أردوغـان يتحـدث عـن بلـد آخـر
أظهرت الأرقام الاقتصادية الأخيرة عن تركيا استمرار تقدمها لتكون من بين النمور الاقتصادية الجديدة في العالم. فالناتج القومي غير الصافي ارتفع من 616 مليار دولار عام 2009 إلى 734 مليارا عام 2010، واليوم يحقق 800 مليار دولار عن العام 2011.
وتحقق نمو بنسبة 8،2 في المئة، لتكون الدولة الثانية في العالم التي تحقق هذه النسبة بعد الصين التي بلغ نموها عن العام الحالي 9،1 في المئة. فيما ارتفع متوسط الدخل الفردي 239 دولاراً عن العام الماضي ليصل هذا العام إلى 10761 دولاراً.
ومع أن وزير الاقتصاد التركي علي باباجان يتوقع أن يكون الاقتصاد التركي في العالم المقبل الأكثر نمواً في أوروبا فإن بعض المحللين الاقتصاديين يتخوفون من أن يعقب ذلك هبوط حاد في النمو، ما يرتد سلباً على الاقتصاد التركي في السنوات المقبلة، على اعتبار أن النمو في الاقتصاد ناتج بشكل أساسي من الطلب الداخلي لا الخارجي، وفي ذلك مخاطر كبيرة على حدوث ردة فعل عكسية.
في مقابل هذه الصورة الوردية في التنمية الاقتصادية تلف صورة تركيا في «التنمية السياسية» ظلال كثيرة، ولا سيما من جانب الاتحاد الأوروبي، الذي امتلأ تقريره الأخير عن تركيا بانتقادات لسياسة حكومة رجب طيب اردوغان حول الحريات السياسية والفكرية.
إذ انه وفي سياق التضييق على نشاطات حزب العمال الكردستاني أطلقت الحكومة التركية أوسع حملة اعتقالات في صفوف المثقفين والفنانين والنقابيين والناشطين السياسيين، بتهمة التعاون مع حزب العمال الكردستاني ودعم «الإرهاب». ومن هؤلاء المعتقلين مخرجون سينمائيون وكتّاب بارزون وأساتذة جامعات ونساء.
وتقدّر جهات تركية عدد المعتقلين الذين يمكن وصفهم بالمعتقلين السياسيين بأكثر من ثلاثة آلاف شخص. وهو رقم كبير جداً في بلد يرفع شعار الديموقراطية، وفي مفاوضات مباشرة لعضوية الاتحاد الأوروبي.
وباتت مقارنة وضع الحريات الصحافية والسياسية في تركيا في عهد حزب العدالة والتنمية مع وضعها في عهود الوصاية العسكرية أمراً شائعاً و«عادياً».
وجاءت رسالة اردوغان في الذكرى 63 لوضع إعلان حقوق الإنسان العالمي مغايرة لما هو جار في تركيا، بحيث أن الكاتب سميح ايديز في صحيفة «ميللييت» شكك في أن يكون اردوغان يتحدث عن تركيا بل عن بلد آخر.
يقول أردوغان في رسالته «إن تركيا، مع كل يوم يمر، تصبح في وضع النموذج في المنطقة والعالم في ارتباطها بالديموقراطية وحقوق الإنسان ودولة القانون».
ويعقّب ايديز على هذه الجملة بالقول إنه «أمر مأساوي حقاً أن يتكلم عن هذا الأمر اردوغان الذي تلقى جائزة (العقيد الليبي معمر) القذافي لحقوق الإنسان، ولم يعدها في ذروة الأزمة الليبية».
ويقول ايديز إنه «لكي نفهم وضعنا في مجال حقوق الإنسان هناك حاجة لقراءة كل التقارير التي صدرت من المنظمات الحقوقية الدولية وآخرها تقرير الاتحاد الأوروبي السنوي الرسمي». ويوضح أن الدولة الثانية التي تقدّم ضدها شكاوى إلى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان هي تركيا، إذ بلغ عدد الشكاوى في العام الماضي 15 ألفاً ومئتي شكوى، وفي العام 2011 ارتفع إلى 16 ألفاً وثمانمئة شكوى. وفد تثبتت المحكمة الأوروبية من صحة تسعين في المئة من الدعاوى التي درستها حتى الآن. ويقول إن التثبت من أوضاع حريات الصحافة في تركيا يجب ألا تقوم به الحكومة بل الإعلام الحر.
محمد نور الدين
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد