كتيبة الفاروق: منفذ إلى حقيقة ما يجري في سورية
الجمل- ترجمة رندة القاسم: من النادر جدا أن يكون لديك "ثقب " تختلس عبره النظر مباشرة إلى الأحداث في سورية. فالمعركة التي تخاض بشدة حول الروايات غالبا ما تترك الحقيقة مدفونة تحت الرماد. و لكن من بين مجموعة الرسائل الالكترونية المتسربة عن بريد برهان غليون رئيس المجلس السوري الوطني، كانت تلك الجوهرة النفيسة أو المعلومات الهامة التي ألقت الضوء على المنفذ الفاضح في خطة كوفي أنان لأجل سورية ألا وهي: المقاتلون المجرمون.
الرسالة الالكترونية أرسلت لغليون في الخامس و العشرين من آذار لتلخص لقاءا عقده أعضاء ينتمون إلى عدة مجموعات معارضة مسلحة تعمل في حمص و ذلك لأجل معالجة المشكلة الملحة لكتيبة الفاروق. يقول كاتب الرسالة"أبو مجد" بأن 24 مجموعة مسلحة مختلفة بدأت العمل سويا بشكل جزئي بسبب سلوك كتيبة الفاروق و هو حسب الرسالة: (احتكارها لصنع القرار في مناطقها، و محاولاتها إخضاع كل من هو خارج إمرتها بالقوة، و اعتناق ما يسمى "سياسة العصا الغليظة في التعامل مع بقية المقاتلين).و مؤكدا على الروايات العرضية للإعلام العربي حول انقلاب المقاتلين ضد بعضهم البعض في الأحياء الواقعة تحت سيطرة المعارضة، يتهم أبو مجد كتيبة الفاروق ب : (عنف غير مبرر ضد الخصوم و مجموعات أخرى معادية للنظام لا تصنف تحت مسمى كتيبة الفاروق ما أسفر عن وفيات كثيرة. فعلى سبيل المثال، أدت معاقبة الفاروق التحذيرية المعتدلة لمقاتلين في باب سباع إلى موت عشرة شهداء).
و يتساءل المرء كيف تم وصف هذه الوفيات في الأرقام اليومية للموتى التي يقدرها ناشطون من حمص و تنشر بشكل واسع من قبل الإعلام الأجنبي؟؟
و مع رسم صورة للمعارضة في حمص المشحونة بنزاعات (أنزلت البلاء بحركة الثورة هناك)، تشير الرسالة إلى بعض الاختلافات الأساسية في الجماعات المسلحة. فمن جهة، يوجد المشاركون في الاجتماع الذي لخصته الرسالة، و الذين يعتبرون أنفسهم شركاء في وجهة نظر واضحة إذ أنهم: 1- يؤكدون على أن مجموعات معينة ضمن المعارضة السورية و قوى خارجية و إقليمية دفعت المقاتلين في حمص إلى هذه الحالة من الانقسام 2- يدركون الاختلاف بين الموالين المدنيين للنظام و القتلة المسلحين.3- يدينون بعض الرجال المسلحين في حمص الذين ارتكبوا العنف ضد المدنيين في أحياء موالية للنظام. 4- يلقون باللوم في تلك الجرائم على "شبان يتخذون قرارات بأنفسهم في خط متواز مع لغة العنف التي نشرتها كتيبة الفاروق و طبقت من خلال الدعم المالي الخارجي الكريم".
و من جهة أخرى تعترف الرسالة بوجود نوع آخر من المعارضة المسلحة على أرض حمص، و التي تتهم بإثارة العنف ضد المدنيين و مقاتلين آخرين، و استفزاز الجيش السوري النظامي، و المضي بما يتوافق مع المانحين الأجانب. و فيما يتعلق باستفزاز النظام، تشير الرسالة إلى مشهد حي الخالدية في حمص على أنه أسوأ أنواع العنف في سورية حتى اليوم: (احتكار الفاروق لاتخاذ القرار في الخالدية ، نتج عنه استهداف الحي بسلاح المدفعية بسبب الهجمات الطائشة على حاجز تفتيش).و من الواضح أن كتيبة الفاروق اتخذت موضع الهجوم ضد الجيش السوري قبل رسالة الخامس و العشرين من آذار.
بابا عمرو حي حمصي تعرض لقصف حكومي في شهر شباط استمر أسابيع و استدعى نقدا عالميا لمجزرة مدنية مزعومة. و بينما تفترض الروايات المسيطرة في وسائل الإعلام الدولية هجوما للجيش، لم يسبقه استفزاز، على سكان مدنيين، بقيت هناك أدلة قليلة تدعم هذا السيناريو، سيما بعد المعلومات التي قالت بأن الحي كان معقلا للمعارضة المسلحة، و معظم السكان أخلوا الحي مسبقا، كما وردت تقارير عن مبالغة الناشطين في الحديث عن العنف.
و تحميل الرسالة طيش كتيبة الفاروق المسؤولية عن قيام الجيش بقصف حي الخالدية، يعيد للذاكرة الأحداث التي أدت الى قصف بابا عمرو و وفقا للصحفية الأميركية نير روزين سبق قصف بابا عمرو استفزاز مشابه من قبل المعارضة المسلحة ، إذ كتبت في الرابع من شباط: (بالأمس هزم مقاتلو المعارضة نقطة تفتيش حكومية و استولوا على دبابة أو حاملة جنود مدرعة. و هذا تبع نجاحات مشابهة ضد نقاط تفتيش باب دريب و بستان الديوان. و كرد على هذا الاستفزاز بدأت الحكومة أمس باستخدام مدافع الهاون .)
و غالبا ما تفترض الروايات حول تلك المعارك في سورية بأن المجموعات المسلحة تتخذ وضعية الدفاع، و في المقام الأول تحمي السكان المدنيين. إذن، لما هذه الاستفزازات المتكررة للجيش السوري النظامي و مقاتلين آخرين و سكان مدنيين؟
تفترض رسالة الخامس و العشرين من آذار بأن الفاروق تتصرف وفقا لأوامر داعميها الماليين و خاصة السعوديين: ( أساس الصراع في المدينة اليوم هو مجموعات تتلقى مقادير متفاوته من المال من مصادر مباشرة في السعودية بعضها تحث على استهداف الأحياء الموالية و التصعيد الطائفي بينما يحرض آخرون ضد المجلس الوطني السوري. و هي ليست مصارد دعم وطنية و موحدة، على العكس، اذ لاحظ بعض القادة الميدانيون أن استلام المعونات من السعوديين يستلزم شروطا ضمنية مثل العمل بطرق تختلف عن التوجهات المرغوبة) .
و بينما تزودنا الرسالة الالكترونية بوصف مباشر للأحداث داخل واحدة من أكثر المدن السورية تورطا ، فإنها تطرح تساؤلا هاما حول كيفية معالجة المجموعات المسلحة (و هي ميليشيات إسلامية متنوعة) التي تعمل خارج إطار المعارضة المحلية أو الوطنية.
أولا، هذه المجموعات و الأفراد تجعل مهمة تنفيذ خطة إزالة العسكرة صعبة، إن لم نقل مستحيلة. و إذا استمرت هذه المجموعات بالهجمات العنيفة ضد قوات الأمن و المواطنين، فعلى الأرجح لن تقوم الحكومة السورية بسحب جنودها من تلك المناطق.
و يتعلق تقدم خطة أنان و تمكن مراقبي الأمم المتحدة من التوصل إلى ازالة العسكرة بأمرين: 1- يجب أن يكون هناك بنود مفصلة واضحة و متفق عليها تتعلق بكيفية تعامل الجيش السوري مع الاستفزازات من قبل المجموعات الواقعة خارج متناول الأمم المتحدة، 2- يجب أن يحمل بروتوكول الأمم المتحدة المجموعات الخارجية و الدول التي تمول هذه الميليشيات المجرمة مسؤولية الدعم المادي للعنف داخل سوريه.
و من الجدير ذكره، أن السعوديين رفضوا لقاء أنان، و ما زالوا مستمرين ، إلى جانب قطر، بتوفير المساعدة المالية رسميا لمجموعات المعارضة السورية المسلحة على شكل رواتب. و من السخرية، أن الدولتين كانتا من بين الدول الأسرع في اتهام الحكومة السورية بانتهاك التزامها بخطة أنان.
يعرف القليل عن كتيبة الفاروق، غير أن واحدا من الصحفيين القلائل (الذي يجب عدم ذكر اسمه) المتعاملين معهم مباشرة، قال لي أنهم أكبر مجموعة معارضة تعمل داخل حمص و تضم ما بين 4000 و 5000 رجل مقاتل. و جذور المجموعة تنتمي للميليشيات الإسلامية. و بعض التقارير قالت بأنها تخطط لإعلان إمارة إسلامية في سورية، و لكنها تؤجل أي خطاب قد يقوي يد الحكومة السورية.
معقل الفاروق اليوم هو حي الخالدية في حمص، غير أن مركزها في القصير حيث يوجد قائدها أبو علي حردي، و هو ضابط مخابرات سوري سابق في حمص. الرئيس الصوري للميليشيات هو عبد الرزاق طلاس، شخصية رمزية لأن عمه لواء في الجيش السوري. و من قاعدتها في حمص قريبا من الحدود اللبنانية، تتلقى الكتيبة أسلحة ثقيلة عبر المراكز السلفية في شمال لبنان. و تحاول المجموعة حاليا تنظيم صفوفها المتزايدة بسرعة إلى بنية ذات قيادة مركزية. و حتى اليوم يعمل المقاتلون تحت راية كتيبة الفاروق بشكل مستقل في أحياء عدة في حمص.
و بينما تلقي رسالة الخامس و العشرين من آذار الضوء اللازم على جزء صغير من المعارضة السورية المسلحة، فانها تشير الى الكذب الفاضح للروايات القائمة حول الوضع داخل البلد.
و أشير هنا الى التقرير الوحيد حول عنف مجموعات المعارضة الوارد عن منظمة حقوق انسان دولية، و هو ذاك الذي صدر عن Human Rights Watch في العشرين من آذار، قبل خمسة أيام من الرسالة المذكورة، و الذي تحدث عن انتهاكات المعارضة داخل سورية و المتضمنة خطف و تعذيب و قتل.غير ان المنظمة لم تكتف بتكرار الكثير من الروايات السائدة التي حددت بشكل زائف الأزمة السورية منذ بدايتها، و لكنها أيضا استشهدت بكلام أحد المتعاونين من الإعلام في كتيبة الفاروق حيث قال: (نحن لا نخطف الجنود. فخلال المواجهة المسلحة، يقوم الجنود المحاطون بالجيش السوري الحر بتسليم أنفسهم الى كتيبة الفاروق و بهذا فنحن نأسر الجنود و لا نختطفهم.و طالب الجيش الحر الحكومة بالتفاوض لأجل إطلاق سراحهم، و لكنهم رفضوا لأنهم ببساطة غير معنيين بشأن الجنود المعتقلين. و يوضع الأسرى في غرفة لا في سجن ، وفي الغرفة يوجد باب بقفل و دون نوافذ ، و تعاملهم كتيبة الفاروق بشكل جيد جدا.)
و الآن نحن نعلم بشكل أفضل.
*بقلم شارماين نارواني صحفية و محللة سياسية معنية بشؤون الشرق الأوسط، زميلة مساعدة في كلية سانت أنطوني بجامعة أوكسفورد،تحمل شهادة الماجستير في الشؤون الدولية من جامعة كولومبيا للشؤون الدولية و العامة في كل من الصحافة و دراسات الشرق الأوسط.
عن موقع Mideast Shuffle
الجمل: قسم الترجمة
التعليقات
شارماين نارواني
إضافة تعليق جديد