ملكات جمال سوريا في الخمسينيات
يقول شيللر”لا شيء غير الجمال قادر على أن يجعل العالم بأسره سعيداً” فالجمال قيمة أصيلة ومتجذرة لدى البشر منذ بدايات وجودهم، بمعنى أن لدى كل فرد القدرة على تذوق الجمال ورؤيته والإحاطة به حسب مقاييسه ومحاكمته الخاصة، والبعض يستطيع إنتاج وصنع جمال يغني الحضارات. وتعتمد هذه القيمة على الوعي والإدراك لدى الفرد والحس الداخلي العميق، وتتطور بمقدار تطور الحضارات وصقل الثقافة والعلم للكائن البشري. تعددت الأشكال التي يعبر البشر بها عن تقديرهم للجمال واحتفائهم به، وشكلت مسابقات ملكات الجمال في فترات طويلة، إحدى أشكال هذا الاحتفاء.
البدايات
بدأت مسابقات ملكات الجمال في سوريا عام 1952، وكانت سوريا في تلك الفترة في حالة نهوض فكري وثقافي وسياسي واجتماعي، بلد ينبض بالحياة والتحرر المعتدل. فبعد خروج المستعمر الفرنسي، بدأت بالظهور حركات ثقافية، وحركات تحرر نسوية، دعمت حضور المرأة، فأصبح لها مكانتها في العمل السياسي والثقافي، وبدأت ترسم الخطوط الأولى لنهضتها وإثبات وجودها بشكل يبشر بحدوث تغيير في طبيعة حياتها وتفعيل دورها في الحياة العامة.
وعلى الرغم من أن مسابقات ملكات الجمال تطرح المرأة ضمن مفهوم مغاير لما تسعى له حركات التحرر، إلا أن هذه المسابقات كانت تكرس ظهور المرأة وتواجدها خارج إطار المنزل والعائلة، لتشكل محط أنظار العوام وآرائهم، وتعد الحقبة مابين 1952 حتى عام 1961 الأكثر احتواء لهذه المسابقات.
إذاً كانت البدايات في عام 1952، حيث حصلت ليلى تبريز توما، على لقب أول ملكة جمال في سوريا، في حفل أقيم في نادي الشرق وسط العاصمة دمشق، بالتزامن مع الموسم الثاني لانتخاب ملكات جمال العالم، والتي بدأت من بريطانيا على يد إيريك مورلي عام 1951. وتعد ليلى تبريز توما أصغر ملكة جمال في تاريخ الجمهورية العربية السورية، فقد حصلت على اللقب وهي ابنة 18 عاماً حيث كانت تستعد لامتحانات البكالوريا.
ملكات جمال سوريا في الخمسينيات ليلى تبريز طبيعة المجتمع
لا يفوتنا أن البيئة الاجتماعية العامة كانت متحفظة، ولم تكن سوريا بلداً متحرراً بالكامل، إلا أن هذه المسابقات كانت تلقى رواجاً كبيراً، وتحقق حضوراً ومتابعة شعبية كبيرة. وكان هناك العديد من المسابقات، مثل مسابقة ملكة جمال سوريا وملكة جمال دمشق وملكة جمال حلب. وقد توجت بلقب ملكة جمال سوريا عام 1953 الآنسة بيتشامير ميني، وجاء في مقابلة أجرتها معها صحيفة الاثنين والدنيا: “لاتستطيع وصف الأضواء والحضور المزدحم اللذين عجت بهما أروقة نادي الشرق بدمشق، في ليلة انتخاب ملكة جمال سوريا، كان الإقبال على أشده بين السوريين لينتخبوا ملكات الجمال.
وبقيت المنافسة شديدة بين المتنافسات حتى نالت الآنسة بيتشامير ميني اللقب بكل جدارة، وباعتراف كل من لجنة التحكيم والحاضرين معاً. والآنسة بيتشامير ميني هي سورية الأصل من أم يونانية. تجيب بيتشامير على سؤال الصحيفة:
ما هو المستقبل الذي تتطلعين إليه بعد فوزك؟
“ليس لي أطماع واسعة كل ما أتمناه حياة عائلية سعيدة، قوامها البساطة والاستقرار والطمأنينة”.
منافسة حامية
واستمرت هذه المسابقات في الأعوام التي تلت، فبين عامي 1955- 1958 تنافست ثلاث مرشحات على اللقب، وبدأ الحديث في الصحف والمجلات عن منافسة شديدة، حيث كانت المتقدمات للمسابقة على قدر كبير من الثقة بجمالهن وحضورهن، وكل واحدة منهن كانت تصرح بأنها الأجمل والأجدر وصاحبة الحق الأولى باللقب، والتف حول كل متسابقة عدد كبير من المشجعين والمعجبين والداعمين، ونظمت هذه المسابقات في كل من دمشق وحلب، وكانت تقدم عدة عروض منها، عروض الربيع والصيف والخريف والصحافة والقطن والحرير، وفي كل عرض تظهر المتسابقات، ويبدأ التنافس والتصويت لهن. وحظيت المتقدمات في هذه المسابقة بشهرة واسعة وهن: حسناء وفائي وعمرها 17، وهيفاء أشرفية عمرها 18، ومنى عبد الأحد وعمرها 16، كان لكل واحدة من هذه الفتيات جمالها المتفرد والمختلف وشخصيتها المستقلة وطريقتها في ممارسة الحياة وحبها للأشياء. كانت كل من هيفاء ومنى تتابعان تعليمهما في المرحلة الثانوية، أما حسناء فقد تركت التعليم لتتفرغ لتعلم العزف على آلة البيانو، وحسب إحدى الصحف التي وجدت في تلك الفترة فقد جلست هيفاء أشرفية على عرش ملكة جمال الصيف عام 1955، وحصلت حسناء وفائي على أكثر من ذلك، فجلست على عرش مملكة جمال الأناقة عام 1956، ومملكة جمال القطن عام 1957، أما منى فقد انتخبت كملكة جمال الصحافة عام 1957.
وكان لصحيفة آخر ساعة مقابلة مع كل من المتسابقات للتحدث عن نفسها وهنا بعض منها:
“تقول هيفاء: أنا أهوى التطريز وأحب قصص إحسان عبد القدوس وأقرأ تفسير القرآن الكريم، ويعجبني عبد الحليم حافظ.
أما حسناء فتقول: أحب محمد عبد الوهاب، أحب اللون الأخضر وموضة الشروال، وأعتقد أن ملكة جمال الأناقة في العالم بريجيت باردو.
وتصرح منى بأنها تحلم بأن تعمل في الصحافة ذات يوم، وترقص الروك آند رول وتحب عبد الوهاب وموسيقى بيتهوفن.
جمال وثقافة
أما في العام 1961 فقد فازت بلقب ملكة جمال دمشق الآنسة ميادة الحلواني، والتي قالت بعد فوزها: أنا من عائلة محافظة، ذلك لم يمنعني من أن أكسب ثقة أهلي وتركي أنافس على لقب ملكة جمال دمشق، لقد تعلمت الكثير على الرغم من صغر سني، فأنا لم أتعد العشرين من عمري بعد، إلا أن القراءة والثقافة بنظري هما الأهم من الجمال والمال، والرجل الحقيقي يبحث عن الفتاة المثقفة والقارئة أكثر من بحثه عن الفتاة الجميلة.
كانت الفترة من عام 1953 حتى عام 1961كما ذكرنا سابقاً، أول ظهور لهذه المسابقات ، لتنقطع بعدها وتعود للظهور مؤخراً، وكان ذلك يعد في تلك الفترة تحولاً حقيقياً، وانفتاحاً اجتماعياً، حيث كان ينظر إلى هذه المسابقات في معظم دول العالم على أنها شكل من أشكال الرفاهية، ومن المعروف أن نشاطات مثل هذه تعتبر من قبل المدافعين عن حقوق المرأة ومساواتها بالرجل، تكريساً لها ولجسدها كسلعة، أو كحالة تنميط للمرأة في شكل معين ليصبح هوساً تسعى للحصول عليه لدى معظم النساء. ولكن في تلك الفترة التي شهدت الكثير من التغيرات، كانت هذه المسابقات خطوة جيدة، للتغيير فيما يخص وضع المرأة مستقبلاً، وخروجها من نمط المرأة المربية، وربة المنزل، لتصبح قادرة على الظهور، إن لم يكن كإمرأة متعلمة ومثقفة وناشطة سياسياً، فكحالة لتقدير الجمال والإحتفال به .
سلام إسبر
إضافة تعليق جديد