برلمان قطر: ظِلّ آل ثاني
«الطبْل والزمْر» اللذان رافقا أوّل انتخابات لمجلس الشورى القطري، لم يستطيعا التغطية على المثالب الكثيرة التي ميّزت هذه الانتخابات، بدءاً من إقرار قانونها، وحتى صدور نتائجها التي أوصلت 30 عضواً منتخَباً ليس بينهم أيّ امرأة إلى المجلس، وسينضمّ إليهم 15 عضواً آخر يعيّنهم الأمير. في النتائج وحدها يمكن قول الكثير، إذ جاءت كما تشتهي السلطة وأكثر، وهو ما يبرّر الفتور الذي أعقب صدورها مباشرة، بعد حماسة شهدتها الحملة الانتخابية ويوم الاقتراع نفسه، أوصلت نسبة المقترعين إلى أكثر من 63 في المئة من الناخبين المسجّلين، علماً أن السلطات تجنّبت نشر عدد هؤلاء رسمياً، فيما لم يجتهد إعلامها الموالي للحكومة بمجمله في محاولة الحصول على الرقم انطلاقاً من النتائج المعلَنة. ويبلغ عدد مواطني الدولة 333 ألف نسمة، يُستثنى منهم مَن هم دون الـ18 عاماً، ومَن لا يحق لهم التصويت لأن جنسيتهم القطرية ليست «أصلية»، أي ليسوا ممّن حصل أجدادهم على الجنسية القطرية قبل عام 1932.
لم تُغامر السلطات القطرية بأيّ مجازفة، وتمكّنت من ضبط العملية تماماً، وصولاً إلى نتائج لم تتضمّن أيّ مفاجأة، ولم توصل حتى معارضاً واحداً إلى مجلس الشورى، ولا سيما من القبائل المعارضة لآل ثاني مثل قبيلة بني مرة، الذين انتُخب منهم في الدائرة الـ 16 المدّعي العام السابق، علي بن فطيس المري. والأخير قاد محاكمات قاسية للكثير من المعارضين، ومن ضمنهم الشاعر محمد ابن الذيب، الذي طلب له الإعدام بسبب «قصيدة الياسمين» التي هاجم فيها الأمير السابق حمد بن خليفة آل ثاني، ثمّ حكمت عليه محكمة الجنايات في عام 2011 بالسجن المؤبد، لتُخفّض العقوبةَ محكمةُ الاستئناف إلى 15 سنة، ثمّ يخرج بعفو أميري في عام 2016. ولا يزال ابن فطيس، إلى الآن، ينتقد تخفيف الحكم على ابن الذيب، الذي يردّ عليه بمهاجمته بشراسة، وسعى بقوّة إلى منع وصوله إلى المجلس، مؤيّداً المعارضين من آل مرة، وعلّق على الانتخابات بأن وصفها بـ»الشكلية». كذلك، كان بين الفائزين مَن تولّوا مناصب وزارية سابقاً، مثل علي سعيد الخيارين الذي كان وزيراً للبلدية، إضافة إلى سفراء سابقين ورجال أعمال وأكاديميين.أقامت السلطات القطرية سلسلة «دفاعات»متتالية لمنع تحقيق أيّ اختراق، أوّلها حصر حق الترشيح والاقتراع بحَمَلة الجنسية «الأصلية»، ما يستبعد حُكماً كُثراً من أبناء القبائل، وخاصة من بني مرّة، ممّن لم يحصل أجدادهم على الجنسية قبل عام 1932؛ وثانيها طلب موافقات أمنية على الترشيح، ما أتاح استبعاد مرشحين قد يكونون مزعجين مِمّن تتوفّر لديهم الجنسية «الأصلية»، مثل المرشّحة مباركة المري؛ وثالثها اعتماد منطقة السيلية مكاناً لاقتراع غالبية أبناء القبيلة في الدائرة الـ 16، وهي بعيدة نسبياً عن مناطق سكن كثيرين منهم، ورابعها أن المجلس نفسه لا يتمتّع بسلطات كثيرة، ولن تكون له سلطة على السياسات الخارجية والدفاعية والأمنية والاقتصادية والاستثمارية للدولة، إذ تتركّز صلاحيته في إقرار الموازنة وحجب الثقة عن الوزراء، فيما الأمير يستطيع نقض أيّ قرار له بمرسوم.
وبالفعل، لم يتطرّق أيّ مرشح خلال الحملة الانتخابية ولا بعد الفوز، مثلاً، إلى السياسة الخارجية لقطر، على رغم انخراط الدولة الخليجية في صراعات خطيرة خارج حدودها، بعضها مسّ حياة المواطنين القطريين بشكل مباشر، كما حصل عندما قاطعت السعودية ومصر والإمارات والبحرين بلادهم، ومنعتهم من زيارتها والطيران فوق أجوائها، وقطعت عنهم المواد الغذائية والطبية، ما اضطرّ السلطات للجوء إلى الأجواء الإيرانية والأسواق الإيرانية والتركية لتوفير بدائل.حتى البنود التي يمكن اعتبارها إيجابية في قانون الانتخاب، استُخدمت من قِبَل السلطات تعسّفاً، مثل حظر إثارة النزاعات القبلية والطائفية، والذي استُغلّ لمنع وصول معارضين تدعمهم قبائلهم. فالاستقطاب القبَلي كان من سمات هذه الانتخابات، وجميع مَن فازوا بالعضوية، وصلوا من خلال تصويت قبائلهم لهم. وفي عدد من الدوائر، كان المرشحّون جميعهم من قبيلة واحدة. ولو أريد تفعيل هذا البند في القانون، لأُبطلت عضوية كثير من الفائزين، أو لأُبطل ترشيحهم قبل ذلك، تحت عنوان الموافقة الأمنية المطلوبة للمرشح.
وفي مقابل الاحتقان الداخلي الذي يسبّبه تحييد أجزاء من قبائل محدّدة، ولا سيما آل مرة، الذين لم تجد سلطات الدولة حلّاً آخر لهم غير الاستبعاد، خاصة أنهم لعبوا أدواراً لمصلحة أطراف تتصارع مع قطر، كالسعودية والإمارات، حقّقت الدوحة أهدافاً عدّة من خلال الانتخابات، أبرزها تنفيس احتقان سببه عدم وجود عملية ديمقراطية، ما يتيح لها نقل المطالب الداخلية والخارجية من الدعوة إلى إجراء انتخابات في المقام الأول، إلى الحثّ على تحسين الممارسة الانتخابية، وهو أمر مؤجّل حتى الانتخابات المقبلة بعد أربع سنوات. كذلك، فإن الدور المرسوم لمجلس الشورى هو جزء من الترويج للقيادة السياسية داخلياً وخارجياً، لمجرّد أنه صار لقطر برلمان منتخب. لكنّ الهدف الأساسي يبقى الحصول على شرعية انتخابية للقيادة السياسية، من دون عرضها على الانتخاب أو الاستفتاء، وذلك من خلال مصادقة المجلس المنتخَب من الشعب على السياسات العامة للدولة.
الطريف أن الانتخابات تعرّضت لانتقادات مباشرة وغير مباشرة (عبر الذباب الإلكتروني) من قِبَل دول خليجية، إمّا لم تعرف الانتخابات في تاريخها، وإمّا تمارس أشدّ أنواع العنصرية ضدّ شعبها، كالبحرين التي اتّهمت جارتها الخليجية بـ»العنصرية» من خلال استبعاد غير حَمَلة الجنسية «الأصلية» عن التصويت.
الأخبار
إضافة تعليق جديد