سعة 20 ليتر بنزين أو مازوت، وهذا موثق في سجلات حماية المستهلك بريف دمشق مثلاً.
وسابقاً وحسب هذه الشريحة فإن التهريب للمازوت كان يغطي فروقات القيم الاستثمارية المرتفعة، أما الآن ومع انعدام التهريب بدؤوا بالبحث عن بدائل أخرى, وليس متاحاً سوى النقص بالكيل أو التلاعب بالعدادات ولأن تقاضي السعر الزائد لم يعد مجدياً.
وأضاف البعض عموماً أصبح الغش عرفاً سائداً في المحطات وان ما نسبته 90٪ منها تزاول الغش سواء بالمعايرة أم بالبيع قياساً مع نسبة العمولة وارتفاع التكاليف.
التعميم خطأ
طبعاً هنا المسألة نسبية فليس كل العاملين في قطاع المحروقات لصوص وهناك محطات مشهود لها بالسمعة الحسنة مع المستوى العام وهناك نسبة من العاملين الذين امضوا تاريخهم في المهنة يجدون باستمرار للالتزام بوجدانية العمل والحفاظ على مورد رزقهم ويجهدون لتجنب الوقوع بأي مخالفة.
وبالمقابل هناك محطات يحذرك معارفك من دخول حرمها بسبب الصيت السيء لها وافعال القائمين عليها من استغلال للمستهلك سواء بغش المادة أم النقص بالكيل أم بتقاضي السعر الزائد.
غش استثماري
تعمد شركة المحروقات والجهات العامة بين الحين والآخر الى طرح محطاتها للاستثمار الخاص، وكنوع من المضاربة يلجأ التجار الى تقديم مبالغ فلكية من خلال مزادات علنية أو عروض أسعار وتقل بدائل الاستثمار بعض المحطات الى المليون ليرة في الشهر الواحد، وسابقاً كان المستثمر الذي يدفع هذا المبلغ مطمئناً الى تعويضه بأضعاف نتيجة ازدهار عمليات التهريب الى خارج الحدود.
اما الآن ومع انحسار التهريب فإن من يسدد هذا المبلغ لن يرضى باسترجاعه فقط وانما مع عائد مادي مقبول دون النظر الى قيم التكاليف الثابتة لتشغيل المحطة من هدر بالمادة أو تسديد فواتير مياه وكهرباء ورسوم تأمينات وصيانة مضخات وأجور عمالة.
وهنا سيعمد المستثمر الى المخالفات بدءاً من غش المادة والنقص بالكيل والتلاعب بالعدادات دون اسقاط المساءلة القانونية من حسابه حيث معظم المخالفات الكبرى ترتكب في المحطات المستأجرة وتصل كمية النقص بالكيل الى 3 ليترات للمازوت أو البنزين وفق مصادر جهاز حماية المستهلك كما في ريف دمشق مثلاً.
اعتراف وإقرار
أحد مستثمري هذه المحطات قال: بعد انتهاء التهريب فإن النفقات الثابتة والرقم الاستثماري المدفوع يمثلان اقراراً بالسرقة حتى يتم تحقيق العائد الاستثماري المناسب وتسديد ما يترتب من ذمم مالية.
ونقول:أصبحت مهنة توزيع المحروقات في دائرة الاتهام المباشر واليقين بالغش لأنه وحسب مصدر في شركة المحروقات فإن معظم مبيعات المحطة ومهما كبر حجمها وازدادت استثماراتها الجانبية وأمنت سيارات توزيع تبقى عاجزة عن تغطية المبلغ الاستثماري ونفقات التشغيل وعائدية رأس المال في حالة العمل النزيه.
هامش ربحي محدود
حدد القرار 868 تاريخ 24/3/2008 الصادر عن وزير الاقتصاد نسبة الربح كعمولة للمحطات بما يعادل 16 قرشاً لكل ليتر بنزين أي ربح 3.2 ليرات لكل مبيع صفيحة سعة عشرين ليتراً من المحطة.
وفيما يخص المازوت حدد القرار 740 تاريخ 31/3/2009 الصادر عن وزير الاقتصاد بنسبة العمولة 10 قروش لكل مبيع ليتر واحد أي عمولة ليرتان كهامش ربحي عن مبيع 20 ليتر مازوت من المحطة فيما حدد القرار عمولة 60 قرشاً لكل مبيع ليتر مازوت واحد من قبل سيارات التوزيع المباشر.
وبتعبير آخر فإن حمولة صهريج بنزين سعة 20 الف ليتر على صاحب المحطة تسديد قيمته مسبقاً لحساب المحروقات في المصرف بما يساوي 796.800 ليرة يكون هامش ربح هذا المبلغ 3200 ليرة فقط.
عوامل الخسارة
مقابل هذا الهامش الربحي تتعرض المادة للتبخر كما يتم هدر جزء منها ويترتب على صاحب المحطة تسديد اكرامية لسائق الصهريج كي لا يبتزه ويضاف إليها النفقات الثابتة حيث تتراوح قيمة فاتورة الكهرباء وسطياً للدورة الواحدة بحوالي 50 الف ليرة ناهيك عن ضرائب فاتورة المياه والهاتف ورسوم الخدمات والتأمينات الاجتماعية.
إضافة إلى رأس المال العامل في المحطات المستأجرة بغض النظر عن قيمتها الاستثمارية.
حماية المستهلك بالقفص
أجاز جهاز حماية المستهلك نسبة سماح بفرق الكيل تصل الى 2 بنس في كل صفيحة بنزين أو مازوت سعة 20 ليتراً، لكن ووفق فعاليات محطات ريف دمشق عمدت مديرية التجارة الداخلية الى إجراء قسري أسماه بعض المستثمرين بالكيدي لماذا؟
قبل الاجابة يجيب بيان عناصر وحدة الكيل المعتمدة حيث تعتبر كل 10 ليرات تساوي 1 بنس وكل 10 بنسات تساوي 1 ليتر.
وباعتبار نسبة السماح كانت 2 بنس لكل صفيحة في المعايرة النهارية للمحطة حيث تتجاوز الحرارة درجة 45 عمد جهاز حماية المستهلك الى إجراء المعايرة في المحطات ليلاً واحياناً بعد منتصف الليل حيث تكون الفروق الحرارية على أشدها وتنخفض الحرارة الى مادون الـ20 درجة.
وبما أن المشتقات النفطية لها خواص فيزيائية كالتقلص والتمدد بفعل الحرارة، اعتبرت حماية المستهلك النقص بـ1 او 2 ليبرة بمثابة مخالفة لنقص الكيل وعاملت المحطات ذات السمعة الحسنة معاملة من يسرق من المستهلك من ليتر الى 3 ليترات في الصفيحة وسلطت عليه سيف الإغلاق الإداري.
1* 5
يمتاز الضبط التمويني بسحر خاص, فإلى جانب العرف السائد ان تسطير الضبط يعد مخالفة إلا أنه في واقع الحال يمثل خمس مخالفات وهي:
تسديد قيمة التحليل المخبري للعينة في حال المخالفة وثانياً تنظيم الضبط العدلي وثالثاً حجز المادة ورابعاً إغلاق المحطة وخامساً إحالة المخالف مع الضبط الى القضاء المختص.
المحروقات تنأى بنفسها
منذ أكثر من شهر وجهنا أسئلة مكتوبة إلى إدارة شركة المحروقات حول الغش في المحطات عموماً، ولا سيما المستأجرة من قبلها خصوصاً وتأثير المعايرة النهارية عن الليلية، إلا أنها نأت بنفسها عن الإجابة وأبلغتنا شفهيا أن استفساراتنا خارج اختصاصها؟!
وبدورنا نقول: إن المحروقات هي المعنية فنياً بفيزيائية المادة إن كان يوجد اختلاف في المعايرة النهارية عن الليلية, كما أن المحروقات ذاتها من تتقاضى عوائد استثمار المحطات التي بعهدتها وبمبالغ تزيد عن العشرة ملايين ليرة للمحطة الواحدة احياناً ؟! من خلال عروض اسعار بطريقة الظرف المختوم أو من خلال المزادات التي تعلنها؟!
تجارة ريف دمشق توضح
حسب مدير التجارة الداخلية بريف دمشق يلجأ اصحاب المحطات الى التلاعب بالعداد حيث يعطي مؤشر المضخة أرقاماً غير صحيحة لما يعبأ في الخزان وهذا مرده الى جيوب المخالفين.
واوضح يوسف سرور ان نسب الأرباح المقررة مدروسة وتناسب العمل في المهنة, وبالتالي المخالفات الحاصلة غير مبررة وارقامها الكبيرة والمضبوطة تعبر عن جشع البائع وغبن يلحق بالمستهلك.
واعتبر سرور ان شعبة المعايرة والمكاييل بالمديرية تراقب المحطات وسيارات التوزيع وتقوم بجولات مفاجئة للتأكد من معايرة المضخات وفحص الأختام الموضوعة وسحب العينات للتأكد من عدم خلط المادة بمواد أخرى، وتعمد المديرية الى الاغلاق الإداري في حال كانت المخالفة جسيمة وتم اغلاق 25 محطة منذ بداية العام الحالي.
ونفى مدير التجارة الداخلية وجود معايير محددة لزيادة نسبة الغش والتلاعب في المحطات المستأجرة من المحروقات تزيد عن سواها, مؤكداً وجود من يلتزم بوجدانية العمل والحفاظ على سمعته مقابل من يسعى دائماً للغش والمخالفة والملاحقة.
واعتبر أن المعايرة تتم بطرق فنية على مدار الساعة وبأوقات متفاوتة وامام صاحب المحطة واحياناً تعادل اكثر من مرة للوقوف على الحقيقة.
الإغلاق هو الإغلاق
واكد سرور أن المخالفات التي ترتكب لغش المادة او النقص بالكيل لها عقوبات رادعة تصل الى الحبس مع الغرامة.
لكن هل هناك نية لاستبدال الإغلاق بغرامات مالية مضاعفة؟
يقول مدير التجارة الداخلية بريف دمشق: الاغلاق هو إداري واحترازي بقصد الحد من المخالفات على إن لا يتجاوز مدة الشهر الواحد.
ولا تجيز القوانين الناظمة استبدال الاغلاق بغرامات مالية لأن الإغلاق أساساً يهدف إلى تصحيح وضع خاطئ للمحطة.
إغلاق 106 محطات
وخلال العام الحالي نفذت مديريات التجارة الداخلية بالمحافظات إغلاق 106 محطات محروقات لمدد متفاوتة تتراوح من أسبوع ولغاية شهر كامل.
وحسب عماد الأصيل مدير حماية المستهلك بوزارة الاقتصاد جاءت محافظة ريف دمشق أولاً بحالات الإغلاق 25 محطة تليها درعا 18 حالة إغلاق فالرقة 16 فالحسكة 9 و8 في كل من اللاذقية وحماة و 6 في إدلب وحمص و 4 في دمشق و 3 في طرطوس واثنتان في حلب وواحدة في السويداء.
فيما لم تسجل أي حالة إغلاق في محطات دير الزور.
تقصير رقابي
يبدو من خلال سجلات مديرية حماية المستهلك إن هناك تقصيراً رقابياً من دوائر بعض المحافظات، فمثلاً رغم اتساع رقعة محافظة دير الزور لم تتم أي حالة إغلاق لأي محطة من أصل حوالي 70 محطة أما في حلب ومن اصل حوالي 235 محطة لم تخالف سوى محطتين خلال سبعة اشهر.
والسؤال هنا: هل يدقق المعنيون بوزارة الاقتصاد هذه المعطيات؟! وهل هم راضون عن هذا الأداء؟!
عدنان سعد
المصدر: الثورة
إضافة تعليق جديد