سيناريوهات الاحتجاجات الروسية والانقسام الأوروبي تجاهها
الجمل: تشهد الساحة السياسية الروسية استمراراً متواتراً في فعاليات الحدث الاحتجاجي السياسي، الذي انطلقت وقائعه على خلفية نتائج الانتخابات البرلمانية العامة الروسية التي جرت في مطلع شهر كانون الأول (ديسمبر) 2011م الحالي: فما هي محفزات استمرار الفعاليات الاحتجاجية وإلى أي مدى سوف تؤثر على حسابات الفرص والمخاطر المتعلقة بالاستقرار الروسي، وإلى أي مدى سوف يستطيع الكرملين احتواءها. وما هو دور الأطراف الثالثة الخارجية وما هي تداعيات الاحتجاجات الروسية على الأوضاع الداخلية والإقليمية والدولية؟
* الحدث الاحتجاجي السياسي الروسي: توصيف المعلومات الجارية
تقول المعلومات والتقارير بأن فعاليات الحدث الاحتجاجي السياسي الروسي، قد انطلقت على خلفية إعلان نتائج انتخابات مجلس الدوما الروسي، وتحديداً عندما برزت النقاط الأساسية التي شكلت محفزات الحدث، وذلك على النحو الآتي:
• تزايد غضب الجماعات السياسية الليبرالية الروسية إزاء نتيجة الانتخابات العامة والتي حصل فيها حزب روسيا المتحدة الذي يتزعمه بوتين على حوالي 52% من المقاعد، إضافة إلى حصول الحزب الشيوعي الروسي على حوالي 20% من المقاعد.
• تزايد التصريحات الأمريكية والأوروبية الغربية التي سعت منذ البداية إلى وصف نتيجة الانتخابات بعدم الصحة، وبأنها مزورة بسبب التلاعب الذي حدث في مراحل التسجيل والاقتراع وفرز الأصوات.
هذا، وأضافت التقارير والمعلومات، بأن الفئات والشرائح الاجتماعية التي انخرطت بكثافة في حركات الاحتجاجات السياسية الروسية، تضمنت الآتي:
• الأعداد الكبيرة من المواطنين الروس الذين ينتمون إلى الطبقة الوسطى وأصحاب الدخل المحدود.
• أنصار التيار القومي الاجتماعي الروسي.
• أنصار التيار الليبرالي الروسي الجديد المرتبط بالتوجهات السياسية الأمريكية والأوروبية الغربية.
أشارت التقارير والتسريبات إلى أن فعاليات الحدث الاحتجاجي السياسي الروسي ما تزال حتى الآن تتسم بقدر كبير من الشكوك واللايقين، وذلك بسبب ظاهري واضح وهو: إن حجم الاحتجاجات السياسية الروسية الجارية حالياً ليس بالقدر الكافي لجهة إسقاط النظام أو حتى لإجبار الكرملين على التراجع وإبطال نتيجة الانتخابات، وفي نفس الوقت من غير المعروف إن كانت هذه الفعاليات الاحتجاجية سوف تستمر أو تتوقف، أو سوف يزداد حجمها، أم سوف يتراجع، ولكن برغم ذلك، فإن اللافت للنظر يتمثل في الاهتمام الأمريكي والغربي الأوروبي لجهة القيام بعمليات التضخيم السياسي والإعلامي لفعاليات الحدث الاحتجاجي الروسي.
* سيناريو الحدث الاحتجاجي السياسي الروسي: المعطيات الجارية
سعى العديد من الخبراء إلى محاولة ترسيم مسارات الحدث الاحتجاجي السياسي الروسي، وفي هذا الخصوص أشارت أبرز الترسيمات إلى الآتي:
• سيناريو "كرة الثلج": يراهن بعض الخبراء على احتمالات حدوث هذا السيناريو على المدى القصير، ويستندون لجهة إثبات مصداقية هذا السيناريو على أساس اعتبارات أن فعاليات الحدث الاحتجاجي السياسي الروسي الجارية حالياً تستند بشكل أساسي على عاملين، الأول هو تأثير الطبقة الوسطى الروسية، والتي ظلت طوال السنوات الماضية وهي تعاني بشكل غير مسبوق من سياسات خصخصة الاقتصاد إضافة إلى تزايد نفوذ قطاع رجال الأعمال الروسي، والثاني هو تأثير الاستخدام المتزايد لوسائل التواصل الاجتماعي، بما أدى بدوره إلى تحريك الدعاية السياسية وعمليات التعبئة السلبية الفاعلة بواسطة الفيس بوك، والتويتر، وغيرها من مواقع شبكة الانترنت. وتأسيساً على ذلك، فإن فعاليات الحدث الاحتجاجي السياسي الروسي، سوف تستمر وسوف يزداد حجمها بمرور الأيام على غرار "كرة الثلج المتدحرجة".
• سيناريو "كبش الفداء": بسبب الانخراط الكبير للجماعات اليمينية، وجماعات التيار القومي الاجتماعي الروسي، يراهن العديد من الخبراء على احتمالات أن تتصاعد أعمال العنف المادي والرمزي ضد الأقليات الروسية، وأيضاً ضد الغرباء والأجانب، بما يتيح استخدامهم ككبش فداء، خاصة أن نزعة العداء للغرباء والأقليات قد تزايدت بشكل ملحوظ خلال السنوات الماضية. وتشير التوقعات إلى أن سيناريو كبش الفداء يمكن أن يتحقق ولكن إذا استمرت الاحتجاجات لفترة أطول دون جدوى، بما يجعل المحتجين يقومون بفعل ضغوط الإحباط بالمزيد من الاعتداءات ضد الأجانب والأقليات.
تقول التسريبات بأن السلطات الروسية، وتحديداً الكرملين، ما زالت تبدو وهي أكثر ثقة بإمكانية احتواء الاحتجاجات السياسية الروسية، وذلك وفق الإجراءات العلاجية الآتية:
• إجراء التحقيقات اللازمة لجهة التدقيق في نتائج الانتخابات، وتحديداً في الدوائر الانتخابية التي أشارت إليها أصابع الاتهام بأنها شهدت تزويراً.
• استخدام الردع المبكر ضد الأطراف الخارجية المتورطة في دعم فعاليات الاحتجاجات، وفي هذا الخصوص تقول التسريبات بأن روسيا قد تلجأ لاستخدام سلاح إمدادات الغاز والنفط الروسي إذا تزايدت الاستهدافات الخارجية.
حالياً، توجد حالة انقسام كبيرة في أوساط دول الاتحاد الأوروبي، وفي الوقت الذي سعت فيه فرنسا وبريطانيا لجهة الوقوف إلى جانب واشنطن في تبني المواقف المعادية فإن ألمانيا والعديد من دول شرق أوروبا السابقة المنضوية ضمن الاتحاد الأوروبي سعت إلى المطالبة بضرورة التحرك السريع من أجل احتواء الأزمة عن طريق معالجة الخلل الانتخابي، وبرغم عدم توافر المؤشرات القائلة بأن الاحتجاجات السياسية الروسية سوف تتطور بشكل خطر، فإن اللافت للنظر والمثير للاهتمام، أن فعاليات الاحتجاجات ظلت تأخذ شكلاً صغير الحجم خلال الأسبوع الأول، ولكنها خلال اليوم الثامن والتاسع، شهدت تزايداً في الحجم ودقة التنظيم إضافة إلى العدوانية الحادة، وبالذات في المدن الكبرى والمناطق الواقعة شمال غرب موسكو!
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد