عطلة صيف الجامعيات يصادرها البحث عن فرص حياة أفضل
الجمل ـ ليلى نصر: الصيف الماضي قررت (ريتا صلاح- 23 عاماً) طالبة اللغة الإنكليزية أن تستقل مادياً من خلال عمل تعتبره أوسع من مجال التدريس،وهو الترجمة في شركة سياحية، بدلاً من هدر الوقت في التسلية والنميمة ضمن أجواء الضيعة المملة على حد تعبيرها، وهي تستغل جزء من الراتب لاتباع دورات الكمبيوتر، وتمارين في المحادثة مع مجموعة من الأصدقاء الأجانب.
قسمت ريتا وقتها بشكل جيد بين العمل والدورات: من التاسعة صباحاً حتى الرابعة بعد الظهر العمل في الشركة، ومساءً تلتزم بدورات التعليم والتمارين، ويبقى لديها الوقت لرؤية بعض الأصدقاء والخروج معهم، ومتابعة بعض الأنشطة الثقافية، وفي عطلة الأسبوع تذهب لرؤية أهلها في القرية.
إلا أن كثير من الطالبات لا يحالفهن الحظ في إيجاد فرصة عمل تمكنهن من قضاء عطلة صيفية مليئة بأنشطة يرغبن بها، فينقضن الصيف في البحث عنها كحال (ياسمين الجندي- 30 عاماً) وغيرها الكثيرات، إذ تقول:(أبحث عن عمل من بداية الصيف لاستقل مادياً، وأتمكن من تطوير كفاءاتي في اللغة الإنكليزية والكمبيوتر، وإلى الآن لم أجد فرصة، وحتى في مجال دراستي للغة العربية فرص العمل في مجال التدريس قليلة حتى كمكلفة).
تقديم التنازلات
(أنجيلا - 27 عاماً) طالبة سنة ثانية في معهد الفنون التطبيقية، تبحث عن عمل منذ أكثر من عام وإلى الآن تقول: أنا من محافظة حماة، منطقة السلمية التي تعد منطقة غير صناعية، ولا زراعية أيضاً، لذا فرص العمل فيها قليلة، حاولت مع بداية دراستي في دمشق إيجاد عمل لتغطية مصاريف الدراسة، وأستمر فيه بعد التخرج كي لا أعود إلى السلمية، واعتكف في البيت، إلا أنني لكنني لم أعثر على عمل، فالقطاع الخاص يتطلب مؤهلات كثيرة، إضافة لشروط المظهر الحسن والأناقة... وإن وجدت الفرصة تحتاج أحياناً إلى تقديم بعض التنازلات..!!)
صيفاً شتاءاً
في حين أن الطالبات اللواتي يعملن صيفاً شتاء مع دراستهن لا يعانين من مشكلة البحث عن عمل في العطلة الصيفية، ولا من المشاكل التي تعاني منها الطالبات المقيمات في المدينة الجامعية الناتجة عن السكن لأن غالبية الطالبات يسكن خارج السكن الجامعي حين تحل لديهن المشاكل المتعلقة بالمال، كحال ( روزا – 25 عاماً)، طالبة أدب عربي، إذ تقول: (مع بداية قدومي إلى دمشق للدراسة، وسكني في المدينة الجامعية، خطر لي أن أعمل لأتمكن من استئجار غرفة خارج المدينة الجامعية، وقد وجدت وظيفة في وزارة الزراعة لمدة سنة كاملة، وأنا حالياً أعمل على تدريس مادة اللغة العربية في معهد للغات، صيفاً شتاء، وأقوم ببعض الأنشطة الثقافية في الصيف كحضور الأمسيات التي تجريها مكتبة الأسد، وأزور المتاحف مع الأصدقاء.
مشفى المواساة
وما يتوفر لطالبات الآداب رغم شحه قد لا يتوفر لغالبية طالبات الكليات العلمية حيث لا تسمح لهن ظروف الدراسة بالعمل لكن معظمهن يستثمرن الصيف في تطوير إمكانياتهن في مجال الدراسة، كطالبات الطب البشري اللواتي يطبقن ما تعلمنه خلال العام من معلومات نظرية بشكل عملي بالتدرب في المشافي فترة الصيف، وإجراء دورات اللغة، هذا ما قالته طالبة الطب البشري (هيام خليف- 23 عاماً) لتضيف زميلتها (ناريمان - 23 عاماً) على كلامها:( يبدأ دوامنا في العطلة الصيفية من التاسعة صباحاً حتى الواحدة ظهراً في مشفى المواساة لتطبيق ما نتعلمه خلال العام من معلومات نظرية، خاصة التي لا يتاح لنا تطبيقها عملياً في كليتنا كالإسعافات الأولية، ووخز الإبر وخياطة الجروح وغيرها، ونقوم بإجراء دورة لغة إنكليزية مساء).
أما طالبات السنة الأخيرة من نفس الكلية، فتختصر عطلة الصيف لديهن لمدة أسبوع، حيث تقول سماح: بين إجراءات النقل من وحدة سكنية إلى أخرى، ومناقشة مشروع التخرج، والمعسكر الإنتاجي، إضافة للتدرب في بعض المشافي كالمواساة، والأسد الجامعي، ومشفى الأطفال من الساعة الثامنة والنصف حتى الثانية عشرة، لم يبق لي من الصيف سوى أسبوع أمضيته دون عمل أو دراسة مع الأهل في طرطوس.
مجال عمل جديد
ليست الحاجة لدخل من العمل هي ما تدفع بعض الطالبات للعمل مع الدراسة وإن كانت نسبتهن قليلة، وإنما الرغبة في العمل وتحقيق الاستقلال المادي والاعتماد على النفس، والتعرف على حياة جديدة ومختلفة عن الحياة الطلابية، وعلى مجالات عمل جديدة... (داليا مسلم- 22 عاماً) طالبة في كلية الهندسة الزراعية سنة رابعة تقول: (مع أن حالة أهلي المادية جيدة، ولست بحاجة للعمل لكنني أحببت أن أقوي شخصيتي وأعتمد على نفسي بالعمل، وأنا سعيدة كوني أتعرف على زوايا جديدة من المجتمع وشرائح مختلفة منه، ومجال عمل مختلف عن مجال دراستي، فأنا أعمل في شركة اتصالات يعتمد العمل فيه على الخبرة في مجال الكمبيوتر واللغة الإنكليزية، من الساعة العاشرة صباحاً حتى الثالثة ظهراً، ومن الرابعة حتى التاسعة مساء).
ورغم الوقت الطويل للعمل لكنه لم يصرف داليا عن ممارسة أنشطة وهوايات مختلفة تقوم بها (كنت أقضي الصيف عادة في ممارسة الرياضة في بعض الأندية كنادي الجلاء، ولاسيما رياضة السباحة والدراجات، فأنا أشارك منذ ثلاثة عشر عاماً ببطولات السباحة التي تجري في البحر على صعيد القطر، وحائزة على المركز الثالث في رياضة السباحة، والمركز الخامس في رياضة الدراجات فئة السيدات، ومع بداية العمل في الشركة خصصت عطلة الأسبوع للسباحة).
بين الوحدات
بعض الطالبات لا ينسجمن مع ظروف الإقامة في السكن الجامعي، ولا تسمح لهن الإمكانيات المادية من الإقامة خارج أسوار المدينة الجامعية، وهذا ما يؤثر سلباً على استثمار وقتهن سواء بالدراسة أو العمل وتطوير إمكانيتهن العلمية، تقول (رنا - 25 عاماً): المدينة الجامعية لم تقدم لي الاستقرار والراحة، لم تقدم لي سوى العذاب النفسي وانشغال الذهن، وهذا ما جعلني أتأخر دراسياً، ولم أتمكن من إيجاد العمل المناسب لأن فرصته تحتاج إلى تطوير الإمكانيات من حيث علوم الحاسب واللغة الإنكليزية، فهذه الصيفية مثلاً قررت الإدارة الكريمة تسكيننا في الوحدة الخامسة، فنقلنا إاليها أشياءنا من الوحدة الرابعة مكان سكننا الشتوي، وبعد مضي عشرين يوماً، تذكرت أن هذه الوحدة يجب أن ترمم في الصيف، فقاموا بترحيلنا منها إلى الوحدة السابعة مكان إقامتنا الحالي، وبذلك نكون قد أمضينا أكثر من نصف العطلة الصيفية ونحن نتنقل بين الوحدات، هذا عدا عن الرسم الجديد الذي فرض على طلاب السكن الجامعي 4000 آلاف ليرة سورية في الشتاء، وألف في الصيف، دون وجود حد أنى من الخدمات وظروف العيش المحترم.
طالبات كلية الفنون الجميلة يوصلن الصيف بالشتاء، ولا ينقطعن عن الدوام فترة الصيف الذي يعد موسماً غنياً لتنفيذ ومناقشة الأعمال الفنية، مشاريع التخرج لطلبة السنة الأخيرة، فتحاول طالبات السنوات الأخرى الاستفادة من حصيلة سنوات الدراسة لزملائهن في السنة الأخيرة، كحال (إيمان صبح -21 عاماً) طالبة في السنة الثانية، إذ تقول: هذا العام لم أرغب بالانقطاع عن أجواء الطلبة والكلية، حيث الدوام مستمراً في العطلة الصيفية لتنفيذ ومناقشة مشاريع التخرج، لذا بقيت في المدينة الجامعية لأداوم مع بعض الزملاء من السنة الأخيرة، لأستفيد من تجربتهم، ولأنفذ بعض الأعمال الخاصة بي.
ليس الدوام في الكلية فقط ما يشغل وقت إيمان فقد أنهت في أول شهر من الصيف دورة لغة فرنسية، ودورة كمبيوتر، وحتى في أيام العطلة تحضر بعض الأعمال الفنية إلى سكنها في المدينة الجامعية لأنها لا تحتمل البقاء دون عمل.
دورات اللغة الإنكليزية وعلوم الكمبيوتر، هاجس غالبية الطالبات من أجل فرص عمل أفضل، ولاسيما الفروع الدراسية التي لا تلتزم الدولة بتوظيف خريجيهم، وحتى الطالبات اللواتي يعملن يخصصن جزء من وقتهن في الصيف لتلك الدورات لتطوير كفاءاتهن العملية.. (فرح النايف- 23 عاماً)، سنة ثالثة تاريخ، من محافظة دير الزور، مع أن محافظتها بعيدة والصيف عادة فرصة لرؤية الأهل بعد عام كامل من الغياب عنهم، لكنها تبقى في العطلة الصيفية في السكن الجامعي، لإجراء تلك الدورات، حيث تقول: أجري حالياً المستوى الثالث في اللغة الإنكليزية، ودورة محادثة في معهد اللغات، وأقوم بتدريس مجموعة من الطلاب في المرحلة الإعدادية لغة إنكليزية، لأن لغتي قوية وأهتم بها منذ الصغر لأتمكن من تأمين فرصة عمل في المستقبل، خاصة أن الفرع الذي أدرسه وظيفته غير مؤمنة.
وكذلك (نجوى أيوب- 23 عاماً) طالبة سنة ثانية في قسم الترجمة التي رأت أن عليها أن تطور نفسها في مجال الكمبيوتر والمحادثة قبل أن تفكر بالعمل، ولديها مشروع سفر إلى اليونان لمدة ثلاثة أشهر لتطوير لغتها الإنكليزية.
في حين أن بعض الطالبات يفضلن قضاء العطلة في البيت بين الأهل، وفي زيارة الأقارب والأصدقاء، وملئ وقت الفراغ بالمطالعة والتحضير لمنهاج العام الدراسي القادم، كحال (نجوى منصور-23) طالبة أدب فرنسي، تقول: (لا أصدق كيف ينتهي العام الدراسي والامتحانات لأذهب إلى بيتي في السلمية، فأقضي العطلة الصيفية مع أهلي وأخوتي، فأزور معهم أقاربنا وأرى أصدقائي، وفي أوقات الفراغ أقرأ بعض القصص، وأطالع الروايات المقررة في منهاج العام الجديد، كـ (الأميرة دغليف) ، و(الطاعون) لفيكتور هيغو، و(الغثيان)، إضافة لدورات الكمبيوتر.
لقاء الحبيب
(كارمن-25 عاماً) طالبة أدب فرنسي، تخصص العطلة الصيفية لرؤية خطيبها الذي يدرس في الجزائر، ويأتي إلى سورية في العطلة الصيفية، لذا فهي تؤجل كل مشاريع الصيف إلى الشتاء، وتكتفي في العطلة الصيفية بلقاء حبيبها وحسب.
وهكذا تعد عطلة الصيف موسماً خصباً غنياً بالنسبة لغالبية طالبات الجامعة بدلاً من أن تكون فترة للراحة والترويح عن النفس بعد عام كامل أمضياه في الدراسة، فعادة ما تستغل هذه الفترة في إجراء الدورات، وتطوير أنفسهن سواء في مجال دراستهن أو في مجالات أخرى تتيح لهن إيجاد فرصة عمل جيدة في المستقبل.
الجمل
إضافة تعليق جديد