نساء يركضن مع الذئاب
(تشترك الذئبة القوية مع المرأة القوية في خصائص نفسية واحدة, حيث تتسمان بصدق المشاعر والروح المرحة والقدرة العالية على العطاء,فالمرأة والذئبة بطبيعتهما ترتبطان بعلاقة قرابة كلتاهما فضوليتان تتمتعان بقدر عظيم من الاخلاص والتفاني والادراك الداخلي والمشاعر العميقة, تجاه صغارهما وعائلتهما وكذلك تتوافر لهما خبرة التكيف مع الظروف المتغيرة والشجاعة الفائقة والثبات بقوة على المواقف).
بهذه الجرأة والاقتحامية طرحت كلاريسابنكولا فكرتها او الاصح نظريتها وقامت بربط ذكي بين الاساطير الازتيكيةالعتيقة التي تخص الانثى اي قامت بربط الانثى القديمة بالانثى المعاصرة بخيط متين خارج من اهاب تاريخ منسي لكن يمكن بأي وقت ان يحضر بقوة?!
- الكاتبة ذات الاصول (الاسبانية - المكسيكية) تستلهم اسطورة ازتيكية تتحدث من ان النساء خلقن من تجعيدة في باطن قدم المرأة الذئبة-لالوبا وهذا هو السبب في ان النساء مخلوقات عارفات فهن في الاصل مصنوعات من جلد باطن القدم الذي يستشعر كل شيء.
لا لوبا تمثل عادة بامرأة عجوز عملها الوحيد هو جمع العظام تجمعها وتحفظها ويمتلئ كهفها بالعظام من كل نوع من مخلوقات الصحراء.. الغزال,الحية ذات الجرس, الغراب, لكن تخصصها هو الذئاب لأجل ذلك تزحف بين الجبال وتتعقب وتنخل وتتفحص المجاري الجافة للأنهار بحثاً عن عظام الذئاب وعندما يتجمع لديها الهيكل العظمي ا لكامل وعندما تضع العظمة الاخيرة في موضعها ويتمدد امامها الهيكل الابيض الجميل للمخلوق الذي جمعت عظامه تجلس امام النيران وتفكر في الاغنية التي سوف تغنيها.. وحينما تعقد العزم وتشحن ارادتها, تنهض لتقف امام الكائن وتمد ذراعيها فوقه وتبدأ بالغناء, حينئذ تبدأ ضلوع الذئبة وعظامها وارجلها تكتسي باللحم وينبت لها الفراء وتواصل لالوبا بالغناء ويخلق الكائن ويتشكل اكثر واكثر ويعلوا الذيل قوياً مفتولاً بالشعر الاشعث وتبدأ المخلوقة الذئبة في التنفس وفتح عينها على غنائها وتقفز عالياً وتركض بعيداً طليقة صوب الآفاق الممتدة. لذلك يقال ان المرأة اذا هامت في الصحراء وقت الغروب وكانت تشعر بشيء من الضياع فإنها محظوظة لأن لالوبا قد تعثر عليها وتريها الاسرار ..
الكاتبة بنكولا بهذه الاسطورة قدمت منطق الترميم واعادة الخلق أي نبدأ كلنا بلحظة من اللحظات جميعاً ككومة من العظام ضائعة في مكان ما في الصحراء هيكل عظمي مجرد مدفون تحت الرمال وهذه هي مهنتا ان نستعيد الاجزاء .. هي عملية شاقة تنفذ على اكمل وجه عندما تقع الظلال في موقعها الصحيح تماماً لأنها تستلزم كثيراً من التركيز وترشدنا (لالوبا) الى ما ينبغي علينا ان نبحث عنه : انه قوة الحياة غير القابلة للتلف: العظام
في بداية حياتنا تكون وجهة نظرنا الانثوية في غاية السذاجة بمعنى ان فهمنا ا لعاطفي في الاختباء والتواري يكون ضعيفا جدا, لكن من هنا نبدأ جميعا كائنات ساذجات ونجد انفسنا في غاية الارباك حيث نعيش وقتاً من حياتنا نكون فيه عرضة للخطر لمجرد رؤيتنا للكمين..)
- المرأة الوحشية كنموذج بدئي قابل للمحاكاة هو ما ارادت بنكولا اقناعنا به منطلقة من تقاطعات طباعية بين المرأة والذئبة هذه التقاطعات لا ترى بالحواس العادية فما يمكن ان نراه في الظلام ليس باستطاعتنا ان نراه في وضح النهار .
عبر ستمئة صفحة تحدثت بنكولا بصوت الميثولوجيا لغة معاصرة جاءت العناوين فائقة التعبير والدقة مثل ( المطاردة والاختفاء) رقصة الحب والجسد, آثار الجروح وندوب المعارك, اكتساب العضوية في عشيرة الندوب,القصة كدواء, الجسد الوحشي, الصيد, حين يكون القلب صائداً وحيداً, التعرف على شراك القدم والاقفاص والطعوم المسمومة.
بنكولا امتلكت عدة اصوات ( مع -ضد) وناقشت قضايا عاطفية شائع تناولها لكنها قدمت صوتاً جديداً وبدا ذلك واضحا في فصل بعنوان ( ذرف الدمعة) تذكر فيه نتائج وتعريفات جديدة للعاطفة مثل:
( الحب هو عثور عرضي على كنز.. هناك من يصطدم بهذا الكنز ويتعثر فيه.. الربيع يأتي من امطار الربيع.. الدموع تغير الناس تذكرهم بما هو مهم .. حينما يذرف الرجل الدمعة يكون قد توصل الى ألمه.. وهو يعرفه حينما يلمسه انه يرى كيف عاش حياته بصورة وقائية من اجل الجرح.. هو يرى ما هي الحياة التي فقدها من اجله هو يرى يرى كم ان حبه عاجز من اجل الحياة, من اجل نفسه ومن اجل الآخر .. تجميد المشاعر .. هو غضب دفاعي .. الروح لا تستجيب للجليدية.. بل تستجيب للدفء..).
- عند الذئاب تحدث المجاعة حينما تعلو الثلوج ويستحيل الوصول الى الصيد وتنتهي المجاعة عادة وقت الربيع حينما تبدأ الثلوج في الذوبان في اعقاب المجاعة قد تنتاب القطيع حمى القتل المجنون, قد لا يأكل افراد القطيع معظم الطرائد التي يقتلونها لا يخزنونها او يحتفظون بها انهم يتركونها في العراء يقتلون اكثر بكثير من قدرتهم على الاكل او حاجتهم نفس العملية تحدث للمرأة حينما تقع في الاسر وتتضور جوعا وفجأة تصبح حرة في ان تذهب ان تفعل ان تكون هنا, هنا , يكمن خطر الافراط والتجاوز في هياجها وثورتها وهنا يلوح خطر حرق اثمن كنز روحي في حياة المرأة ويتبدل رماداً يتملكها لا شره ولانهم ..
العودة الى الاسلاف الى المرأة الصيادة الالهة القمرية ( ارتميس-ديانا) عند الاغريق والرومان شكل أساساً سليم لبنية طروحات بنكولا التي تعلي من شأن ملكات مفقودة وغير متعارف على اعتمادها او استعمالها مثل الحدس.
كيف تؤثر المرأة الوحشية في النساء? نحن مع المرأة الوحشية نرى ليس بعين واحدة او اثنتين بل نرى بالعديد من عيون البديهة والحدس, وحينما نوقن بالحدس نصبح مثل ليلة مرصعة بالنجوم , نحدق في ا لعالم من خلال ألف عين .. تحزم ا لمرأة الوحشية امتعتها وتأخذ زادها لطريق الشفاء, وتحمل معها كل شيء, تحتاجه ا لمرأة لكي تكون وتعرف, تحمل معها الدواء لكل الاشياء, فهي القصص والاحلام والكلمات والاغاني والعلامات والرموز, وهي الرفيق والطريق ولا يعني الانضمام الى ركب الطبيعة الغريزية ان نتحلل ومن كل شيء ان نبدل كل شيء من اليسار الى اليمين من الاسود الى الابيض ان نتصرف بجنون او نفقد السيطرة او ان نفقد انتماءاتنا الاجتماعية الاساسية انها تعني العكس تماماً انها تعني تحديد ارضها ان تجد زادها ان تملك جسدها بثقة واعتزاز ان تتكلم وتتصرف بالاصالة عن نفسها ان تدخل في مداراتها الطبيعية تمتلك قوة الذئبة حين تقتل جرواًمن ولدانها اصيب بجرح قاتل.. حيث أسمى درجات الشفقة ان نسمح للموت ان يأتي في وقته .
الكتاب: نساء يركضن مع الذئاب
الكاتب: كلاريسا بنكولا /ترجمة مصطفى محمد
الناشر: المجلس الأعلى للثقافة /القاهرة /2005
المصدر: الثورة
إضافة تعليق جديد