المكتبات المدرسية.. هل هي ضرورة ثقافية أم حالة استعراضية؟
أُحدثت المكتبات المدرسية في مختلف المراحل التعليمية لتؤدي دوراً مهماً في تنمية المعارف الثقافية والعلمية، وتم تفريغ الآلاف من المعلمين لإشغال وظيفة أمين مكتبة..
لكن السؤال المهم والكبير الذي يطرح نفسه في هذا السياق هو:
هل تؤدي هذه المكتبات الدور المناط بها حقيقة.. أم هي حالة استعراضية وجدت لإراحة هذا المعلم أو ذاك..؟!.
فمن يزور مكتبات مدارسنا في الحلقتين الأولى والثانية يرى العجب العجاب، فإما أن تكون المكتبة (مدحوشة مع المخبر) وإما مع غرفة المدرسين.. وإما أمين مكتبة بلا كتب، كما هو الحال في مدرسة الجاجية القريبة من حماة..!.
أما نسبة الإعارة في هذه المكتبات (المدارس) فتشير آخر إحصائية وفرها لنا رئيس شعبة المكتبات بحماة.. إلى ان نسبة الإعارة في هذه المكتبات 5٪ في مدرسة عدد طلابها /146/، وعدد كتبها /375/ كتاباً، في الوقت الذي أكدت لنا أمينة سر إحدى المدارس بأن هناك طلاقاً بين المكتبة والطلبة.
في موضوعنا هذا سنبحث واقع المكتبات المدرسية ما لها وما عليها
قبل الولوج في تفاصيل لغة الأرقام، حرصنا أن نسمع رأي مدير تربية حماة الدكتور محمد صالح العليوي، الذي أشار في سياق إجابته عن دور المكتبة المدرسية قائلاً: في كل جولاتنا الميدانية.. كنا نحرص ونؤكد على ضرورة تفعيل دور المكتبة أسوة بالمخبر والحاسوب، وكل مقصر في هذا المجال سنعفيه من مهمة أمانة المكتبة.. مضيفاً بأن الكتب وانتقاءها من اختصاص الوزارة ولجنة خاصة تقوم بتقويم هذا الكتاب أو ذاك قبل رفد المكتبة به.
وحول توزيع الكتب على المدارس والأسس المتبعة، ذكر مدير التربية بأن الوزارة تقوم بإرسال مخصصاتنا منها، وبدورنا نقوم بإرسالها إلى المدارس وفق نسب متساوية، يراعى فيها عدد الطلاب وحجم المكتبة والمدرسة.
وعن دور شعبة المكتبات في المديرية، أشارمدير تربية حماة، إلى ان الشعبة هي المخولة بزيارة مكتبات المدارس والاطلاع على واقعها، وتقديم مشاهداتها لنا في ختام كل جولة تقوم بها، وقد سبق لنا أثناء زيارة بعض المدارس ان أعفينا أمين حاسوب لعدم قيامه بواجبه، كمثال، وسنفعل الشيء نفسه بالنسبة لأي أمين مكتبة مستقبلاً.
أما رئيس دائرة المناهج في تربية حماة، السيد عدنان سعد، فقد ذكر لنا بأن شروط إحداث المكتبة يجب ان يتوافر /201/ كتاب على الأقل يقابله العدد نفسه من الطلاب تقريباً، مؤكداً بأن المسؤولة عن شعبة المكتبات في المديرية مكلفة حديثاً وهي خريجة مكتبات، وستقوم بجولات على هذه المدارس لتفعيل دور المكتبات المدرسية.
وختم السيد سعد حديثه قائلاً: وصلنا قبل أيام حوالي /1000/ كتاب من الوزارة، سوف نقوم بتوزيعها على مدارس المحافظة، وهناك مراسلة مع الوزارة بخصوص استلام كتب جديدة من مستودعات الوزارة، آملين ان نتمكن من تعزيز دور المدارس المحدثة بهذه الكتب.
- لغة الأرقام هي لغة الإقناع، ففي الوقت الذي تؤكد فيه تربية حماة على تفعيل دور المكتبات المدرسية، نراها تقوم بتعيين خريجة جامعية (اختصاص مكتبات) في مدرسة الجاجية دون ان يوجد فيها كتاب واحد، فكيف يحدث ذلك..؟!.
إن اللافت للنظر ان /8/ خريجي مكتبات تم تعيينهم بعد المسابقة التي أجرتها وزارة التربية، أربك تعيينهم تربية حماة، فكيف سيكون الحال لو كان العدد بالمئات..؟!.
بل ما سمعناه من تربية حماة يتلخص بأن دور خريجي المكتبات وغيرهم ممن يعمل أميناً لمكتبة مدرسية، يتلخص في توزيع الكتب المدرسية في بداية العام الدراسي.. وجمع هذه الكتب في نهاية العام، في الوقت الذي يجب أن تستثمر طاقاتهم والاستفادة من خبراتهم الجامعية في تفعيل دور المكتبة ورفع سوية القراءة من خلال استعارة الكتب .
نعود للحديث وبلغة الارقام، ففي مدرسة البياض المحدثة في ريف حماة يوجد /50/ طالباً بست شعب صفية، المكتبة فيها تشترك مع المخبر، أما وظيفة أمين المكتبة فشاغلها غير مؤهل، معين بصفة (مريض).. ما يعني أن خريجي المكتبات لم يتم تعيينهم في الأماكن التي يستحقونها، إضافة إلى أن هناك العديد من الشروط لإحداث هذه المكتبات، وفي هذه المدرسة مخالفة للشروط والأسس، كما ذكر لنا رئيس دائرة المناهج بحماة، حين أشار أنه يجب أن يكون عدد الكتب /201/ كتاب، في هذه الأثناء نلاحظ أن عدد الكتب أقل من ذلك في العديد من المدارس، كما هو الحال في مدرسة الزاوية (الحلقة الثانية)، حيث يبلغ عدد الشعب /4/ وعدد الطلاب /130/ طالباً وعدد الكتب /111/ كتاباً ، حسب احصائية العام الماضي...
- ويكشف تقرير الجولة التي قام بها الموجه المختص على مدارس السلمية، بأنه وجد في مدرسة مسعود ربان سجل الإعارة الخاص بالمكتبة مقفولاً عليه ولم يتمكن المشرف من الاطلاع عليه، وان أمينة المكتبة غير موجودة نتيجة لعمل جراحي (ديسك).
وواقع الحال ينسحب أيضاً على مدرسة كفر الطون -الحلقة الثانية، حيث لم يعثر بالجولة المذكورة على أمين المكتبة (كان غائباً)، مع الاشارة الى أن المخبر مشترك مع المكتبة ولا أثر لتفعيلها، بل هي مقفلة وكذلك على سجلاتها.
المخالفة الواضحة هي بإحداث مكتبة في مدرسة تل سكين (حلقة أولى)، حيث لا يتجاوز عدد الطلاب عن الـ /136/ وعدد الكتب /85/ كتاباً ويشغل أمانة المكتبة /أهلية تعليم.
مماتقدم نلاحظ بأنه ليس هناك معايير حقيقية لإحداث وظيفة مكتبة..
المدرسة الوحيدة التي شاهدنا فيها نسبة الاعارة 60٪ هي في مدرسة جرجرة فتصنيف المكتبة جيد والنظافة تامة، فقط مشكلتها قلة تجديد الكتب.
وهنا لا بد لنا من تسجيل الملاحظات التالية:
أولاً: مسألة التزام أمناء المكاتب المدرسية...بالدوام ومدى التقيد بذلك...
ثانياً: المطلوب تجديد محتوى هذه المكتبات بما هو مفيد وقيّم.
ثالثاً: مساءلة المقصرين عن تفعيل دور المكتبات وتشجيع المجتهدين منهم.
رابعاً: أغلب الملاحظات في سجل زيارات تربية حماة لهذه المدارس يلاحظ فيها غياب السجلات الخاصة بالاجازات، أو اقفال هذه المكتبات مع خزائنها، وعدم تفعيل هذه المكتبات بالشكل الأمثل.
كيف وزعت وزارة التربية خريجي وخريجات المكتبات الذين نجحوا في المسابقة /اليتيمة/ الأولى التي أجرتها الوزارة العام الماضي؟!.
على هذا السؤال تجيب إحدى الخريجات التي تم تعيينها في تربية حماة: لقد طلبت الوزارة من تربية حماة /التصرف/ بهؤلاء الخريجين بما تقتضيه المصلحة العامة منذ الشهر الرابع من هذا العام وعدّدنا ثمانية خريجين.
في حين تساءل خريج آخر: من سيعطي أمناء المكتبات الخريجين مكانهم المناسب، ونحن لدينا الطموح الكبير لفعل شيء ما يخدم ويطور الأداء في عمل هذه الوظيفة /المكتبات/؟.
لكن السؤال المهم الذي طرحه خريجو المكتبات كان: هل من المعقول أن ينحصر دورنا كخريجي جامعة بتوزيع الكتب المنهجية على الطلبة في بداية كل عام دراسي ونهايته؟!.
وعن الدور الذي ينشدونه مستقبلاً: أكدوا بأن حلمهم الوحيد تفعيل الأسلوب المكتبي والطرائق التي تلقوها أثناء الدراسة...
مما تقدم نلاحظ الغياب التام لدور المكتبة في حياة الطلبة المدرسية، فإن حضرت المكتبة -ولو اسمياً-... غاب الكتاب منها، وان حضر هذا الأخير غاب أمين المكتبة، وان حضر كان آخر اهتمامه تفعيل دور الكتاب مثله مثل مدير المدرسة /فالمسألة سيان/.
وهذا لم يقتصر على أمناء المكتبات، بل يتجلى هنا أيضاً دور كافة المدرّسين لا سيما منهم مدرسي اللغة العربية، ويأتي في المرتبة الثانية دور البيت المتمم للمدرسة في عملية التحريض والتحفيز باتجاه المكتبة والقراءة الهادفة، لتعميق الوعي العلمي والمعرفي، وأتذكر هنا اقتراحاً في غاية الأهمية للآنسة ختام الزير خريجة مكتبات حين أشارت إلى ضرورة تخصيص حصة درسية تعنى بشؤون المكتبة، كأن يقوم أمين المكتبة بإدارة الحصة بالشكل المناسب كماهو الحال في دول عديدة...
منوهة إلى أنه لو كان عمل أمين المكتبة حقيقياً وفعالاً، لما سارع إلى هذه الوظيفة المرضى والمعوقون صحياً، بل كانوا حاولوا الهروب من هذه الوظيفة!.
ويبقى السؤال قائماً ومهماً: كيف سننهض بهذا الجيل الواعد الذي توليه الحكومة كل الاهتمام وتوفر لمسألة التعليم كل مقومات النجاح، عدا آلية التنفيذ على أرض الواقع.
كيف لا وحالة هذه المكتبات بأسوأ حال... للأسف الشديد وهي التي يعوّل عليها الكثير الكثير في رفد الجيل بالثقافة والمعرفة والوعي، لدرجة ان بعض المدرسين طرح فكرة في غاية الأهمية مفادها أن تتضمن أسئلة مادة العربي سؤالاً يُعنى بشؤون المكتبة المدرسية، وعند ذلك لابد وأن يكون هناك توجه حقيقي لتطوير عمل وأداء هذه المكتبات والقائمين عليها.
محمد فرحة
المصدر: البعث
إضافة تعليق جديد