مسلسل 'بقعة ضوء 7': نصوص ملائمة لنشرات التوعية الاجتماعية
لا أعرف إذ كان بالإمكان الكتابة بحزن عن مسلسل مختص بصناعة الضحك؟ وهل أستطيع أن اسميه مسلسلا أمّ ملحمة بدأت بمشاهد مسلية مرحة ووصلت إلى شيخوخة مبكرة أطاحت بسمعتها الدرامية القديمة؟
بقعة ضوء.. السلسلة الدرامية الكوميدية الناقدة التي بدأت منذ مطلع الألفية الثالثة ها قد أتمت جزءها السابع في طبعة رمضان 2010 لتستقل قطار العودة إلى الوراء وتتركنا ننتظر الضحك في آخر العالم، نقول بقعة ضوء فيظهر نجومها الرائعون: أيمن رضا، باسم ياخور، أندريه سكاف، بسام كوسا، سامر المصري، يارا صبري، فرح بسيسو، سليم صبري، سلافة معمار، عبد المنعم عمايري، نضال سيجري، زهير عبد الكريم وفارس الحلو.. وغيرهم ولكن الآن لا نقول 'بقعة ضوء7' إلا ونتحسر على الوقت الذي يهدر في بث تلك الحلقات الجديدة من السلسلة الشهيرة الساخرة، لم يعد عالم بقعة ضوء فضاءنا البسيط الذي نحب، إذ أعلن سقوطه بعد مضي النصف الأول منه، حزم نجومه حقائب التكرار وسافروا إلى نمطيات درامية مباشرة تسمّى: الخطابية التلفزيونية الفجة..!
سبق اختيار النصوص
عندما أعلن أيمن رضا على صفحات الجرائد السورية رغبته الشديدة بافتتاح ورشة كتابة لنصوص بقعة ضوء جاءه حوالى 2800 لوحة كوميديا بعد الغربلة مع المخرج ناجي طعمة وجدوا أن عشرة بالمائة يصلح للرؤية التي يبحثون عنها، انتظرنا بعد انتهاء تصوير العمل لنشاهد جديد 'بقعة ضوء7' ما نوعية النصوص التي سمّاها أيمن رضا (كوميديا الموقف) فوجدنا أن أميز ما فيه هو مباشرة الطرح واستنفاد السوقية بالألفاظ واللعب على الثرثرة من دون إشراك الكاركتر الخارجي للممثلين بصنع اللوحة الكوميديا، تعثرت خيارات رضا وطعمة وظهرت أمامنا مسوخ من لوحات سابقة لمعظم كتاب بقعة ضوء، حتى من جاء حديثاً لم نجد ما يدهش في نصه، فقد كانت المبالغة في صف الكلام وصناعة المشهد المضحك مبنية على مفارقات مألوفة ويومية بحياتنا وربما أجمل من التصنع المكرور الذي خلقه كتاب 'بقعة ضوء 7' هذا العام.
كنا نظن أن سبق اختيار النصوص سوف يخضع مختبر بقعة ضوء إلى أكثر من عين ورأي للنهوض بصناعة كوميدية جديدة ومتميزة تمسح عن عيوننا مشاهد الكآبة التي زرعتها في ذاكرتنا طبعة رمضان 2009 الدرامية الحزينة، لكن رؤية أيمن رضا الوحيدة هي التي كانت الحكم، حيث بان التكنيك الاستهلاكي كواحد من أشد ثغرات العمل، بالإضافة إلى التصوير الإخراجي الذي أعاد به طعمة تجارب غيره من مخرجي بقعة ضوء، مما سبب خللاً بصرياً في لغة الصور المضحكة التي يلعب بقعة ضوء كمسلسل دور المنظم العصبي في قوة إقناعها.
بين الخطابية والتعليقات
لم يكن مسلسل بقعة ضوء مطالبا باقتراح نشرات توعية اجتماعية ونصح حياتي آسر، إنما يكفي إلقاء الضوء على الإشكالات والهموم البارزة في المجتمع ونقدها بأسلوب ذكي بعيداً عن سرعة الطرح وتعليل المشكلة واقتراح الحل.. إذ أن الخطابية في بناء معظم سيناريوهات اللوحات كانت مفصلاً رئيسياً لحركة النمو الدرامي للمشاهد، فلم نعد نجد تلك الرمزية الساخنة في طرح أفكار بقعة ضوء، فما سعت إليه رؤية أيمن رضا لم تكن واضحة أي أن (كوميديا الموقف) التي علّ قلوبنا بالحديث عنها لم نرَ من ظلها شيئاً أللهم إلا أول حلقة التي تتحدث عن الضريبة التي يدفعها المواطن السوري عن كل شيء، ولكن ما إن تتالت باقي الحلقات حتى هبط المستوى، مرة يلفت نظرنا موقف متواضع يطرح للمرة الأولى في بقعة ضوء كالمفارقات التي تقلب الدنيا رأساً على عقب، أي بدل أن تظل المرأة ست بيت أو موظفة تعيش كأنثى، نجدها في احدى لوحات بقعة ضوء (مسترجلة) تسهر في البارات و(تطبّق) شباناً مفتولي العضلات، أما الرجال فيجلسون في البيت ويقومون بوظائف العناية بالأولاد والطبخ وما شابهها.. حتى هذه الفكرة استخدمت (بمياعة) شديدة لا تتناسب وثقل بقعة ضوء، بل تناسب نكت (شاميات) في تلفزة النكتة على ألا تتجاوز مدة تجسيدها أربع دقائق فقط!
من ناحية أخرى قد يطلق عبد المنعم عمايري أو أندريه سكاف تعليقا عفوياً في كل اللوحة يكفل وصولها إلى المشاهد وتمتعه بها، وهذا ربما يبحث عنه معظم الناس، التعليقات الجديدة التي تقدمها الدراما الساخرة لهم حتى ينفسوا قليلاً عن همومهم.
أين كوميديا الموقف
متى يمكننا أن نتحدث عن كوميديا الموقف في 'بقعة ضوء7'؟ هل هي موجودة أساساً في البنية الفنية للعمل؟ أم أن المصطلح قد أعجب توجه صناع الكوميديا فاقترح كحل حداثوي في التعبير عن مشاريعه للإعلام؟
ومثال على ذلك ترصد إحدى اللوحات حال موظفي القطاع الخاص، وتدور أحداثها في أحد معامل الخياطة التابعة للقطاع الخاص، تفاجأ العاملات هناك أن مسألة الحمل والولادة قد تؤدي بها للجلوس في البيت وفصلها نهائياً عن العمل لأن راتبها بحسب قانون نقابات العمل الجديد سوف يستمر رغم أنها ستكون في إجازة لمدة أربعة أشهر، مما يكبد خسارة للقطاع الخاص إذا تعامل مع ذلك، بالتالي فصل الموظفة الحامل، فيكون الحل بأن تلعب قفزة (شمس قمر نجوم) بالحبل لتجهض جنينها من التعب بدل أن تكمل حياتها معه من دون عمل.. طريقة تناول هذا الموضوع لم تؤدَ بلغة بقعة ضوء، إنما بلغة موظفين بالشؤون الاجتماعية والعمل، لم نجد منفذاً مضحكا إنما تعليقاً على ما يحدث من قوانين قد لا تناسب كثيراً من الناس، ولا حتى شعرنا بالوجوه التراجيدية الساخرة رغم كل ما قيل بقي الموقف أخرس لم يقدم كوميدياه التي ننتظر..! كان بإمكان صناع بقعة ضوء التعبير عن رواج عملهم بأسلوب أذكى من ذلك، فاستخدام المصطلحات الجديدة في التعبير عن عملهم لا يعني تطبيقها على أرض الواقع..
غابت كوميديا الموقف التي تتعلق عادة بالرمزية الإيمائية البحتة للممثلين أثناء العمل، حيث تتلخص برصد أحداث مماثلة للهموم الراهنة وإسقاطها بأقل تكليف كلامي ممكن، وحضرت الثرثرة الخطابية المعروفة التي تدل على نصوص هشة منكمشة على قصور فني كبير.
عمر الشيخ
المصدر: القدس العربي
إضافة تعليق جديد