بوفيليا.. جزيرة "الجحيم" للبيع في مزاد علني
"عندما يموت رجل شرير، فسيستيقظ حتماً في بوفيليا". يتناقل الإيطاليون هذا المثل الشعبي في ما بينهم، كلما تطرق أحدهم في حديثه إلى جزيرة بوفيليا، الواقعة بين مدينتي البندقية وجزيرة الليدو في بحيرة البندقية شمال البلاد، ولكنهم غالباً ما يفضلون الصمت عند الحديث عنها، خوفاً من أن تصيبهم لعنتها، التي يتوارثون حكايتها، من جيل إلى جيل.
ولتقليص دينها العام، عرضت الحكومة الإيطالية مؤخراً الجزيرة، التي تبلغ مساحتها 17 فداناً، للبيع في مزاد علني، آملة في إيجاد من يرغب في مواجهة ماضي الجزيرة الأليم، وحاضرها المحفوف بالمخاطر لكل من تسول له نفسه أن يطأ بقدميه على أرضها.
ولكن ما هي حكاية بوفيليا؟ ولماذا تثير هذه الجزيرة الرعب في النفوس؟
توصف بوفيليا بأنها "جزيرة المجانين"، أو "الجحيم"، وتتناقل البرامج الوثائقية، قصصاً عن "الأرواح الشريرة التي تسكن الجزيرة"، لدرجة وصفها بأنها "أكثر الأماكن المسكونة بالأرواح في العالم"، وانتشار صورة تظهر "روحاً شريرة" تجوب ضفتها.
وبالرغم من قربها من مدينة البندقية الرائعة، التي تشهد تدفقاً سنوياً شديداً للسياح من كل أنحاء العالم، بقيت الجزيرة، التي لا تحتضن سوى عدد قليل من المباني القديمة، خالية ومهجورة إلى اليوم، بفضل صيتها بأنها "تجلب الأذى لكل من يزورها".
ويعود تاريخ الجزيرة المرعب إلى قرون من الزمن، حين تنازعت عليها مدينتا جنوى والبندقية، ما أدى إلى اندلاع العديد من المعارك على أرضها، كما استعملت لعزل آلاف الأشخاص الذين أصابهم مرض الطاعون في فترات عديدة من الزمن، ولاسيما حين دفن فيها، أو حرقت جثته، كل من طاله "الموت الأسود"، وهو وباء نجم عن أنواع مختلفة من الطاعون فتك بحوالي مئتي مليون شخص في العالم، ووصل إلى ذروته في أوروبا بين العامين 1348 و1350. في تلك الفترة، كان كل من يظهر عليه بوادر المرض، يساق عنوة إلى الجزيرة الإيطالية، حيث يترك في أغلب الأوقات ليواجه قدره المحتوم من دون أي رعاية طبية تذكر.
وبين العامين 1739 و1814، أصبحت الجزيرة مركزاً دائماً للحجر الصحي لمرضى الطاعون أطلق عليه اسم الـ"لازاريتو"، تم إغلاقه في عهد الإمبراطور الفرنسي نابوليون بونابارت، الذي حول الجزيرة إلى مخبأ للسلاح، بحسب ما تنقل الروايات.
ولم يكن حظ بوفيليا أفضل، مع بداية القرن العشرين. ففي العام 1922، احتضنت الجزيرة مستشفى للأمراض العقلية، تم تشييده على أراضيها ليكون في العلن صرحاً طبياً فخماً لكبار السن، ولكن سرعان ما نقل المرضى إلى المسؤولين رؤيتهم لأشباح في الليل، وسماعهم لصرخات الوجع من أشخاص مصابين بالطاعون، وهو أمر لم تعره السلطات أهمية لعلمها بأن المرضى أنفسهم "مجانين".
وأضاف طبيب كان يعمل في المستشفى إلى مأساة بوفيليا مأساة أخرى، حين قرر إجراء عمليات جراحية غير شرعية في أدمغة المرضى، بحجة محاولة شفائهم. وتتناقل الروايات خبر موته انتحاراً من برج المستشفى، "بعدما لاحقته أرواح الجزيرة".
وتشير الروايات إلى قيام أحدهم بشراء الجزيرة في ستينيات القرن الماضي لفترة قصيرة، تاركاً إياها لأسباب فضل "عدم الحديث عنها".
منذ ذلك الوقت، لم يجرؤ أحد على زيارة بوفيليا، أو الحديث عنها. ويقال إن الصيادين يخشون الاقتراب منها خوفاً من وقوع "الهياكل العظمية في شباكهم". كما تؤكد الروايات أن 50 في المئة من تراب الجزيرة عبارة عن رماد ناجم عن حرق الجثث، بالرغم من حقيقة تفيد بأن أرض الجزيرة غنية بأشجار العنب المثمرة.
هل تجد بوفيليا اليوم مغامراً يقدم على شرائها؟ ربما.. فبالإمكان وقوع السلطات الإيطالية يوماً ما على مجنون يقول في نفسه "جحيم؟ فليكن.. يكفيني أنه في إيطاليا".
("السفير"، "تايم")
إضافة تعليق جديد