المرأة في أفغانستان … النصف الآخر من المجتمع
قام الكاتب ماريان بريمر طيلة أسبوعين بجولة عبر أفغانستان في فترة رأس السنة الفارسية. وفي مزار شريف وكابول تحدَّث إلى الناس بعيدًا عن الحرب حول آمالهم في السنة الجديدة وكيف ينظرون إلى التطوّرات السياسية في البلاد؟
من النادر أن يلتقي الرجل الذي يسافر وحده عبر أفغانستان بالنساء، حيث يعتاد المرء على الاتِّصال فقط بأبناء جنسه. وفي الوقت نفسه يتبادر لي هذا السؤال: ما هو وضع المرأة في الحقيقة في هذا البلد الذي كثيرًا ما يتم استخدامه كرمز لاضطهاد النساء؟ كان من المفترض في الواقع أن أطرح هذا السؤال على شابتين أفغانيتين لكنهما اعتذرتا. وبدلاً عن ذلك أجلس الآن مقابل المدافع عن حقوق المرأة ظفر صالحي الذي يبلغ من العمر خمسة وعشرين عامًا وقد دعاني إلى مركز "شابات من أجل التغيير" YWFC الذي يعدّ منظَّمة لحقوق المرأة في كابول. ويقع مقر هذه المنظَّمة في شارع فرعي يكاد يكون مخفيًا، داخل بناية خاصة فيها بوَّاب يهتم بفتح الباب وبتحضير الشاي. لا توجد في الخارج أية لوحة تشير إلى وجود هذه الجمعية، مثلما هي الحال في أغلب الأحيان مع المنظَّمات غير الحكومية هنا في كابول.
مستقبل غير مضمون بالنسبة للأفغانيات؟ تحسَّن وضع المرأة الأفغانية على الأقل في العاصمة كابول كثيرًا عما كان عليه قبل ثلاثين عامًا أخبرني ظفر صالحي لماذا يدافع عن المرأة قائلاً: "إذا كنت تريد إحداث تغيير في أفغانستان فلا يمكن لك ببساطة تجاهل النصف الآخر من المجتمع"، وأضاف أنَّ هذا بالتحديد ما حدث في العقود الأخيرة في أفغانستان وثم قال إنَّ "معظم ما يصيب النساء سببه غياب الوعي بحقوق المرأة لدى الرجال". تم تأسيس جمعية "شابات من أجل التغيير" في شهر نيسان/أبريل من العام الماضي 2011 ومن قبل الطالبتين أنيتا حيدري ونور جهان أكبر. وفي غضون فترة قصيرة التقت هاتان الشابتان بشابات من جيلهما، وثم قمن بتحديد التجاوزات وبتنظيم أنفسهن. وفي هذه الأثناء أصبح يعمل في هذه المنظمة بالإضافة إلى الناشطات الشابات عشرة ناشطين من الرجال. ويقول ظفر صالحي إنَّ "كلَّ عضو من أعضائنا يعرف أنَّه سيتعرَّض لتهديدات ومقاومة". وهذه المقاومة تصدر من أوساط محافظة يسيطر عليها الرجال.
وفي هذا الصدد يقول صالحي: "يخشى بعض الأشخاص من فقدان نفوذهم نتيجة نجاحنا"، وضيف أنَّه يأمل في أن يقوم رجال الدين بالدعوة إلى احترام المرأة بدلاً من ممارسة النقد. ذلك لأنَّ خطباء الجمعية ما يزال لديهم تأثيرًا كبيرًا على غالبية المواطنين، على الرغم من أنَّ نفودهم يتضاءل بشكل تدريجي. حتى وإن كان يوجد الآن عدد كبير من منظَّمات حقوق المرأة في كابول، إلاَّ أنَّ جمعية "شابات من أجل التغيير" تدخل عالمًا جديدًا في مجالات كثيرة، إذ قامت هذه الجمعية في اليوم العالمي للمرأة عام 2012 بافتتاح أوَّل مقهى إنترنت خاص "للنساء فقط" في كابول. ويبدو الإقبال على هذا المقهى كبير، والهدف من هذا المقهى هو توفر فضاء للنساء يستطعن الجلوس فيه مع بعضهن وبمفردهن على نحو يختلف عن مقاهي الإنترنت الأخرى الموجودة في مدينة يهيمن عليها الرجال؛ أي أن يوفِّر لهن "بيئة آمنة يستطعن التواصل فيها مع العالم"، مثلما يصفه ظفر صالحي.
جمعية "شابات من أجل التغيير"
"نادرًا ما يطرح السؤال عن الدوافع الفردية لارتداء البرقع، عن الفرق بين ارتدائه الطوعي والقسري وعن التفاعل بين البيئة الاجتماعية والتقاليد العائلية والحالة الدينية".
عمل تحت رعاية سفارة الولايات المتَّحدة في كابول نشطاء جمعية "شابات من أجل التغيير" في الأشهر الماضية على إعداد دراسة حول موضوع "التحرّش في الشارع". ومن أجل هذه الدراسة تم استطلاع آراء أكثر من ثلاثة آلاف امرأة من فئات اجتماعية مختلفة حول تجاربهن في هذا الموضوع. وسيتم نشر نتيجة هذه الدراسة في أواخر الربيع. ومن الواضح الآن أنَّ كلَّ امرأة أفغانية قد تعرَّضت في الحقيقة لتحرّشات لفظية أو جسدية في الحياة العامة. لقد عرضت منطَّمة "شابات من أجل التغيير" هذه المشكلة لأوَّل مرة في مظاهرة نظَّمتها في العام الماضي وكان اهتمام وسائل الإعلام بها كبيرًا، ولكن توجد على الجانب الآخر تحفظات. ويقول ظفر صالحي: "مجتمعنا لا يريد الاعتراف بحدوث شيء كهذا". فكثيرًا ما يبحث الرجال الذين يتم تنبيههم إلى هذه المشكلات عن السبب لدى النساء، مثلما يقول ظفر صالحي ويضيف أنَّ المرأة في آخر المطاف تعتبر هي المذنبة إذا لم ترتدي ملابس مناسبة. ويقول صالحي: "لكن هذا ليس صحيحًا، فقد اكتشفنا أنَّ النساء المحجَّبات من الممكن أن يقعن ضحية التحرّش مثلما هي الحال أيضًا مع النساء اللواتي يرتدين البرقع". يستخدم البرقع الذي لا يكاد يوجد رداء آخر اشتهر مثله في العشرة أعوام الماضية منذ أن أصبحت أفغانستان تتمتَّع من جديد باهتمام الغرب كرمز يرمز إلى تخلف حكم طالبان ووحشيَّته، كما يستخدمه البعض كوسيلة شمولية للتحذير من الإسلام.
وأحيانًا يتم استخدام "البرقع" بسرعة كبيرة للغاية كشعار، أو حتى أنَّه يستخدم بشكل خال من الصحة ضمن السياق الأفغاني كمفردة تشير إلى أي حجاب ترتديه المرأة في المنطقة الممتدة من المغرب وحتى باكستان. ولكن نادرًا ما يطرح السؤال عن الدوافع الفردية لارتداء البرقع، عن الفرق بين ارتدائه الطوعي والقسري وعن التفاعل بين البيئة الاجتماعية والتقاليد العائلية والحالة الدينية. وكلّ هذا يتم وصفه ببساطة ومن دون تدقيق بصفة "الإسلامي". ما يزال البرقع حاضرًا في شوارع كابول حتى بعد عشرة أعوام من سقوط نظام طالبان. ولكن مع ذلك أرى أحيانًا شابات يرتدين الحجاب حسب الموضة الإيرانية كاشفات عن مقدِّمة الرأس، كما أنَّهن يرتدين سترات وسراويل جينز وأحذية بكعب عال ويستخدمن المكياج. وفي الحقيقة لقد عاش بعضهن عدة أعوام في إيران. وهناك فتيات أخريات يتَّبعن هذه الموضة النسائية الجديدة في كابول ويطالبن في أجزاء من المدينة بنصيبهن من الأماكن العامة؛ ولكن هذه العملية طويلة جدًا كما أنَّ كابول ليست كلّ أفغانستان التي تتكوَّن قبل كلِّ شيء من الأرياف والمحافظات وقراها التي لم تبقى مغلقة أمامي في هذه الجولة.
عالم الرجال
من الممكن من جديد التمتّع بلحظات سعيدة - أطفال يلعبون في حديقة ألعاب في ضواحي كابول. وكذلك يعد الرجال هم المسيطرون في هضبة بي بي مهرو الواقعة في شمال شرق كابول. نحن الآن في يوم الجمعة، يوم النزهات العائلية. ولكن لا يشاهد هنا إلاَّ عدد قليل من الأمَّهات، ناهيك عن الفتيات والشابات. يسير من أمام الكاميرا فتية مراهقون يمضغون العلك ويشبكون أيديهم ببعض متمايلين على أنغام موسيقى البوليوود. وبالقرب من المنحدر أوقف الرجال سيَّاراتهم، حيث يطلون من خلال الزجاج الأمامي على أسطح المنازل في مدينتهم. وهناك شاب يريد أن يقدِّم لي الويسكي. ويوجد في الخلفية مسبح قديم فيه ثلاثة أبراج للقفز، ولكن لم يعد يوجد في هذا المسبح ماء منذ فترة طويلة. ويبدو هذا المسبح غريبًا وليس في مكانه الصحيح، وهو مسيَّج بسياج. كان الطالبان يقومون بتنفيذ أحكام الأعدام فوق أبراج القفز. ولم يغطِّي اللون الأزرق الذي يبدو مطليًا حديثًا فوق الأبراج آثار هذه الحقيقة الدموية. وعلى الجانب الآخر من الهضبة يوجد قبر أقيم منذ فترة قصيرة يذكِّر من جديد بحساسية أفغانستان وضعفها، وهذا القبر للرئيس السابق برهان الدين رباني الذين كان أمل الكثيرين وقد قتل بالرصاص في العام الماضي.
لقد بدأت دائمًا في الأعوام الأخيرة أعمال العنف مع ذوبان الثلج وبداية الربيع - فماذا سيحمل هذا العام؟ وصحيح أنَّ ظفر صالحي واثق من مستقبل أفغانستان ولا يعتقد كذلك أنَّ حركة طالبان ستعود ويرى بالإضافة إلى ذلك أنَّ وجود منطَّمة "شابات من أجل التغيير" يعتبر بحدِّ ذاته خطوة إلى الأمام، "ولكن مع ذلك إذا قدِّر للأوضاع أن تدهور مرة أخرى بعد عام 2014، فستكون النساء أوَّل الضحايا"، مثلما يقول. وفي هضبة بي بي مهرو طيَّرنا طائرة ورقية كانت تبدو مثل نقطة ملوَّنة ترفرف في السماء وتمنحنا شعورًا بالأمل. وفي عهد طالبان كان تطيير الطائرات الورقية محضورًا. ولكن الطائرة الورقية ترتفع أعلى من أبراج القفز سيئة السمعة، وثم تنقلب قليلاً وتسقط على الأرض. من الممكن الآن على الأقل التمتّع من جديد بلحظة كهذه فوق أسطح المنازل في مدينة كابول.
ماريان بريمر- ترجمة: رائد الباش
المصدر: قنطرة 2012
إضافة تعليق جديد