الروائية الهولندية آنا خن خومان : النفاق والرياء العالمي وصل لمستوى مخيف

25-01-2021

الروائية الهولندية آنا خن خومان : النفاق والرياء العالمي وصل لمستوى مخيف

آنا خن خومان صحفية وروائية هولندية درست الصحافة في جامعة أوترخت. عُرفت في هولندا بكاتبة الجوائز فقد حصدت أولى رواياتها “زائر المرضى” في ٢٠٠٨، جائزة أنطون فخت. وفي ٢٠١٢حصدت  روايتها “رحلة طائرة” جائزة ألمانية للكتُاب الشباب،إضافة لجائزة الكتُاب الوافدين، تلتها رواية “ملك هونولولو” في ٢٠١٥ حيث اثارت الرواية جدلاً واسعا في هولندا لجرأتها في التطرق إلى موضوعات إشكالية معقدة تطرح للقارىء الهولندي لأول مرة، منها الولوج إلى خفايا وعالم المحفل الماسوني في هولندا، والتطرق للماضي الاستعماري الأسود لهولندا في إندونيسيا وممارسات البيض ضد مزارعي إندونيسيا إضافة للممارسات اللاأخلاقية ضد القيم الإنسانية. كما وتطرقت لمجريات الحرب العالمية الثانية و للقصف الذري الذي نفذته الطائرات الأمريكية على مدينتي هيروشيما وناجازاكي .كل ذلك جاء في سياق الأحداث الروائية التي نسجها خيالها، حيث حققت نجاحاً كبيراً، وبيعت منها ستين ألف نسخة. وتحولت  لاحقاٍ إلى فيلم سينمائي أنجزته جمعية السينما  الهولندية.  في السنوات  الأربعة الأخيرة جابت خومان العالم من اليابان، الولايات المتحدة الأمريكية، وجزر الهاواي إلى جزيرة مارشال على المحيط الهادي. لتكتب روايتها الرابعة التي استغرقت منها أربع سنوات من الجهد والبحث المضني لتظهر ”هولي ترينتشه” للعلن في مايو٢٠١٩.

في هذه الرواية سلطت خومان الضوء على سياسة النفاق العالمي الذي تعتمده السياسة الدولية في التعاطي مع القضايا الإنسانية والبيئية الكبرى منها مخاطر انتشار الطاقة النووية في العالم وخطورة اعتمادها كبديل مستقبلي لتوليد الطاقة. وحول نجاحات الكاتبة واخفاقاتها ورؤيتها المستقبلية لسوق الكتاب وعالم القراءة في العالم كان لي معها هذا الحوار .

حول سبب اختيارها لموضوعات الإشكالية  لروايتها تجيب خومان : أرى أن الكتابة بحد ذاتها مهمة صعبة  وشاقة وخصوصاً إذا أراد الكاتب توجيه روايته إلى عقل القارئ، فا الكتاب بالنسبة لي هو العالم الآخر الذي يتيح لي ولأي قارئ استخدام كل تلافيف دماغه للوصول الى المتعة الذهنية الحقيقة والتي تقوده بدورها لتشكيل وجود جديد و وعي خلاق قوامه الحروف والكلمات. واعتماداً على هذه الفكرة أبدأ باختيار مواضيع رواياتي وأنسج من تلك الفكرة فضاءً روائياً و عوالم وشخصيات مختلفة او متشابهة مع تلك التي نعايشها في الحياة الواقعية والتي تساهم بدورها في المكاشفة الذاتية أو مكاشفة الآخر للوصول بالنهاية إلى مجتمع بشري إنساني يستخدم العقل والمشاعر للوصول الى عالم بلا نفاق أو مواربة. فالحياة لا يمكن ان تستمر بهذا المنوال باستخدام العقل فقط. فالنفط والثروات الباطنية  ليس لها أي معنى لو وجدت في عالم خالٍ من الإنسانية. أسعى في كل كتابتي لتحرير الروح الإنسانية من القيود التي تفرضها القوانين الوضعية  والنظريات البراغماتية على العقل البشري، فأنا هنا أخاف أن يصل العالم بمستوى من الانحطاط الأخلاقي لدرجة يصعب معها التمييز بين القيّم الإنسانية أو الغرائزية الحيوانية. لقد وصلت بعض الحكومات والمنظمات العالمية ذات المصداقية الدولية إلى مستوى غير محدود من النفاق  الأخلاقي السائد والذي لا يمكن  التنبؤ بنتائجه على مستقبل  للأجيال القادمة.

وعن روايتها “هولي ترينتشيه”  ومدى نجاحها في السوق الهولندية تجيب خومان :

       صدرت روايتي في ٢٠١٩ ولكنها لغاية الآن لم تحقق نجاحاً في نسب المبيعات كما حققته رواية “ملك هونولولو” وقت صدورها، ربما لأن أحداث رواية “ملك هونولولو” كانت تدور حول مشكلة نفسية لرجل ذو ماضيٍ مؤلم حيث تطرقتُ  في تلك الرواية إلى عالم ( البنائين الأحرار ) عالم الماسونية المعقد ف “هادري” بطل الرواية  طباخ أدونيسي مشهور قدم طفلا إلى هولندا أثناء الحرب العالمية الثانية. عاش وترعرع صامتاً، لا أحد  يعرف  شيئاً عن ماضيه، وفي سن ٨٦ كان عليه أن يتحدث عن حياته في المحفل الماسوني حينها أفشى سر حياته وهو انه قتل ثمانية أشخاص انتقاماً لمقتل امه ومقتل العديد من أفراد أسرته  أثناء الحرب الأهلية الأندونسية، هنا وضع بطل تلك الرواية باقي أعضاء المحفل في معضلة حول كتمان سر ذلك القاتل الذي تربى وترعرع بينهم لسنين وارتقى في عضويته إلى مرتبة عالية في المحفل. فكتم الأسرار إحدي أهم قيم البنائين، بإفشائه لسره وضع “هاردي” أعضاء المحفل الماسوني أمام معضلة أخلاقية تمس القيم المتعارف عليها بينهم، فهل يبقى سره طي الكتمان، ويبقى عضوا فعالاً في المحفل أم يُطرد ويتم إفشاء سره. وهنا لم تقدم الرواية حلاً للمعضلة التي بقيت حديث الإعلام الهولندي حينها. أما روايتي “هولي ترينتشيه” فهي تعالج الواقع الحالي الذي نعيشه اليوم. فقد اعتمدت في روايتي على واقعة حقيقية حدثت بالفعل. وهي حكاية راهبة وناشطة بيئية أمريكية تدعى “ميغان رايس”  قضت كل حياتها وهي تتظاهر ضد الحروب التي تديرها أمريكا ضد بلادٍ مختلفة، وضد إنشاء المفاعلات النووية في العالم . وقد تمكنت من زيارتها ولقاءها في واشنطن  في سنة ٢٠١٦، وأجريت معها حواراً أعطاني الكثير من  الإلهام وحفز كل خلايا دماغي لاستلهام ونسج روايتي “ هولي ترينتشة”. فأحداث روايتي تدور حول راهبة هولندية ناشطة في هولندا ضد الإجهاض والحروب تسمى  “ترينتا” و التي تعتقد أن لديها مهمة ربانية ألا وهي القضاء على المفاعلات النووية في العالم، لما لها من قوة تدميرية على الحياة البيئية.  ففكرة الرواية جاءت لذهني بالمصادفة  عندما سمعت في نشرة الأخبار عن حكاية  الراهبة “ميغان رايس” التي جُرمت بالسجن ثلاث لمحاولتها اقتحام إحدى المفاعلات النووية الأمريكية، ، في لقائي معها سألتها لقد قضيت عمرك وانت تتظاهرين ضد الحروب ، ولكنك العالم من حولنا يزدادعنفاً، لم يسبب لك ذلك نوعا ً من الإحباط واليأس، ضحكت لا على العكس  أشعر أنني نجت بدليل أنك قادمة من هولندا لتسمعي قصتي وتكبيها، ،وأنت بدورك ستكتبي قصتي، وسيتم تداولها في بلادك. النجاح أن يبقى هناك أشخاص مثلي ومثلك مناهضين للحروب ضد الأقوياء.

فالراهبة في روايتي  قررت وهي عمر بعمر٨٢ القيام بنوع من الاحتجاج ألا وهو الغارة على المفاعل النووي الوحيد الموجود في هولندا، بالتعاون مع ناشطين بيئيين عالميين لديهم ذات الدوافع منهن مارشال بوني باتلوك، والياباني بوشيدا كاواموتو. كلاهما لديه أسبابه الكافية لمشاركة الرهبة في التخلص من الطاقة النووية. بوني قادم من جزر مارشال التي تلوثت بالقنابل النووية جراء التجارب الأمريكية المستمرة  في المحيط الهادئ. فالنساء هناك تلد أطفال مشوهين نتيجة النشاط الاشعاعي الكثيف في الجزيرة. لقد سافرت إلى هناك وشاهدت بأم عيني الكم الهائل للتشوهات الخلقية للأطفال والكبار. وزرت المشافي والمدارس وعشت أسبوعين بين الأطفال المرضى. إضافة لحزني الشديد للأوضاع المعيشية الصعبة التي يعيشها هؤلاء البشر، شعرت بالخزي والعار للصمت الأوروبي على مثل هذه الأنشطة النووية التي تغمض المنظمات الدولية العين عنها، ويتم الاعتام عليها إعلاميا. أما يوشيدا فهو ضحية لكارثة فوكوشيما النووية، والتي حدثت جراء التسونامي الذي حدث في اليابان في ٢٠١١، فقد خسر كل أفراد أسرته ما زال يفقد أفراد أسرته الواحد تلو الآخر بسبب السرطانات الغريبة التي تجتاح الأسر بكاملها. لقد قمت كذلك بزيارة لأقرب بلدة مسموح الاقتراب منها وشاهدت في اليابان مأساة إنسانية حقيقية فمنذ كارثة تسونامي فوكوشيما والناس تعيش بعيدة عن أراضيها وممتلكاتها. لقد أجريت عدة لقاءات مع أشخاص مبعدين قسراً عن بيوتهم ويودون العودة رغم المخاطر الإشعاعية. ما حدث ويحدث في اليابان ليس إنسانياً والحكومة هناك تمنع التدخل الاممي او إجراء أبحاث علمية حول كمية النشاط الإشعاعي ومدى خطورته على الحياة البيئة فوق الكرة الأرضية

حاولتُ في هذه الرواية نسج قصة عبثية لتسليط الضوء على تلك القضية المستقبلية لما لها تأثير على مستقبل أبناءنا وأحفادنا. محاولة بذلك خلق عالم عبثي ساخر من النفاق و الضجيج الإعلامي حول المشاكل الكونية البيئة. فما كل المؤتمرات البيئية التي تُعقد والتي يتم ترويجها  لها ما هي إلا لذر الرمال في العيون.

وحول رويتها مستقبل صناعة الكتاب في أوربة والعالم خصوصاً تجيب خومان:

 بصراحة الواقع الذي نعيشه مخيف، وحسب كل المعطيات الحالية ونسب مبيعات الكتب في هولندا أستطيع القول أن صناعة الكتاب تدهورت لدرجة مخيفة. فكثير من دور النشر في هولندا أعلنت إفلاسها أو تحولت إلى كافيهات للمير واجنا والحشيشة، فشريحة الشباب المتعلم و التي من المفترض انها الشريحة الأساسية القارئة ابتعدت عن القراءة وانشغلت بالعالم الافتراضي  والمتع الزائلة، وقسم كبير من الشباب وجه اهتمامه وجلّ وقته لممارسة المضاربة الإلكترونية  عبر الإنترنت، عالم  اليوم هو علم مخيف ذلك بلا قيم ولا مُثل. التطور الرقمي المذهل هو مقامرة غير مضمونة النتائج على مستقبل البشر فوق هذا الكوكب. لقد توحدت قوى الشر العالمية مع مراكز الذكاء العالمي  لبرمجة عقول الجيل الناشيء لتسييره  حسب أهواء مجموعة من المستثمرين العالميين، مختلفي الجنسية الذين توحدوا بدورهم على  شركات عابرة للقارات.  وعبروا إلى حياة المجتمعات لاستغلالها لصالح فئة عالمية قادرة على تحريك المجتمعات  البشرية عن طريق طرح تطبيقات وبرامج رقمية تساهم بتغييب وعي الفئة الشابة وجرفها وفق التيار المرسوم لهم.

كل ذلك من أجل تكريس طبقة محددة في العالم للسيطرة على مقدرات الشعوب أما الشريحة التي تهتم بشراء كتاب جديد فهي بكل أسف ذات الشريحة العمرية  التي عاشت في مرحلة بداية الثورة الرقمية، حافظت على القراءة وهي  التي ما زالت تقرأ وتلك الشريحة أصبحت قليلة .

 حاورها : سلوى زاهر _ هولندا: سفير برس


إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...