تلاعب إسرائيلي لتسويق غاز «لفيتان»: اتفاق تصدير لمصر.. تنفيه شركة «اي أم جي»
قبل أسبوع تقريباً، وفي حمى الأحداث المتسارعة في المنطقة، أعلنت شراكة حقل الغاز الإسرائيلي في البحر المتوسط «لفيتان»، إبرام مذكرة تفاهم لتصدير الغاز إلى مصر عبر شركة «إي ام جي» (EMG) التي تملك خط الغاز البحري من عسقلان إلى العريش.
وأثار الخبر أصداء مختلفة في قطاعات اقتصادية وسياسية، ليس فقط في إسرائيل، بينها ارتفاع قيمة أسهم الشركات صاحبة الامتياز في حقل «لفيتان» في بورصة تل أبيب، وتزايد التقديرات بقرب إقرار صيغة الغاز التي تبنتها الحكومة الإسرائيلية. لكن سرعان ما أفاد خبراء أن الخبر ليس بالضرورة صحيحاً، رغم تقديم معطياته للبورصة، وأن هناك تناقضات في المواقف بين شراكة «لفيتان» وشركة «إي أم جي» بهذا الشأن. وتظهر التناقضات أن المصادقة على صيغة الغاز واستثمار حقل «لفيتان» ليس بالسهولة التي كان ينظر إليها سابقاً.
وكان أول من اعترض على إعلان التوقيع على مذكرة التفاهم شركة «إي ام جي» نفسها، التي تتكون من أطرافٍ إسرائيلية ومصرية ودولية عدة. فقد أعلنت الشركة أنها لا تعلم شيئاً عن مذكرة التفاهم التي وقعتها شركة «دولفينوس» مع شراكة «لفيتان». وزادت الشركة على ذلك بالإعلان أنها أصلاً تدير خلافاً مع الحكومة المصرية، وأن الخلاف يخضع لتحكيم دولي، بعدما أوقفت مصر ضخ الغاز لإسرائيل إثر سقوط حكم الرئيس السابق حسني مبارك.
وأعلنت «إي أم جي» أنها من أجل «إزالة أي التباس»، لم تجر أي محادثات بينها وبين «دولفينوس» على صفقة كهذه، ولم تجر أيضاً مفاوضات بهذا الشأن في الماضي. و «إي أم جي» تحتج بشدة على تكرار استخدام اسمها من دون موافقتها، وهو أمر معد كما يبدو لـ «خدمة مصالح طرف ثالث». وكانت شركة «دولفينوس» قد أعلنت أنها توصلت لـ«اتفاق أولي مع أحد أصحاب أسهم شركة أي أم جي»، وهذا ما اضطر شراكة «لفيتان» بعدها لإعلان أنها «لم تعلن الاتفاق مع أي أم جي، بل مع صاحب الأسهم فيها يوســي ميمان، في إطار التحكيم الجاري بينه وبين مصر».
وقد تبين بعد إعلان «إي أم جي» أمس الأول عدم معرفتها بالمفاوضات الجارية بين «دولفينوس» وشراكة «لفيتان»، أن قام ممثلو «دولفينوس» بالتوضيح أنهم التقوا مع ممثلي الشركة، وتوصلوا إلى تفاهمات مع أحد مالكي الأسهم. وبكلمات أخرى، فإن «دولفينوس» لا تملك حالياً أصوات غالبية مالكي أسهم «إي أم جي» لإقرار الصفقة وضخ الغاز في أنبوب «إي أم جي» الواصل بين إسرائيل ومصر. وعادت «دولفينوس» للقول «إننا توجهنا إلى إي أم جي وإلى مالكي الأسهم فيها مرات عدة بهدف استخدام أنبوب الغاز، وقد توصلنا إلى اتفاق أولي مع أحد مالكي الأسهم في إي أم جي». وتؤكد كل المعطيات أن «دولفينوس» لا تملك حق القرار ولا الغالبية بين أصحاب الأسهم، ولذلك فإن الاتفاق كان «أولياً». ومع ذلك، تواصل الشراكة الحديث عن التزامها بـ «ضمان ضخ الغاز بأسرع وقت، ونؤمن بأن الفرصة الاقتصادية الكبيرة هذه ستفيد كل أصحاب الأسهم».
وأشارت مذكرة التفاهم إلى صفقة كبيرة بين شراكة «لفيتان» ومصر تتعلق بأربعة مليارات مليار متر مكعب من الغاز سنوياً لمدة تتراوح بين 10 إلى 15 عاماً. وقيل إن سعر الغاز المتفق عليه سيكون مشابهاً لسعره في الاتفاقيات الأخرى لتصدير الغاز من إسرائيل إلى الأسواق الإقليمية، وهو مرتبط بسعر برميل النفط. وتجدر الإشارة إلى أنه في آذار الماضي أيضاً، تم التوقيع بين شراكة «لفيتان» و «دولفينوس» على تصدير غاز على مدى ثلاث سنوات، بحجمٍ يصلُ إلى خمسة مليارات متر مكعب.
ومن الواضح أن اعتبارات تجارية إعلانية وسياسية موضعية لعبت الدور الأبرز في إصدار الإعلان عن التوقيع على مذكرة التفاهم، فقد ارتفعت أسهم «لفيتان» يوم الإعلان في 25 تشرين الثاني بنسبة 3.3 في المئة. وهذا ما أثار لدى البعض شبهات بوجود ما يمكن اعتباره تلاعباً أو مؤامرة من جانب الجهات التي وقفت خلف الإعلان. وقد تساءل معلقون إسرائيليون عن مدى مصلحة بعض الجهات في إفادة رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو الذي عمد إلى إجراء تعديلات في حكومته بقصد إقرار صيغة الغاز.
وأشار معلقون إلى أن موعد إبلاغ البورصة بتوقيع مذكرة التفاهم كان مثيراً للاستغراب، لأنه جاء في ذروة السجال العام حول صيغة الغاز، ومع بدء لجنة الاقتصاد في الكنيست مناقشتها. ومعروف أن أحد مبررات الحكومة الإسرائيلية لحث الكنيست على الإسراع في إقرار صيغة الغاز، هو أن هذه الصيغة ستعزز السلام مع مصر والأردن.
ولم يكن صدفة أن وزير الطاقة الإسرائيلي يوفال شتاينتس، الذي يلعب دور المحرك لإقرار صيغة الغاز في الكنيست، كان أول من بارك الإعلان. وقال شتاينتس إن «اتفاقية الإطار تثبت مرة أخرى حيوية صيغة الغاز من ناحية اقتصادية وسياسية على حد سواء. وكما شددت في الأسابيع الأخيرة، فإن المزاعم بأن اكتشاف حقل شروق في مصر يلغي الفرضيات الأساسية لصيغة الغاز، ليست صحيحة. من ناحية إسرائيل، الأمر هنا يتضمن ليس فقط فرصة اقتصادية لتطوير حقل لفيتان، بل أيضاً، للمرة الأولى، تحصين اتفاقيات السلام مع مصر والأردن عبر روابط اقتصادية ذات أهمية سياسية فعلية. وكل هذا لم يكن ممكناً من دون التقدم الهائل نحو بلورة صيغة الغاز، والشعور في منطقتنا والعالم بأنه، بعد جمود لسنوات، إسرائيل تستعد بجدية لتطوير حقول الغاز المكتشفة في عمق البحر».
ومعروف أن شراكة «لفيتان» تضم كلا من شركات «نوبل إنرجي» الأميركية و «ديلك» و «رتسيو» و «أفنير» الإسرائيلية. وقال المدير العام لشركة «أفنير» للتنقيب جدعون تدمور إن «الاتفاقيات لتصدير الغاز الإسرائيلي إلى مصر والأردن هي تجسيد للسلام الاقتصادي. فاكتشافات الغاز تسمح بتعزيز منظومة العلاقات بين إسرائيل والدول العربية المجاورة، والتأثير على حياة ملايين السكان في أرجاء المنطقة. ونحن سنواصل الالتزام بتطوير حقل لفيتان ومشروع توسعة حقل تمار، بهدف توفير أمن الطاقة لإسرائيل والدول المجاورة».
وفي كل الحال، فإن مذكرة التفاهم تتعلق بخط الغاز الذي كثيراً ما أثار الخلاف بين مصر وإسرائيل بعدما كان عنوان التعاون بينهما لسنوات خلت. ومعروف أن للخط مسارين، أحدهما بري يمر بسيناء إلى نقطة في البحر قرب العريش، ليتخذ بعدها مساراً بحرياً من العريش إلى شاطئ عسقلان. وقد تعرض خط الغاز البري في سيناء مراراً لعمليات تفجير نفذها متشددون إسلاميون حتى قبل أن يسمع الناس باسم تنظيم «داعش» الذي ينتمي إليه المتشددون في سيناء حالياً. وهناك من يعتقد أن الحديث عن خط الغاز البري عبر سيناء صار اليوم أشد صعوبة من أي وقت مضى، على الأقل بسبب العمليات التي ينفذها أنصار «داعش» في سيناء ضد الجيش والمؤسسة الرسمية المصرية. وفي نظر خبراء إسرائيليين، فإن الخط في مساره البري لا يتطلب فقط استثمارات كبيرة لإصلاحه، بل هو عرضة لمخاطر التفجير مرة أخرى مستقبلاً.
حلمي موسى
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد