تعويل حكومي على موسم قمح وافر: حسابات «الإدارة الذاتية» تنغّص آمال فلّاحي الحسكة
لا يذكر أحمد العيسى (47 عاماً) أنه شهد موسماً وفيراً من القمح والشعير، مثل هذا العام. يستدرك الرجل بعدما أتمَّ حصاد حقوله المزروعة بالشعير في قرية سبع سكور في ريف الحسكة الجنوبي الشرقي، ويقول: «ربّما كان موسم عام 1988 قريباً منه، لكن الخير هذا العام أكثر». وفي حقله الذي لا يزال اللون الأخضر يكحّل بعض سنابل قمحه، يتأمل أحمد محصوله والابتسامة لا تفارق وجهه، ويقول: «الأرض أعطت من كل دونم 40 كيساً (بين 80 و90 كيلوغراماً) من الشعير، وهو إنتاج يكاد يكون مضاعفاً لعدة مرات عن إنتاج المواسم السابقة». حال محصول أحمد الوفير مشابه لحال محاصيل أغلب مزارعي الحسكة، التي لطالما اعتُبرت العاصمة الزراعية للبلاد.
الآمال والتوقعات، الشعبية والحكومية، بحصاد وفير ونادرٍ هذا العام، أتت مطابقة للواقع حتى الآن، بالنسبة إلى موسم الشعير على الأقل. إذ كانت وزارة الزراعة قد أعطت أرقاماً تقديرية عن إنتاج هذا العام، وصلت إلى حدود 2.7 مليون طنّ من القمح، ومليوني طنّ من الشعير، وهي أرقام تبدو قابلة للزيادة، في ظلّ تجاوز إنتاج بعض الحقول جنوبي الحسكة، معدّل 50 كيساً للدونم الواحد.
وأعادت وفرة المحصول وزيادة مساحة الأراضي المزروعة عن العام الماضي (ارتفعت بنحو 250 ألف هكتار)، إلى جانب الأمطار الغزيرة، الأمال بتعافي القطاع الزراعي، وسدّ فجوة الإنتاج خلال السنوات الماضية. وشكّلت جهود وزارة الزراعة في إعادة إعمار البنية التحتية الزراعية، ولا سيما شبكات الري، عاملاً مساعداً في زيادة مساحة الأراضي المستثمرة. ويشرح وزير الزراعة، أحمد القادري، أن «أكثر من 800 ألف هكتار تم تحريرها، وعاد الأهالي والفلاحون إليها وباشروا زراعتها، ما انعكس إيجاباً على المساحات المزروعة». ويوضح القادري أن «الموسم هذا العام ممتاز، والحكومة تعمل على تسلّم المحاصيل، واتخذت كل الإجراءات المطلوبة». ويؤكد أن رفع أسعار شراء القمح والشعير كان «بهدف تشجيع الفلاحين على تسليم محاصيلهم إلى المراكز الحكومية»، لافتاً إلى أن «الأسعار التي حُدّدت تفوق السعر العالمي المعتمد لشراء القمح».
«تسهيلات» حكومية
أنجزت الحكومة التحضيرات اللازمة للبدء بتسلّم القمح والشعير من الفلاحين، وذلك بعدما منح «المصرف الزراعي السوري» سلفة حكومية بقيمة 400 مليار ليرة، لتسليمها تباعاً للفلاحين، وفق جداول تسليم محاصيل القمح. ويقول المدير العام لـ«السورية للحبوب»، يوسف قاسم إنه «تم افتتاح 40 مركزاً لتسلّم محاصيل القمح على مستوى القطر، وتجهيزها بكل المستلزمات»، فيما يؤكد المدير العام لـ«المصرف الزراعي»، إبراهيم زيدان، أن «السيولة المادية متوفّرة لشراء كل ما سيعرض على المراكز الحكومية من أقماح، إذا زادت الحاجة عن قيمة الـ 400 مليار التي تم تخصيصها بداية».
وشكّل تحرّك رئيس الوزراء، عماد خميس، لإلغاء قرار سابق بتسلّم محصول القمح والشعير وفق الترخيص المسبق وشهادة المنشأ، لمصلحة الاكتفاء بالكشف الحسي وإثبات ملكية الأرض والمحصول، عاملاً إيجابياً يسهّل عملية التسلّم من الفلاحين. وسيشكّل هذا القرار عاملاً مهماً لقطع الطريق على التجار الوسطاء، وعلى محاولات تهريب القمح والشعير إلى الخارج. وفي هذا السياق، يؤكد وزير الزراعة أن «الحكومة معنية بتسلّم محاصيل الفلاحين، بما يسهم في استقرار الفلاحين في أراضيهم وزراعاتهم»، مشيراً إلى «التوقعات بأن إنتاج هذا العام سيحقق دخلاً اقتصادياً جيداً للفلاحين، وينعكس إيجاباً على الدخل القومي، والأمن الغذائي للبلاد».
«أزمة» التسليم
في مقابل الاستعدادات الحكومية، يبدي فلاحو الحسكة تخوّفاً من قيام «الإدارة الذاتية» بمنعهم من بيع محاصيلهم إلى المراكز الحكومية، وإجبارها إياهم على تسليمها إلى مراكزها. وإلى جانب انخفاض السعر الذي حددته «الإدارة الذاتية» لشراء القمح والشعير، خرجت تصريحات عدّة عن مسؤولين فيها تؤكد أنه «لن يُسمح بخروج حبّة قمح واحدة خارج الشمال السوري، وسيتم شراء كل محاصيل الفلاحين». وفُسّر هذا التوجه على أنه رسالة للفلاحين بأن التسليم سيكون محصوراً بالمراكز التي افتتحها «الإدارة الذاتية» في كلّ من الحسكة ودير الزور والرقة وريف حلب. واتهم بعض الفلاحين «الإدارة الذاتية» بأنها تسعى إلى المتاجرة برزقهم، من خلال شرائها محاصيلهم ومن ثم تسويقها إلى المراكز الحكومية عبر تجار وسطاء، للاستفادة من فرق السعر، وتحقيق المنفعة المادية لها.
وخلال اليومين الماضيين، ظهر توجّه مختلف لدى هيئات «الإدارة الذاتية» المعنية بالملف الزراعي، بدا كأنه تراجع عن قرار تسلّم كل المحصول، إذ قال «الرئيس المشترك لهيئة الاقتصاد والزراعة في الإدارة الذاتية»، سلمان بارودو، في تصريحات إعلامية، إن «الإدارة الذاتية قررت منح الحرية الكاملة للمزارعين في بيع محاصيلهم الزراعية، سواء للتجار أو للنظام السوري». غير أن التدقيق في الشروحات التي تلت هذا التصريح يؤكد أنه لا يعكس الصورة الحقيقية، إذ لفت بارودو عبر صفحته على «فايسبوك» إلى أن بإمكان الفلاحين بيع محاصيلهم إلى المراكز الحكومية الموجودة في «مناطق الإدارة الذاتية» فقط، من دون إخراجها ونقلها إلى مناطق سيطرة الحكومة السورية. وجاء تعليق بارودو رداً على سؤال حول العمولة التي تفرضها «الإدارة الذاتية» (قُدّرت بنحو 150 ألف ليرة سورية) على الشاحنات المُحمَّلة قمحاً أو شعيراً، والتي تريد الانتقال إلى مناطق سيطرة الحكومة السورية.
عام انتهاء «الجدب»
رفعت الحكومة السورية سعر شراء القمح من 175 إلى 185 ليرة سورية هذا العام، والشعير بـ130 ليرة، وذلك بهدف تشجيع الفلاحين على تسليم محاصيلهم للمراكز الحكومية. وفي المقابل، حدّدت «الإدارة الذاتية» سعر كيلو القمح بـ 150 ليرة، والشعير بـ 100 ليرة، وهي أسعار بعيدة عن واقع الكلفة.
التعويل الحكومي على اجتذاب أكبر كمية ممكنة من المحاصيل، مردّه ضعف حصيلة إنتاج السنوات الماضية. إذ أنتجت سوريا في أول سنوات الحرب (2011) قرابة 4 ملايين طن من القمح، لينحفض خلال أربعة أعوام إلى أقل من 500 ألف طن (2015)، ويواصل انحداره إلى حدود 300 ألف خلال العامين الماضيين.
وكانت محافظة الحسكة وحدها تنتج بين 50 و90 في المئة من مجمل محصول القمح خلال سنين الحرب وما قبلها. أما الرقة التي يعتمد اقتصادها بالدرجة الأولى على الزراعة، فقد انخفض إنتاجها إلى النصف تقريباً، خلال سيطرة تنظيم «داعش» عليها. وبعد انتهاء المعارك مع التنظيم، عاد الفلاحون إلى زراعة أراضيهم، وتوقّعت مديرية زراعة الرقة (حكومية) أن يصل الإنتاج إلى نحو 700 ألف طن من القمح هذا العام.
الأخبار
إضافة تعليق جديد