الثريات الدمشقية: صناعة عريقة وصلت شهرتها لمختلف أنحاء العالم
يزخر السوق المحلي اليوم بأنواع مختلفة الحجوم والألوان والتصاميم من الثريات الدمشقية وباتت شوارع كالنصر وباب الجابية وفخري البارودي هي الأبرز والأشهر في توثيق وإشهار هذه الصنعة من خلال ما تبرزه صالات البيع فيها وسط منافسة محمومة مع الثريات المستوردة كالصينية والتركية والإماراتية المتميزة برخص ثمنها مقارنة بالسورية التي غالبا ما كان زبائنها أكثر تخصصا بدءا من الدبلوماسيين وبعض السياح والمساجد والكنائس والفلل والقصور والفنادق باعتبارها تظهر براعة صناعها ومهارتهم وابداعهم في تصاميم جديدة تناسب كل الأذواق والأماكن.
ويعكس قدم هذه الصناعة واجادة صناعها حرصهم على إرضاء أذواق مقتنيها وان ارتفع سعرها تبقى معهم كتحفة لا غنى عنها تظهر انسجاما وعراقة في التصاميم وتبرز روح الشرق وفنونه وعراقة حرفييه وقد يرثها الأبناء كما ورث حرفيو اليوم صناعتهم من أجدادهم.
واستفادت الثريات الدمشقية من فرص الانتشار حديثا عبر شبكات الإنترنت والدعاية والتلفزة وبات القائمون على الصنعة يرسلون رسائلهم إلى كل الاتجاهات ويذكرون من نسي بأهمية حيازة ثريات دمشقية ذات الجودة بالصنعة والمهارة في التصميم كما وصلت الرسائل الإلكترونية إلى تقديم الخدمات والعروض سواء بما احتوته المعارض من آخر المبتكرات والموديلات أو لجهة استعداد بعض الحرفيين لإعادة الحياة للثريات الدمشقية التي أصابتها السنوات بالتآكل أو القدم وهو ما يؤكد استمرار هذه الحرفة ونية القائمين عليها على التجديد والاستفادة من كل ما يخدمها ويبقيها في واجهة التداول للباحثين عن الفخامة في محتويات المنازل أو الفنادق وحتى دور العبادة.
وفرضت ظروف انفتاح السوق المحلي على السلع المستوردة حالة من التنافس الشديد محفزة أرباب صناعة الثريات وتجارها لإبراز مهاراتهم في الالوان والتصاميم والتزيين بالاكسسوارات بدءا من الكريستال باصنافه ووصولا للطلي بالذهب والفضة مستفيدة مما تعرضه المعارض العالمية وتبدل حالة الزبائن واذواق الراغبين.
واشتهر الحرفيون الدمشقيون ومنذ مئات السنين بمهاراتهم العالية وتفننهم بتصنيع الثريات التي كانت تزين الصالونات الدمشقية القديمة وكانوا يصنعونها بشكل يدوي حيث يمتزج فيها قماش الدامسكو مع النحاس بشكل أنيق وجميل لتنتشر اليوم محلات كثيرة تبيع هذه المنتجات القديمة وتخصص لها مساحات وزبائن تشتهر احيانا بالانتيكا.
ومع دخول الكهرباء لمدينة دمشق قبل 100عام استفاد الحرفيون الدمشقيون من الإنارة الصناعية لتشكيل وتصميم أنواع جديدة ومتميزة من الثريات فدخل الحديد والألمنيوم في صناعة الثريات، ودخل الكريستال أيضا الذي تم تطويره من قبل الحرفيين الدمشقيين حسب مصدره، اضافة الى تنويعات اخرى كادخال الزجاج المنفوخ يدويا والزجاج المعشق الملون أما طراز الثريات اليدوية فغالبا ما يدخل فيها خيال العامل الحرفي حيث لا يوجد طراز يشبه الآخر ومعظم الورشات تحاول ابتكار تصاميم من إبداع عامليها.
وتقسم الثريات لأربعة أنواع السكب والأكواع وفيها إضاءة وكريستال والكلوبات والناعم أما الأقطار فتتنوع حسب المكان فهناك أقطار من 30 سم وتدور حتى يصير قطرها عشرة أمتار وهي خاصة بدور العبادة والصالات الكبيرة.
ويبين مسلم جلنبو مدير احدى الصالات في شارع النصر ان أكبر ثريا صنعت في دمشق ضمت 150 مصباحا وبعدة طبقات وكانت لاحد دور العبادة لافتاً إلى ان الثريات الدمشقية لا تزال مرغوبة حتى بظل ارتفاع اسعارها مقارنة بالمستورد فغالبية زوار دمشق القديمة والباحثين عن تذكار شرقي يخلد زيارتهم يقصدون سوق الثريات ويصرون على الصناعة السورية باعتبارها تقدم طرازا شرقيا وزخارف مميزة وخصوصية للثريات وبشكل خاص الفنون الشرقية التي حافظ عليها حرفيو دمشق اضافة لوجود لمحات فنية تعكس مهارة الحرفي السوري.
ويلفت جلنبو إلى ان صالات الثريات استفادت من الورش الصناعية المنتشرة في محيط مدينة دمشق وخصوصا لجهة التلبيس بالفضة والبرونز والذهب للثريات إضافة للبخ والشي الحراري للمحافظة على زخارف الثريات وينتج المهرة اليوم ثريات مختلفة الألوان والاحجام والموديلات بدءا من الشرقي إلى الكلاسيكي والحديث مبينا ان الأسعار تختلف بحسب المواد الداخلة فالكريستال تختلف أسعاره اذا كان صينياً أو مصرياً أو حلبياً أو نمساوياً إضافة للتلبيس بالذهب والحجم والطبقات أو ادخال الوان جديدة لم تكن سابقا بدءا من الموف والعسلي والأحمر المطلي بالبرونز والزهر والكلاسيكي والكروم.
وأشار إلى بعض التصاميم التي يصل ثمنها إلى 5ر1 مليون ليرة سورية وهي غالبا تصدر إلى الفنادق وقاعات المؤتمرات نظراً لكبر حجمها.
من جانبه يشير عبد الملك المصري صاحب احدى الورش لصناعة الثريات إلى ان ثمة تراجعا في الطلبيات التي كانت كثيرة قبل دخول المنتجات المنافسة وخصوصا الصيني منها والذي تكثر اعطاله ولا يدوم ربع عمر الدمشقي اذ سرعان ما يصيب العطب أجزاءه بدءا من التلبيس ووصولا للمصابيح الكهربائية مؤكدا ان العائلات الدمشقية حافظت على صناعة الثريات كواحدة من المهن المميزة التي تجلب مزيدا من الزبائن وتحفظ اسم العائلة إضافة لقدرتها على جلب مداخيل اقتصادية جيدة في كل مراحلها.
ورأى المصري ان حماية هذه الصنعة ومهرتها يتوجب تخفيض الضرائب المفروضة على مكونات واكسسوارات الثريات بما ينعكس على أسعارها ورواج الصناعة السورية التي تحمل روح الشرق العربي وخاصة في ظل المنافسة التي اصبحت تتحكم في هذه الصنعة.
وأوضح المصري ان مصنوعات ورشتهم سبق ودخلت السوق العربية والعالمية لتميزها في هذا المجال بتقديم منتج عالمي بأعلى مستويات الجودة وأجمل التصاميم والأشكال وبأكبر القياسات وبإتباع أحدث تقنيات الإنتاج و إحداث تطوير وتغيير أساسي في صناعة الثريات بما يستجيب غالبا للتصميم المعماري وسعة البهو وتوزع الزوايا والانارة .
ويعتبر محمد النعيمي احد العاملين بمهنة صناعة الثريات ان المنتج اليوم يواجه اشكالية عدم معرفة الزبون لكل التفاصيل وغياب ثقافة كافية للتمييز بين الأصلي والتقليد مبينا ان الكريستال المتدلي من اعمدة الثريات متفاوت الجودة والسعر والنوعية بحسب مصدره منوها بانه لا بد من ظهور سبعة الوان عند تعريض الكريستال الاصلي للشمس وكل حبات الكريستال النقي الخالص فيها نسبة رصاص 30 بالمئة إضافة إلى نوعيات النحاس او تلبيس الكروم الذي لا يعرفه الزبون بل يتطلع في غالب الأحيان إلى مقارنات سعرية وهو ما يروج للثريات المستوردة الرخيصة الاثمان مقارنة مع الدمشقية.
ويدافع النعيمي عن سر المهنة الباقية بالاشارة إلى ضرورة توفر عوامل نجاحها بتشجيع الحرفيين أولا وتوفير منافسة عادلة وتعزيز ثقافة المستهلك ليبقى للثريات الدمشقية سرها ورواجها وبقاؤها رغم وجود المنتجات المنافسة.
تقرير: محمد العويد
المصدر: سانا
إضافة تعليق جديد