الغرب كذاب، حتى لو...
ثمّة رأي سائد يقول إن ألمانيا هي من بدأ الحرب العالمية الثانية عندما هاجمت قواتها بولونيا في 1 أيلول 1939، وبعدما رفضت الانصياع للإنذار البريطاني الفرنسي بالانسحاب. في 3 أيلول أعلنت بريطانيا ومعها مستعمراتها، وكذلك فرنسا الحرب على ألمانيا رسمياً، وبدأت الأخيرة بالتوغل في الأراضي الألمانية، وتلا ذلك انضمام كندا وأوستراليا ونيوزيلندا وجنوب أفريقيا في إعلان الحرب على ألمانيا.
ما يهمنا هنا أن المؤرخين يعدون أن ألمانيا هي البادئة بالحرب، لأنها كانت تدرك أن غزوها بولونيا سيؤدي إلى اندلاع حرب بينها وبين فرنسا وبريطانيا.
وفي الحادي عشر من كانون الأول 1941، أعلنت واشنطن الحرب على اليابان، في أعقاب الهجوم على بيرل هاربر، فتبع ذلك إعلان ألمانيا الحرب على الولايات المتحدة. هنا يمكن القول بالمثل: إن واشنطن كانت تعلم أنها بإعلانها الحرب على اليابان ستنخرط في حرب مع ألمانيا المتحالفة معها، أي أن واشنطن هي التي بدأت الحرب على ألمانيا.
لكن ثمة حقائق أخرى، بقيت مُخفاة إلى أن حان تاريخ الإفراج عن بعض الوثائق المكتومة ذات العلاقة. من هذه الحقائق ما يعرف بحادثة «المدمرة الأميركية غرير» التي يقال إنها وقعت في 4 أيلول 1941 عندما ادعت واشنطن أن غواصة ألمانية هاجمتها من دون أي استفزاز.
نحن نعلم أن الرئيس الأميركي روزفلت أعلن رفضه القاطع للانخراط في أي تحالف معادٍ لألمانيا النازية، وكرر الموقف العلني ذاته بعد اندلاع الحرب في عام 1939، لكن واشنطن كانت منخرطة سرياً في مساعدة بريطانيا وفرنسا بالأسلحة، رغم قانون الحياد.
في تاريخ لاحق، قرّر روزفلت الانخراط في الحرب، فعملت إدارته على اختراع مجموعة من الأكاذيب ضد ألمانيا، بهدف إثارة الرأي العام الأميركي المعادي للحرب، وتغييره لمصلحة الانخراط فيها. وهنا تأتي حادثة المدمرة غرير. مكان نشاط هذه المدمرة كان في شمالي المحيط الأطلسي إلى جانب طائرات بريطانية تلاحق غواصة ألمانية، ألقت بقنابل العمق عليها، لكنها لم تصبها. ومع أن الطائرة البريطانية عادت إلى قواعدها، استمرت المدمرة الأميركية في ملاحقة الغواصة الألمانية التي أطلقت طوربيد باتجاهها، لكن أي من الطرفين لم يصب الآخر في هذا الاشتباك والذي تلاه. بعد مرور أسبوع على الاشتباك، قال الرئيس روزفلت إن الغواصة الألمانية أطلقت طوربيداتها على الطراد الأميركي من دون أي استفزاز، وضمن حدود واشنطن البحرية الدفاعية، وهذا كذب، كما توضح الوثائق لأنه تجاهل وجودها إلى جانب الطائرة الحربية البريطانية المهاجمة التي ألقت القنابل تجاهها. كذلك كذب عندما أخبر شعبه بأن الغواصة الألمانية أطلقت الطوربيد باتجاه المدمرة، رغم علمها بأنها أميركية، وبأن بلاده لا تسعى إلى مواجهة مع ألمانيا. الحقيقة التاريخية أن القادة العسكريين الأميركيين كانوا قد أخبروا روزفلت قبل الاشتباك بأنه لم يكن ممكناً للغواصة الألمانية معرفة هوية المدمرة. كذلك فإن الأخير كان قد أخبر تشرتشل في شهر آب أن واشنطن ستشارك في الحرب من دون إعلانها، وأنه سيعمل على رفع درجة استفزاز القوات الألمانية النازية حتى يندلع حادث يمنحه عذراً لإعلان الحرب.
ثمة مثل شعبي معروف يقول: الكذاب، لا أحد يصدقه، حتى لو قال الصدق. المقصود أن الكذب لا يعد من الفضائل، حتى لو كان لأجل أن يرى البعض أنه نبيل.
عندما يكذب سياسي ما، أو نظام ما، فحتى يصدق العامة كلامه يجب أن يكونوا واثقين من صدقه/ الكاذب. أما الكاذب، فلا ينفعه الكذب، أو حتى قول الحقيقة، لأن الناس لن يصدقوه في الحالتين. إحدى مشاكلنا ومشاكل العالم المستعصية مع الغرب، الاستعماري طبعاً، أنه كذاب إلى درجة تفوق كل التصورات.
الغرب، يعاني مرضاً مزمناً اسمه الكذب، على نفسه وعلى شعوبه وعلى العالم، وهذا أمر لا يختلف عليه المؤرخون والمحللون وعلماء السياسة وغيرهم، الذين يحترمون المقاييس العلمية.
زياد منى
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد