المصريون نحو مزيد من التقشف
«الحكومة تعمل لمصلحة محدودي الدخل، ولكن الإصلاح الاقتصادي ستكون له تكلفة». هكذا أكد رئيس الوزراء المصري شريف إسماعيل في مؤتمر صحافي عقده ظهر أمس مع وزراء المجموعة الاقتصادية. وأكد خلاله أن أسعار السلع سوف ترتفع نتيجة رفع أسعار الوقود.
إسماعيل أعلن أنه سيعقد اجتماعاً اليوم مع المحافظين لوضع خطة للسيطرة على الأسعار عقب القرارات الاقتصادية الأخيرة، ولكنه لَمَّحَ في المؤتمر ذاته إلى رفع قيمة تذكرة مترو الأنفاق، قائلاً: «الحكومة لن تستطيع الاستمرار في تقديم خدمة المترو بالمستوى نفسه والأسعار نفسها».
المؤتمر الصحافي الذي عقده رئيس الوزراء بهدف امتصاص صدمة القرارات الاقتصادية التي صدرت أمس الأول، وتضمنت تحرير سعر الصرف ورفع أسعار الوقود، حضره وزراء المالية والبترول والتضامن الاجتماعي والتموين، ولكنه لم يحقق الكثير مما هدف إليه.
فقد شهد المؤتمر إصدار قرارات تهدف لتقليل أثر الإجراءات التي اتخذتها الحكومة، مثل رفع نصيب الفرد في بطاقات التموين من 18 جنيها إلى 21 جنيها شهريا، أي بزيادة ثلاثة جنيهات فقط، وخفض سن المستفيدين من برنامج «تكافل وكرامة» الذي يصرف دعما نقديا للمسنين الذين تتراوح أعمارهم بين 60 و65 عاماً، والمعوقين والأسر الفقيرة، وذلك بشروط معينة. وأيضاً رفع سعر شراء القمح من الفلاحين من 420 إلى 450 جنيها خلال الموسم المقبل، ورفع سعر شراء الذرة من 2100 جنيه إلى 2500 جنيه، ورفع سعر شراء قصب السكر من 400 جنيه إلى 500 جنيه.
القرارات التي اتخذتها الحكومة عقب إجراءاتها أمس الأول لم تعالج الكثير من آثار تلك الإجراءات، فالزيادة في البطاقات التموينية بقيمة ثلاثة جنيهات للفرد، سبقتها زيادة في سعر سكر التموين من خمسة جنيهات إلى سبعة جنيهات، أي أن الزيادةَ ابتَلَعَ ثلثَيها زيادةُ سعر سلعة واحدة فقط.
كما أن المؤتمر الصحافي الذي توقع الكثيرون أن يطمئن الفقراء تجاه آثار إجراءات الحكومة، حمل معه التلميح برفع أسعار تذاكر المترو، وهي وسيلة المواصلات الأرخص والأكثر استخداما من قبل الطبقات الفقيرة.
بينما أكد رئيس الوزراء في المؤتمر أن الدولة كانت عازمة على إلغاء الدعم عن الوقود على مدار خمس سنوات، ولكن لم تعد هناك رفاهية لذلك، بما يعني المضي قدماً في إلغاء الدعم بالكامل عن الوقود، بما سيؤدي لارتفاعات أخرى في أسعار الوقود. كما اكد رئيس الوزراء أن الحكومة بصدد اتخاذ المزيد من الإجراءات لمصلحة الاستثمار والمواطن.
حديث إسماعيل ووزراء المجموعة الاقتصادية أمس لم يمتص صدمة الإجراءات التي اتخذتها الحكومة، وربما يكون أضاف عليها بما تضمنه من نية الحكومة اتخاذ قرارات جديدة قريبا سواء برفع أسعار تذاكر المترو أو باستكمال إلغاء الدعم على الوقود، والذي تم توفير 22 مليار جنيه منه في الخطوة الأخيرة، بحسب حديث وزير البترول في المؤتمر، أو بالقرارات المنتظرة لدعم الاستثمار التي وعد بها رئيس الحكومة.
تأثير الإجراءات التي اتخذتها الدولة كان أسرع وأقوى من حديث رئيس الحكومة والوزراء في المؤتمر الصحافي. ففي اليوم الثاني لتحرير سعر الصرف، ارتفع سعر الدولار من 13 جنيها، وهو السعر الموقت الذي حدده المصرف المركزي إلى 16 جنيها في بعض المصارف، منها مصرف القاهرة المملوك للدولة. بينما كان أقل من ذلك في السوق الموازية قبيل قرار التحرير. وهو السعر الذي لا يعبر عن استقرار سوق الصرف، فقرار تحرير سعر الصرف جاء قبل العطلة الأسبوعية مباشرة، وهي التي تشهد تباطؤا في حركة الأسواق، ما يعني أن سعر الدولار المحرر مرشح للارتفاع في الأيام المقبلة، بحسب العرض والطلب.
قرار رفع سعر الوقود انعكس مباشرة في الشارع المصري. ففور تسرب أنباء القرار أغلقت محطات الوقود أبوابها أمام السيارات، وبدأت طوابير السيارات تصطف للحصول على الوقود قبل تطبيق الأسعار الجديدة. بينما في الصباح بدأت أسعار الوقود الجديدة تظهر على أجرة المواصلات الخاصة، والتي ارتفعت سواء بشكل مباشر، عبر رفع السعر مباشرة، أو بشكل غير مباشر، عبر خفض المسافة مع تثبيت القيمة. كما بدأ العديد من المطاعم الشعبية برفع اسعاره، وهو ما ظهر أوضح على محلات بيع الفول والطعمية المنتشرة في مصر.
السرعة التي ظهرت بها تأثيرات قرارات الحكومة لا تعبر عن كامل تأثير تلك القرارات بسبب أن العطلة الأسبوعية عطلت بالفعل ظهور تلك التأثيرات في الأسواق، ولكن ما ظهر منها يعبر عن عمق تأثيرها المرتقب على الشارع المصري، خاصة مع الضعف الواضح في القرارات التي أعلنتها الحكومة في المؤتمر الصحافي، والتي لن تكون كافية لامتصاص جزء من تلك الآثار.
ولكن ما يجب التوقف عنده هو أن ما قامت به الحكومة بالفعل ليس سوى خطوة ضمن خطوات أخرى أكد رئيس الحكومة العزم على المضي بها، سواء في ما يتعلق بالإلغاء الكامل لدعم الوقود، أو رفع اسعار المواصلات الشعبية أو المزيد من الدعم للمستثمرين.
مصطفى بسيوني
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد