كيف غدت الصين أكبر مصدر في العالم

04-12-2020

كيف غدت الصين أكبر مصدر في العالم

د.نسرين زريق: 

نموذج النمو الصيني الذي بنته وطورته؛ كان بأن تجعل من نفسها كبلد أكبر آلة تصدير في العالم؛ الأمر الذي أصبح يخلق تلقائيا لديها كل عام من 15 الى عشرين مليون فرصة عمل حقيقية (ليست بطالة مقنعة)؛ رقم معقول لعجلة نمو متسارعة وعدد سكان صارخ؛ استهدفت الصين في فرص العمل هذه جحافل الوافدين من الارياف الصينية الى المدن وخاصة الساحلية منها (لكونها موانىء وقلوب تصدير) بتجنيد وظيفي محكم الدقة والترتيب ويشتمل في اغلب الاحيان تدريبا مسبقا على العمل ثم التوظف؛ نلاحظ هنا التنمية البشرية لها خطة (تعليم تدريب توظيف) متكاملة..
ثم سلسلت الصين العظمى خطواتها بخطوة ثانية كبرى تجميد عملتها الوطنية (الوان) على مستويات شديدة الانخفاض مع تعرضها لتغييرات طفيفة عند الازمات (ترك مرونة في صعود العملة وهبوطها سيكون مفيدا ويؤتي ثمرا جيدا عند الازمات الاقتصادية والمالية سواء المحلية او العالمية لانه يفرغ الضغط من كساد او تضخم - خلينا نتخيل سوا طنجرة ضغط تحتاج صافرة تفريغ ضغط- ويحجمه بمقدار ماتقدره بلد ما من معدل تغير تسميه طبيعي مثال الصين 10% صعود هبوط في عملتها تعتبره طبيعي) ؛ سمح لها تخفيض عملتها هذا بتكوين فائض تجاري ضخم جدا قامت الصين بصبه في احتياطي البنك المركزي لديها (وليس لزيادة الانفاق الحكومي) ولم تستخدمه رغم قدرتها على رفع سعر صرف عملتها بموجب هذا الاختياطي بسهولة لتصبح عملتها توازي الدولار الواحد؛ لم تستخدم هذا الاحتياطي لرفع سعر الصرف او غيره بل ثبتت عند الاستراتيجية والخطة التي قررتها(الاحتياطي الذي يزداد عن ال 3 ونصف تريليون دولار - 3500 مليار دولار ) ..
تسمى هذه الاستراتيجة بعلم الاقتصاد استراتيجية الميركانتيلية وهي استراتيجية اقتصادية ضخمة اسسها الاوروبيون في العصور الوسطى تم اعتمادها كخطة لنقل اوروبا من الزراعة الى الصناعة وكانت مفترق طرق للوصول لعصر المحركات البخارية التي اطلقت الثورة الصناعية الكبرى ونهضت باوروبا؛ بالخلاصة لهذه الاستراتيجية النهضوية المخصصة لانهاض الدول المندثرة اسس ومرتكزات واحدها على سبيل المثال لا الحصر هو تسخير الطاقات جميعها لتحقيق اعلى تصدير ممكن وتحجيم الاستيراد لاقصى حد ممكن مع فرض قيود جمركية وقلب الاحتياطات المصرفية والعملات الى ذهب وفضة وخلافه العديد من بنود الخطة الميركانتيلية..
نعود للصين التي سجلت عام 2015 بمجلس الدولة لديها مشروع (صنع في الصين 2025) يعتبر المشروع تجسيدا لخطة الصين التي عملت بها خلال 3 عقود صناعية وتطويرا للخطة بنفس المسار لعقود مقبلة متضمنة اضافات كتغيير ثوري بخطوط النقل و الاستثمار العام والتكنولوجي ..
نعود لاساس تطبيق الاستراتيجية الصينية لتصل الى النموذج الاقتصادي الذي خططت له منذ ثلاثون عاما؛ فحتى تلبي الصين الطلب العالمي تتلاعب بعملتها الوطنية اذن .. بالاضافة لتطبيقها نظام الجودة المتنوع لما يحقق تلبية لحاجات السوق العالمية سواء جودة عالية او منخفضة حسب الطلب وبهذا اصبحت مؤهلة لتصدر للعالم كله بضائع؛ وبالمقابل في اقتصاد المنطق نجد انها تأخذ حسب الخطة وظائف العالم كله ..
الى ان جاءت مشكلة 2008 التي جعلت من بعض الاسواق العالمية اقل قدرة على استيعاب منتجات باقي العالم بفتح ابواب استيرادها على مصراعيها؛ هذه الازمة جعلت من الصين تضع خطة b تشمل توسيع استثماراتها بامور تضاف الى الصناعة حتى تحقق توازنا فبدأت حينها برسم نموذج متطور للاقتصاد لديها سمته (صنع في الصين 2025) يشمل صناعة المستقبل كالرجال الالية والطاقة النظيفة في النقل والتقنية البيولوجية بدون ان تستغني ولا بقيد شعرة عن توسيعها لقاعدة صناعية تملأ العالم للوصول لاعلى سلسلة في القيمة الاقتصادية ..
خطة b شملت العديد ومثال لها بناء مصانع بطاقة فائضة وبناء مطارات بدون حركة ومدن فارغة من السكان؛ ولولا تنفيذها لهذه الخطة لكانت دخلت في تباطؤ في معدل نموها وبدأت تخسر تصديرا هنا او هناك ؛ قامت الصين بتمويل استثمارات الخطة البديلة من المصارف الداخلية لديها؛ قامت الصين بالاستدانة من مصارفها للاستثمار (وليس لزيادة الانفاق الحكومي ) بهذه الخطة قامت المصارف التقليدية عن طريق تقديم سيولتها للحكومة عشكل دين بفائدة .. قامت بالتسبب بتدوير مدخرات الشركات الصينية والشعب الصيني الذي يودع ماله ببنك بلده مقابل تقديم فوائد عالدين وصلت احيانا ل 60 بالمائة ..
ومنه بدأت الصين بتعزيز قوة القطاع العام باستثمارات صادقة اهدافها ربحية ولكنها بدون تفعيل.. بتمويل من القطاع الخاص الذي دعمته لثلاث عقود تصديرية صناعيةواستمرت بخطة الدعم ؛مقدمة حصة عالية مقابل هذه الاستدانة التشغيلية .. هذه الخطوة رقم 3 ..
وقت التطبيق الذي حدث ان خطوة 3 جعل من الحكومة الصينية تصل لمرحلة ان تدفع فوائد لبشعب وصلت لمستوى 200 % من الناتج المحلي الاجمالي (الناتج المحلي الاجمالي هو مجموع وثروات الافراد والشركات والحكومة في بلد ما ).. اذن بهذه الخطوة ضاعفت ثروة الاغنياء وثروة الشركات وثروة القطاع العام .. طبعا هذا الدين كله كان سيهد الحكومة الصينية لو لم تفعل تصعيدا بنموها( عمل سريع وانتاجية عالية وبيع سريع) نسبة وتطبيق سريع وامتداد وتوسع بسيط في التوجه للاستهلاك المحلي (بناء الشقق بسرعة وبيعها بسرعة وتسهيلات تسديد لتعيد السيولة ليدها واعادة توظيفها مع الربح بمشروع اخر حكومي لتحصل على ربح جديد حتى تستطيع التوازن اتجاه نسبة فائدة على الدين جامحة كهذه)..
اصبح لديها حكومة بزنس استثمارات قطاع عام توجه لدعم الفقراء بربح بسيط تعتمد به على فكرة انجاز مشاريع كثيرة للشعب بربح قليل بصدد تسديد فوائد الدين من جهة وتحقيق اقتصاد شعبوي يركض بمارثون الاقتصاد الصناعي والربوي لديها تجنبا لغضب الشارع وهو عادة اكبر مخاوف السلطة .. دعم قطاع خاص تصديري.. دعم قطاع خاص صناعي .. دعم ثروات .. دعم فرص عمل ..
تخاف الصين دائما بتقديري بموجب الفخ الذي وضعته؛ تخاف ان تقع فيه وان تكون خنقت الاستهلاك اليومي للناس وللشركات بما يقلب السحر عليها يوم تحتاج استهلاكا محليا .. وأن يحدث طارىء يجعلها تقع بثغرة التاخر بسداد الدين او فائدة الدين نسميهما اقتصاديا خدمة الدين (على فكرة المالية الصينية تعيد جدولة الديون باستمرار لتصفية ما امكن بالسرعة القصوى )..
فهي دربت الشعب ونفسها على تحجيم الاستهلاك مقابل الاستثمار؛ واصبح القطاع العام الحكومي يستحوذ على حصة محترمة من مداخيل التصدير ويوزعها لتوسيع المصانع اولا لتبقى تنافس مصانع القطاع الخاص ومشاغله المتوسطة (مباراة دائمة )
اما حلول المخاوف هذه فمتوفرة ولكل منها ايجابيات وسلبيات ستحول مسيرة البلاد الى لون مختلف ومنها رفع سعر صرف العملة الذي سيرفع بسرعة معدل الاستهلاك المحلي ولكن سيؤثر حتما بقدرة منتجات الصين الصناعية التنافسية في الاسواق الخارجية وغيرها من عشرات الحلول التي نتوقع ان تاخذ الصين احدها ان وقعت في مازق ما؛ باعتبارها دولة تخطط لخطواتها قبل السير المدروس ولا تعتمد اقتصاد الصيانة (حلول مشاكل يومية او مؤقتة لاحداث سوقية)

 

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...