دافوس: اعتراف صريح بسقوط النظام الرأسمالي
اعترف كلاوس شواب، مؤسس منتدى دافوس الاقتصادي، بأن «النظام الرأسمالي انتهى»، لكنّ هذا الاعتراف لم يقنع حركات مناهضة العولمة، التي جاءت إلى دافوس، رغم التضييقات الأمنية المشددة، لإسماع صوتها إلى دوائر المال وأصحاب القرار السياسي والاقتصادي. ومثّل إقرار هذه الدورة من المنتدى الاقتصادي بسقوط النظام الرأسمالي مفاجأة كبيرة، فقد ظلت نخبة عالم المال والأعمال، طوال عقود، تبشر عبر هذا المنتدى بأن الرأسمالية الليبرالية هي الوصفة الوحيدة للدول التي تتطلع إلى معالجة أوضاعها الاقتصادية.
يمكننا القول إن منتدى دافوس لهذه السنة، بطرحه إشكالية البحث عن نظام جديد للعالم، كسر الحاجز النفسي لدى الكثير من القادة والمفكرين والباحثين، الذين طالبوا منذ سنوات بإعادة النظر في السير الحالي للنظام الرأسمالي، وخصوصاً بعدما تحول العالم إلى قرية صغيرة، لها سرعة التواصل والتأثر أيضاً، الحاجز كُسر، لكنّ الحل لن يكون غداً، ولن يستطيع المنتدى الاقتصادي العالمي أن يجد البديل في ظرف أربعة أيام وحتى أكثر. فالبحث عن نظام جديد يتطلب طول النفس.
رئيس المنتدى اعترف بأن الشارع في أوروبا سيتحرك لأنه لن يتحمل الضغوط الناتجة عن سياسات التقشف، وعلينا تقاسم الأعباء إذا أردنا أن نعبر بسلام من هذه المرحلة، وتحمّل مسؤولياتنا وعدم تأجيلها للأجيال المقبلة.
وسيطرت أزمة منطقة اليورو على أعمال المؤتمر، وتعرض القادة السياسيون للمنطقة لكل أنواع الانتقادات، بينها اتهامهم بعدم القدرة على تسيير الأزمة وحلها باتخاذ قرارات جريئة. ووصل النقد إلى درجة القول إن هناك تدهوراً كبيراً وملحوظاً لدور السياسيين الذين تنقصهم الجرأة والكاريزما، ويتركون المبادرة لدوائر المال والسمسرة تتحكم في مصائر شعوبهم.
مديرة صندوق النقد الدولي، كريستين لاغارد، جالت شوارع دافوس وممرات قصر المؤتمرات باحثة عمن يدعم الصندوق بـ 500 مليار يورو، حتى يتمكّن بدوره من إقراض الدول التي تعاني أزمة الديون السياديّة. ولم تجد لاغارد، حسب المعلومات المتداولة، إلا سويسرا، التي قبلت أن تمد الصندوق ببعض المال، لكن دون الإفصاح عن المبلغ قبل أن يوافق عليه البرلمان السويسري لاحقاً، كما توجه صندوق النقد الدولي إلى طلب المساهمة من بلدان أخرى عربية وغير عربية، وقد تسهم المملكة العربية السعودية بقسط، من جهتها، في انتظار بلدان أخرى مثل الهند والصين وروسيا.
الربيع العربي حضر في دافوس ليفرض نفسه على دورة هذا العام، وطالب القادة الجدد لدول الربيع العربي بأن يجري الاستثمار في بلدانهم التي عانت كثيراً من أنظمة رأسمالية متخلفة، صنعت الفقر والجهل، وخلقت مافيات نهبت مقدرات بلدانهم. ورأى القادة أنّ ما حدث في مصر وتونس وليبيا وبدرجة أقل في دول أخرى هو تعبير واضح عن رفض النظام الرأسمالي قبل أن يرفض في دافوس، وعلى العالم أن يعتبر مما حصل في البلدان العربية، كما طالب قادة الربيع العربي بأن تكون دولهم طرفاً في صياغة النظام العالمي الجديد على أسس تحقيق العدالة والمساواة، ويكون أكثر إنسانية من النظام الرأسمالي الحالي، الذي طُبّق في البلدان العربية لتستفيد منه جماعات قليلة استحوذت على كل المقدرات، تاركة بقية الشعوب تعيش في الفقر والحرمان والتجويع. وإذا كان صوت الربيع العربي قد وصل إلى دافوس، فليس من المؤكد في المقابل أن يؤثر هذا الصوت في الصياغة المنتظرة لنظام اقتصادي واجتماعي جديد.
جلسات المنتدى انتهت لتبدأ حركة الكواليس واللقاءات السرية، سياسية كانت أو اقتصادية، يتبعها إبرام صفقات تجارية بين مختلف الأطراف، كما يوفر منتدى دافوس العالمي للكثير من الوفود إمكان حصول لقاءات على مستويات عليا بين دول تبدو في الظاهرة عدوة. دافوس تعود إليها حركتها العادية لتتسع شوارعها للمارة كما كانت قبل بداية المؤتمر، الذي يجلب إليها عدداً كبير من الزوار، الذين تختنق بهم المدينة السياسية الصغيرة، ولتختفي من مظاهرها السيارات الفخمة التي رافقت زوار دافوس في الأربعة أيام الماضية.
لخضر فراط
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد