الامتيازات والصلاحيات تؤجّجان الخلاف حول «الدستوري» التونسي
بعد نحو عام ونصف العام من انتخاب مجلس تأسيسي لصياغة دستور جديد للبلاد يكون بديلاً من دستور دولة الزعيم الحبيب بورقيبة، الصادر سنة 1959، لا يزال الدستور يراوح مكانه وسط جدل كبير حول مضامينه، وخاصة طبيعة النظام السياسي.
رئيس المجلس الوطني التأسيسي الأمين العام لحزب التكتل من أجل العمل والحريات، رأى أن هذا الدستور الذي انتهت صياغة مسودته الثانية في انتظار التصديق النهائي، هو من أفضل الدساتير في العالم. وهو حسب اعتقاده أفضل من دستور 1959 الذي أسقطه اعتصام القصبة الثاني خلال شهر شباط ٢٠١١، والذي أسقط أيضاً حكومة محمد الغنوشي آخر رئيس وزراء في عهد الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي. وقد تم تجييش الشارع آنذاك من طرف الأحزاب الراديكالية اليسارية والاتحاد العام التونسي للشغل وحركة النهضة والقوميين لإسقاط الدستور وفرض انتخابات المجلس التأسيسي التي قادت الإسلاميين الى الحكم.
وأكد بن جعفر أن الدستور الجديد يستجيب للمعايير الدولية، في الوقت الذي رفض فيه خبراء القانون الدستوري في تونس من أساتذة القانون، مثل عياض بن عاشور وقيس سعيد وشفيق بوصرصار وحفيظة شقير، الاستجابة لطلب رئيس المجلس الالتحاق بلجنة الصياغة حتى لا يكونوا شهود زور، حسب تعبيرهم، وذلك في الوقت الذي تنادت فيه عشرات الصفحات على الشبكة الاجتماعية «فايسبوك» الى الزحف على المجلس التأسيسي يوم عيد العمال العالمي ١ أيار وطرد أعضائه «اللصوص» و«خونة دماء الشهداء».
هذا الاحتقان ضد المجلس التأسيسي بدأ منذ نهاية السنة الأولى باعتبار نهاية شرعيته كما حددها المنشور الذي دعا التونسيين إلى انتخاب مجلس تأسيسي مدته سنة، يعني منذ ٢٣ تشرين الأول الماضي، لكنها تفاقمت بعد اغتيال القيادي اليساري شكري بلعيد، لتصل الى ذروتها بعد كشف النائب عن حزب الوطنيين الديموقراطيين الموحد، المنجي الرحوي، عن قانون جديد لمنح النواب.
هذا الأمر أثار غضباًَ شعبياً كبيراً، خاصة بعد أن تم تسريب وثائق تؤكد أن أربعة وزراء جمعوا بين منصبي المجلس التأسيسي والوزارة، وهم من حركة النهضة ومن حزب المؤتمر من أجل الجمهورية.
في غضون ذلك، كشفت الوثيقة التي سرّبها الوزير السابق الأمين العام لحزب المؤتمر المستقيل، محمد عبو، أن هناك ٦٧ نائباً وعدداً من المتقاعدين يتقاضون راتبين. لهذا سارعت النيابة العامة الى فتح بحث تحقيقي في هذه الوثائق، باعتبار أن القانون التونسي يمنع الجمع بين وظيفتين.
هذا الاحتقان ضد المجلس التأسيسي الذي أصبح أعضاؤه موضوعاً للتندر عبر الوسائط الإعلامية والشبكات الاجتماعية يتزامن مع جدل كبير تحت قبة المجلس، بسبب تراجع حركة النهضة عن تعهداتها بالقبول بالنظام الرئاسي المزدوج أو المعدل، وهو ما تطالب به أغلبية القوى السياسية.
ففي الوقت الذي أعلنت فيه «النهضة» منذ البداية تمسكها بالنظام البرلماني الذي يطبق في تونس منذ الانتخابات الماضية، تطالب بقية القوى، حتى حلفاء النهضة مثل المؤتمر والتكتل، بالنظام المزدوج، الذي يجمع بين النظام البرلماني والرئاسي، والذي يمنح صلاحيات متوازنة لرئيس الحكومة ولرئيس الجمهورية.
لكن نواب «النهضة» في لجنة النظام السياسي أرادوا فرض النظام السياسي في تنصّل واضح مما تم الاتفاق عليه في الجلسة العامة، وهو ما دفع رئيس اللجنة عمر الشتوي، عن حزب المؤتمر، الى الانسحاب، وكذلك العضو عن الكتلة الديموقراطية إياد الدهماني، واتّهما النهضة في ندوة صحافية بـ«التغول» وفرض آرائها بقوة العدد. كذلك اتهم النائب الدهماني رئيس المجلس مصطفى بن جعفر بمحاباة «النهضة» التي تريد أن تجعل من منصب رئيس الجمهورية منصباً شكلياً.
ولا يبدو أن الحل الوفاقي ممكن، على الأقل الآن، وهو ما سيدفع المجلس التأسيسي إما الى التمديد الى حين حسم هذا الموضوع الخلافي أو الى تنظيم استفتاء حول الدستور، وهو المصير الذي يخشاه التونسيون.
نور الدين بالطيب
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد