أورسون ويلز.. عملاق هوليوود المكابر
لعل النص النقدي الذي كتبه يوماً ما كاتب وناقد مثل جان كوكتو عن أهم مبدعي هوليوود هو أجمل ما تضمنه كتاب «أورسون ويلز» لأندريه بازان الصادر عن مؤسسة السينما - دمشق، بترجمة من نوال لايقة.
(أورسون ويلز عملاق له مظهر طفل، شجرة مليئة بالعصافير والظلال، كلب قطع سلسلته واستلقى فوق مسكبة الزهور، متعطل نشط، مجنون حكيم، جزيرة محاطة بالناس، تلميذ غافٍ داخل غرفة الصف، استراتيجي يتظاهر بأنه ثمل عندما يرغب في أن يُترك وشأنه). من الصعب جداً العثور على كلمات حاسمة بشأن أورسون ويلز مثل تلك الكلمات التي دوّنها عنه ذات يوم صديقه وأحد أهم معجبيه جان كوكتو. وحده كوكتو يمكنه أن يرتب تلك المفردات السوريالية السابقة لتختصر سينمائياً عملاقاً من طراز أورسون ويلز.
تأتي أهمية وجاذبية هذا الكتاب «أورسون ويلز» من أسباب عدة، أهمها أنه كتب بقلم الناقد السينمائي المعاصر الأكثر تأثيرا «أندريه بازان». الناقد الفرنسي الذي كان في الثامنة والعشرين من عمره عند افتتاح فيلم أورسون ويلز. «المواطن كين» في باريس. بعد ذلك بأربع سنوات كتب كتابه الاول الذي كان موضوعه ويلز، وسرعان ما نال مرتبة الأعمال الكلاسيكية. قبيل وفاته في 1958 بوقت قصير. أعد بازان هذه الطبعة المنقحة. وتتضمن مقدمة رائعة بقلم فرانسوا تروفو ولمحة ساحرة عن حياة ويلز بقلم جان كوكتو.
يتتبع بازان حياة ويلز المهنية من المسرح والاذاعة إلى هوليوود وأوروبا. يقيم أعمال ويلز وابتداعاته وافكاره الجديدة.
عندما كتب جاك دونيول فالكروز في مجلة «لا ريفو دي سينما» قائلا: «يعجب المرء ما إذا كان أورسون ويلز يستحق أن يوضع في مصاف غريفيث، شابلن ستروهيم وايزنشتاين في تاريخ السينما». كان قوله ذاك يعبر عن آراء نقادٍ كثر، وكان يعبر على وجه الخصوص عن آراء النقاد الذين تجمعوا حول جان كوكتو، روبرت بريّسون وروجر لينهارت ليشكلوا جماعة أوبجيكتف 49، والتي كان «مهرجان السينما الملعونة في باريس» بمثابة بيانها الرسمي الذي ما زال ماثلا في الذاكرة. ويمكن اعتبار أورسون ويلز الرئيس الفخري لتلك الحركة، التي كانت ترى نفسها على أنها متجهة بعزم وتصميم نحو المستقبل.
أورسون ويلز تلميذ بلزاك، ويلز العالم النفسي، كما يراه أندريه بازان. ويلز يعيد تشييد القصور الأميركية القديمة: هذا ما وجده المتعصبون للجاز والرقص أمراً فظيعاً مروعاً. لكنهم أعادوا اكتشاف ويلز من خلال الفيلم، الملتبس، «السيدة من شنغهاي» ثم أضاعوه مجددا مع فيلم «الغريب»، وهذه الافعوانية تأخذنا إلى اللحظة التي أتى فيها أورسون ويلز من روما ليقيم في باريس.
هناك كان في انتظاره جان كوكتو ليكون أهم النقاد الذين كتبوا عن تجربة ويلز، تحديدا في فيلمه «ماكبث»: (إن فيلم ماكبث لأورسون ويلز هو «فيلم ملعون» بالمعنى النبيل للكلمة... يترك المشاهد أصم وأعمى. وأعتقد أن الذين أعجبهم الفيلم «وأنا افخر بأني واحد منهم» هم قلة وفي فترات متباعدة. إنه فيلم يتميز بقوة وحشية غير موقرة. ممثلوه المكتسون بجلود الحيوانات مثل سائقي الداراجات النارية في بداية القرن، وفوق رؤوسهم القرون والتيجان، يتجولون في ممرات شبكة تحت أرضية غامضة، في منجم فحم مهجور، وقبو خمر مهدم يرشح بالماء).
لينا هَوْيان
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد