بلدان توشك فيها النقود أن تنقرض
هل بات وقف التعامل بالنقود مقابل استخدام البطاقات البنكية الالكترونية أمراً أكثر «نظافة» و «أكثر أماناً»، كما يقول البعض؟ في هولندا، من المؤكد أن النقود السائلة لا تلقى اهتماماً يذكر. ففي العديد من الأماكن، لم يعُد يُعترف بها كأداة للتعامل القانوني. وتتزايد أعداد أصحاب المتاجر الهولندية، التي تتعامل فقط ببطاقات الخصم المباشر البنكية.
مَن يحمل النقود يُجبَر على الانتظار في طوابير طويلة جداً في الأسواق المركزية، في وقت يدفع حاملو بطـــاقات الخصم المباشـــر البنكية بسرعة. يقول ميشيل فان دوايفيرين، كبير المستـــشارين في تعاملات المصارف لدى البنك المركزي الهولندي (دي إن بي): «العمـــلة النقدية باتت كأنها ديناصور، لكنــــها ستبقى». ويلفت الانتباه إلى أن الأمور اللوجستية هي التي تجعل التعامل بالنقود مكلفاً (إذ يتوجّب نقلها، وحراستها، وعدّها، وتدوينها) في مقابل سهولة الدفع بالوسائل الإلكترونية.
أرخص وأكثر أمانًا
إن الدفع بالوسائل الالكترونية في متاجر وأسواق هولندا تجاوز الدفع نقداً لأول مرة في العام 2015 بنسبة ضئيلة. فقد بلغت نسبة الدفع عن طريق بطاقات الخصم المباشر البنكية 50 في المئة، بينما كان الدفع نقداً بنسبة 49.5 في المئة، أما النسبة المتبقية، وهي 0.5 في المئة، فقد كانت ببطاقات الائتمان. وتتحرّك مجموعة من البنوك وباعة التجزئة الهولنديين ممن يريدون زيادة نسبة الدفع بالوسائل الالكترونية لتصل إلى 60 في المئة مقابل 40 في المئة للعملة النقدية المتداولة بحلول العام 2018. ويقولون إن الدفع غير النقدي هو أرخص وأكثر أماناً وملائمة.
ومثل هولندا وجيرانها من الدول الاسكندنافية، تعتبر السويد ضمن دول الصدارة في السباق للتخلص من العملة النقدية في مقابل التعامل بالبطاقات الالكترونية. لكن، لا يحبذ الجميع الأمر.
«إنها معضلة كبيرة. فبالنسبة لأصحاب الأعمال الصغيرة، يكلف إيداع النقود في البنوك والمصارف الكثير من المال»، حسبما يقول غويدو كارينتشي، رئيس مؤسسة «تومر» للأعمال الصغيرة. ويصف كارينتشي الوضع بأنه «مفزع»، قائلاً إن عليه دفع رسوم تصل إلى 300 كرونا سويدية (قرابة 35 دولاراً أميركياً) كل شهر لشركة ما كي تقوم بإيداع النقد في حسابه المصرفي. ونظراً للنفقات الباهضة للتعامل بالنقد، والمخاوف الأمنية، تخلّت متاجر سويدية عدة فعلاً عن أجهزة التعامل بالنقود، بما فيها شركة «تيليا» العملاقة للاتصالات، حيث توقفت مراكزها الـ86 عن قبول النقد في العام 2013.
روابط ثقافية
لكن بعض المجتمعات والثقافات متردّدة بقوة بشأن التخلي عن النقد، بما فيها ألمانيا التي يعتقد المستهلكون فيها، حسب دراسة حديثة أجراها البنك المركزي للبلد، أن استعمال النقود يعطيهم تحكماً أفضل في عملية الإنفاق. ففي بلد يُعتبر القوة الاقتصادية العظمى لأوروبا، لا تزال أكثر من 75 في المئة من المدفوعات تُجرى عن طريق العملة النقدية. أما في إيطاليا، حيث تمتد جذور عميقة للتعامل بالنقود، فإن تلك النسبة تقفز إلى 83 في المئة.
وبقدر ولع الأميركيين بعملة الدولار حتى وقتنا الحاضر، فإن السير خطوة نحو التخلي عن النقد بدأ يترسّخ عبر الأطلسي أيضاً، مع أنه تم اعتماد بطاقات الائتمان المحتوية على شريحة الكترونية في العام الماضي فقط في الولايات المتحدة، بعد عقد كامل مما جرى في الكثير من الدول الأوروبية.
إن التقدم الحاصل في مجال التقنيات المتنقلة جعل المصارف تتقدم بقفزات لتسبق طرق الدفع نقداً في بعض الدول الأفريقية. ففي كينيا وتنزانيا، على سبيل المثال، دفعت منظومة «إم - بيزا» البنكية المتنقلة للدفع غير النقدي الملايين من الناس لدفع الفواتير، وتسلّم رواتبهم، وشراء الدواجن والمواشي، وحتى القيام بتعاملات بسيطة في الأسواق المحلية، عبر حسابات بنكية تُجرى عن طريق تطبيقات هواتفهم النقالة.
(بي بي سي)
إضافة تعليق جديد