استمرارعمليات الجيش في حمص والمسلحون يعرقلون عودة المهجرين
لا يزال الهدوء الحذر يخيم على مدينة حمص وسط أصوات متقطعة لرشقات نارية تسمع من حي لآخر، وحسب الأهالي فإن القوات الأمنية لا تزال تلاحق عدداً من المسلحين في أحياء مكتظة بالسكان والشوارع الضيقة يلجأ إليها هؤلاء هرباً من عناصر الجيش.
وقالت عدة مصادر أن العمليات الأمنية نوعية ودقيقة للغاية ويتعمد فيها الأمن إلقاء القبض على المسلحين أحياء وتفادي وقوع مزيد من الخسائر في صفوف الأبرياء الذين روعهم المسلحون طوال الأسابيع الماضية وقتلوا عدداً كبيراً من سكان المدينة ونكلوا بجثثهم.
وقال الأهالي: إن الجيش لا يزال منتشراً في حمص لحماية الأهالي والفصل بين الأحياء لكن بأعداد أقل، في حين تعقد يومياً اجتماعات لوجهاء المدينة ومشايخها مع أهالي الأحياء في مبادرة لإزالة الاحتقان وعودة الألفة والحياة الطبيعية التي كانت تعيشها حمص منذ أربعة أشهر.
ومع تحرك الجيش والدولة ووعود المحافظ بملاحقة القتلة ومحاسبتهم، بدأت النفوس تهدأ في حمص ما فتح المجال أمام مبادرات المصالحة بين الأهالي.
وقال أحد وجهاء حمص، فضل عدم الكشف عن هويته في الوقت الحالي: «هناك لقاءات يومية بين مختلف الفعاليات ونجح البعض في إزالة الاحتقان في عدة مناطق والجميع عازم على نبذ الفتنة والحفاظ على المحبة بين أهالي المدينة الواحدة»، رافضاً في الوقت ذاته أي حديث عن حرب أهلية في المدينة، وقال: «أهالي حمص يد واحدة وجميعهم أخوة، قد يحصل سوء تفاهم أو استفزاز من قبل شبان عددهم محدود لكن هذا لا يعني إطلاقاً أن تكون حمص تحولت إلى ساحة لتصفية الحسابات».
وأضاف: «حصلت عمليات قتل شنيعة وغير مقبولة على الإطلاق لكن لا يجوز اتهام طائفة أو حي بهذه الجرائم غير الإنسانية»، مشيراً إلى أن «الدولة تحركت بفاعلية وتمكنت من إلقاء القبض على العديد من القتلة ومثيري الفتن والمحرضين عليها وصادرت كميات من الأسلحة والقنابل».
وقال سكان إن الجيش والقوات الأمنية تمكنا من توقيف عدد كبير من المسلحين ومصادرة كميات من الأسلحة إلا أن العديد من المسلحين لا يزالون مختبئين في جيوب محصنة داخل أحياء المدينة ويعمل الأهالي بالتعاون مع الجيش والقوى الأمنية على إخراجهم وتسليمهم.
وتشهد أسواق حمص حركة محدودة نتيجة خوف التجار وأصحاب المحال من المسلحين الذين سبق لهم أن خطفوا شباناً في مقتبل العمر من السوق وأعادوهم إما جثثاً وإما في حالة صحية يرثى لها، حيث تعرضوا للضرب المبرح بتهمة «المشاركة بمسيرات داعمة للإصلاح».
ولم يسجل أمس في حمص سقوط أي ضحايا أو شهداء، ما يؤكد نوعية العمل الذي تقوم به الأجهزة الأمنية والجيش.
وفي حماة استمرت الحياة طبيعية، كما استمر التذبذب في عدد المهجرين العائدين من المخيمات التركية صعوداً وهبوطاً نتيجة بعض الصعوبات من قبل الجانب التركي، خاصة قلة وسائط النقل وضغط المجموعات المسلحة، استمرت عودة المهجرين من تركيا إلى جسر الشغور وريفها وإلى محافظات أخرى ولكن بتراجع ملحوظ في العدد، من ناحية أخرى شيع من المشفى العسكري بحمص يوم أمس ثلاثة شهداء من قوى الجيش إلى مدنهم وقراهم بالمراسم اللائقة.
وبيّنت مصادر مطلعة في جسر الشغور بأن مجموع عدد المهجرين العائدين بلغ نحو 8000 مواطن من أصل نحو 15000 مهجر أعلن عنهم الجانب التركي، منهم نحو 3000 مواطن من مدينة جسر الشغور وباقي مناطق المحافظة و5000 مواطن من محافظات أخرى كدرعا واللاذقية وبانياس، حيث لجأ المسلحون من أجل تشويه صورة البلد إلى تهجير الآلاف من المواطنين من عدة محافظات، وقد سرت إشاعات آنذاك بأن المجموعات المسلحة يمكن أن يدفعوا 20 ألف دولار لكل عائلة من أجل تهجيرها إلى تركيا. وسجل الأسبوع الحالي تراجعاً ملحوظاً بأعداد المهجرين العائدين إلى جسر الشغور وريفها، فقد عاد يوم أمس 90 مواطناً في حين لم يعد يوم الثلاثاء سوى عائلة واحدة من 9 أفراد، وذلك بعد أن كان عدد المهجرين العائدين يوم الاثنين 80 مواطناً. وبين بعض العائدين أن هناك في المخيمات التركية نحو 700 مواطن مسجلين منذ أسبوع من أجل العودة ولكن حتى الآن لم يتمكنوا من العودة، وبين آخرون بأن هناك محاولات مستميتة من قبل بعض المسلحين المطلوبين من أجل إبقاء أكبر عدد من المهجرين في المخيمات التركية.
وفي حماة، استمرت الحياة طبيعية، بينما واصلت المصالح العامة والخاصة في المدينة نشاطها المعتاد، وأفادت مصادر أن المدينة لم تشهد أي حادث خلال يوم أمس، وبدت الحركة في الأحياء السكنية والأسواق على نسقها الطبيعي.
جاء ذلك على حين شيعت من مشفى حمص العسكري أمس جثامين ثلاثة شهداء من الجيش والشرطة استهدفتهم تنظيمات إرهابية مسلحة في حمص إلى مدنهم وقراهم.
والشهداء هم العريف المجند علي ثابت ديوب من اللاذقية، والجندي المتطوع رامي عصام مصلى من حمص، والشرطي محمد سامي عيسى من طرطوس.
من جهة أخرى جددت وزارة الخارجية السورية تعليماتها للبعثات الدبلوماسية في البلاد بشأن طلب موافقة مسبقة من الخارجية لكل الدبلوماسيين الراغبين في التنقل في أرجاء البلاد، مجددة في ذات الوقت التزامها باتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية ولاسيما المادة 41 منها، مطالبة الجميع الالتزام بها أيضاً.
وقال مصدر دبلوماسي غربي أن معاون وزير الخارجية والمغتربين السوري عبد الفتاح عمورة سلم عميد السلك الدبلوماسي في سورية وهو السفير الروماني حالياً رسالة بشأن مضمون المادة 41 من اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية بغرض تعميمها على أعضاء السلك الدبلوماسي في دمشق.
وأكدت الخارجية في رسالتها التزام دمشق باتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية وخاصة المادة 41 منها، داعية «جميع السفارات والبعثات والمنظمات والممثليات
المعتمدة لدى سورية الالتزام بها وتطبيقها». حيث تنص الفقرة الأولى من المادة 41 من اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية لعام 1961 على أنه «مع عدم المساس بالمزايا والحصانات، على الأشخاص الذين يتمتعون بها احترام قوانين وأنظمة الدولة المعتمدين لديها، وعليهم كذلك واجب عدم التدخل في الشؤون الداخلية لتلك الدولة»، بحسب نص الاتفاقية المنشور على الموقع الرسمي للأمم المتحدة.
وتبين الرسالة أن الخارجية السورية أرسلت تعاميم إلى جميع السفارات، وطلبت أخذ موافقة مسبقة من وزارة الخارجية على أي زيارة ينوي أي من الدبلوماسيين القيام بها، مشيرة إلى عدم التزام السفيرين الأميركي والفرنسي بهذه الفقرة بزيارتهما إلى مدينة حماة، خاصة في ظل الظروف الراهنة التي تمر بها البلاد.
وتضيف الرسالة مؤكدة ما أعلنه وزير الخارجية والمغتربين وليد المعلم من أن سفر الدبلوماسيين إلى أي جهة خارج دمشق يتطلب الحصول على موافقة مسبقة من وزارة الخارجية، الإجراء الذي كان يسير بشكل روتيني حتى تم خرقه بزيارة السفيرين الأميركي والفرنسي إلى حماة، وأن السلطات السورية المعنية مصممة على تطبيق هذا الإجراء من باب الحرص على أمن المبعوثين الدبلوماسيين، أما بخصوص الاعتداء على حرم السفارتين الأميركية والفرنسية، فتشير الرسالة أن المعلم قد أعلن أن ذلك كان خطأ سيتم معالجته في إطار اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية، وتؤكد أن السلطات المعنية في سورية تقوم بحماية السفارات وبتأمين عناصر حماية ثابتة ودائمة أمام مقارها، خلافاً لما تفعله دول كثيرة في أوروبا.
المصدر: الوطن
إضافة تعليق جديد